وليد مرمر
رغم ادعاءات الحكومة الإسرائيلية أن حربها الأخيرة على غزة كانت من أجل تحجيم دور «الجهاد الإسلامي» (حليف إيران الأول في فلسطين) إلا أنه كان واضحاً من النتائج الميدانية الهزيلة لجولة العدوان الأخيرة أن السبب الرئيس لها لم يكن إلا محاولة لكسب النقاط من رئيس الوزراء يائير لابيد وتعزيز مكانته الداخلية قبل انتخابات نوفمبر المقبل، سيما أنه يعاني من عقدة خلو سيرته الذاتية من الخبرة العسكرية التي تمتع بها معظم رؤساء الوزراء قبله.
وجاء اغتيال دولة الاحتلال لتيسير الجعبري مخالفاً لكل الشرائع الدولية وهو ما يعتبر في شرعة حقوق الإنسان «إعدام خارج نطاق القضاء». وكان الجعبري قد خلف بهاء أبو العطا (الذي اغتيل بدوره على يد قوات الإحتلال) في قيادة قطاع شمال غزة في «سرايا القدس» التابعة لحركة «الجهاد الإسلامي».
وكانت إسرائيل التي نفذت عمليتي اغتيال الجعبري في الخامس من آب، أول أيام العدوان، ولاحقاً القيادي خالد منصور في ثاني أيام العدوان قد ضربت بعرض الحائط أي اعتبار لحياة المدنيين. بل هي لم تعتذر –ولو شكلياً– عن هذا الاستخفاف المفرط في استهداف المدنيين. فلقد تسبب اغتيال الجعبري باستشهاد تسعة مدنيين بينهم امرأة وطفلة في الخامسة من عمرها لدى استهداف المبنى السكني الذي كان يقطنه، وأما الغارة التي استهدفت في اليوم الثاني للعدوان منزلاً كان يتواجد فيه قائد اللواء الجنوبي في حركة «الجهاد» خالد منصور في مدينة رفح فقد أودت بحياة عدد مماثل للغارة الأولى، أي تسعة مدنيين بينهم طفل وثلاث نساء. وأكّدت مصادر طبية أن ما حصل في الغارتين كان مجزرة بحق المدنيين العزل، وهو ما يرتقي بحسب القوانين الدولية إلى جرائم حرب. ولكن هذا ليس مستهجناً في دولة قائمة على الفصل العنصري تميز بقوانينها بين مواطنيها اليهود (أصحاب الحقوق المزعومة و«الغوييم» من غير اليهود). فما بالك في فلسطينيي غزة الذين تعتبرهم إسرائيل شوكة في خاصرتها الجنوبية لطالما تمنت إجلاءهم إلى صحراء سيناء.
نتائج المعركة
فضلاً عن اغتيال القائدين في حركة «الجهاد الإسلامي» تيسير الجعبري وخالد منصور، فقد تسببت عمليّة «الفجر الصادق» –كما سمّتها إسرائيل أو عمليّة «وحدة الساحات» كما سمتها «سرايا القدس»– باستشهاد 48 فلسطينياً بينهم 16 طفلاً و4 نساء وإصابة 400 آخرين.
ميدانياً، ومن دون مكابرة، نجح لابيد من خلال عملية «فجره الصادق» بتوجيه ضربة موجعة إلى «الجهاد» عبر اغتيال قائدين بارزين من دون تمكن صواريخ المقاومة من تسجيل أي انتصار يذكر. وربما يعزو كوادر «الجهاد» هذا الأمر إلى عامل المفاجأة الذي صب في مصلحة إسرائيل فضلاً عن عوامل أخرى قد يكون أهمها نجاح إسرائيل بـ«تشتيت الساحات» الفلسطينية. وقد يكون هذا هو الأمر الذي توجّست منه «سرايا القدس» خوفاً عندما قامت بتسمية هذه الحرب «وحدة الساحات».
فهل توحدت الساحات فعلاً؟
الجواب البسيط على هذا التساؤل –بكل أسف– هو لا!
فقد استطاعت إسرائيل حصر الحرب بينها وبين «سرايا القدس» وذلك بعد تحييدها حركة «حماس» والسلطة الفلسطينية. ثم قام بعدها مئات المستوطنين في خضم العدوان وبحماية الجيش الإسرائيلي باقتحام المسجد الاقصى في الضفة الغربية وذلك تزامناً مع التصعيد في غزة بدعوى إحياء ذكرى خراب الهيكل المزعوم. ثم قامت إسرائيل بكل صفاقة وحال سريان وقف إطلاق النار في التاسع من أغسطس، باغتيال إبراهيم النابلسي القائد في «شهداء الأقصى» التابعة لحركة «فتح» من اثنين من مرافقيه. وهكذا لم تنفع سياسة «النأي بالنفس» في الضفة الغربية التي اعتمدتها السلطة الفلسطينية ولم تغنها عن تلقي نصيبها من العدوان، وكأني بلسان حال السلطة يقول بعد استشهاد النابلسي يقول «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض» في غزة!
وقد يعزو البعض «تقاعس» الضفة عن نصرة غزة إن عبر الإحتجاجات والمظاهرات أو غيرها من مظاهر المقاومة إلى سياسة السلطة التي تسير في فلك التطبيع المجاني المناهض لأي شكل من أشكال المقاومة الفعالة. ذلك فضلاً عن نجاح إسرائيل في القضاء على أي نوع من أنواع الوجود التنظيمي الهيكلي للفصائل والتنظيمات الفلسطينية. وربما هذا ما عبر عنه خضر عدنان، القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي» في الضفة ملقياً اللوم على «القبضة الأمنية للسلطة الفلسطينية وما تمارسه من تنسيق أمني مع الاحتلال». في هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العربية الأميركية بمدينة جنين عقل صلاح أن «الضفة الغربية منهكة اقتصادياً وأمنياً وتواجه الاعتقالات المستمرة والملاحقة المزدوجة (من أجهزة السلطة والاحتلال) للعناصر التي تتحرك في مواجهة الاحتلال.
أين «حماس» من كل ما جرى؟
كان موقف حماس متماهياً مع موقف السلطة الفلسطينية بدعوة المجتمع الدولي إلى «التحرك العاجل لوقف العدوان على غزة» لا غير! وقد نأت بنفسها كليا عن الصراع. وكانت مصادر إعلام إسرائيلية قد أفادت أن «إسرائيل طلبت من حماس عدم الانضمام إلى القتال متعهدة بألا تستهدف أي من مراكزها أو أبنيتها أو كوادرها».
ولا تخفي شخصيات إسرائيلية أن فصل مسار «حماس» عن «الجهاد الإسلامي» هو من أهداف إسرائيل الاستراتيجية. بل وأشارت مصادر مطلعة عن رغبة إسرائيل بهدنة طويلة الأمد في قطاع غزة بوساطة مصرية يتم فيها السماح بإعادة إعمار القطاع وتدشين ميناء بحري مع مشروعات اقتصادية محدودة لتخفيف معاناة الفلسطينيين وهو ما سوف يساعد «حماس» على الاستمرار في حكم القطاع. بل وتحدثت أنباء عن تسهيلات قد قدمت فعلاً من قبل حكومتي يائير لابيد ونفتالي بينيت لحركة «حماس»، وهذا كان من الأسباب التي منعتها من المشاركة في التصدي للعدوان. وتشير المعلومات إلى أن هذه التسهيلات قد تسببت في تخفيف الحصار على القطاع وزيادة عدد العمالة الوافدة منه لإسرائيل إلى 20 ألف عامل وذلك في ظل أوضاع اقتصادية متردية في القطاع.
رأس «الجهاد الإسلامي»
ثمة رأي أن التطبيع بين اليمين الإسرائيلي و«الإخوان المسلمين» الذين تنتمي إليهم حركة «حماس» قد بدأ فعلاً عقب انضمام حزب «الحركة الإسلامية» الإسرائيلي–الإخواني إلى الائتلاف الحكومي بقيادة بينيت ولابيد، وهذه خطوة غير مسبوقة لحزب عربي إسرائيلي منذ تأسيس الكيان الصهيوني. فلقد انضمت القائمة العربية الموحدة (4 نواب) برئاسة نائب رئيس «الحركة الإسلامية» منصور عباس إلى الإئتلاف اليميني الإسرائيلي وهو ما سبب حينها باستهجان الأحزاب العربية الأخرى.
فهل سيكون بمقدور «الإخوان» الإسرائيليين (الحركة الإسلامية) الدفع نحو التطبيع بين إسرائيل و«إخوان» غزة (حماس) مقابل تصفية أو تحجيم دور «الجهاد» في غزة؟
إن قدرة إسرائيل على «تشتيت الساحات» في العدوان الأخير ليست فأل خير وتنذر بالأسوأ إن لم يتم رأب الصدع الداخلي وإعادة تصويب البوصلة والعمل على «وحدة الساحات» كما تأملت «سرايا القدس» في خضم العدوان الأخير!
Leave a Reply