محمد العزير
الآن وقبل أن تبرد الهمة الانتخابية ويتبدد الاهتمام السياسي الموسمي، لابد من التذكير مجدداً بأن الانتخابات العامة في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل هي بلا مبالغة أهم استحقاق ديمقراطي يواجه العرب الأميركيين حتى الانتخابات الرئاسية الحاسمة في خريف العام 2024.
هو استحقاق مصيري سيتوقف عليه موقعهم على الخريطة الكيانية الأميركية القائمة اساساً على النفوذ الاقتراعي للجماعات والقطاعات الاثنية والدينية والعرقية والحزبية والنقابية والاجتماعية التي يقاس حضورها المؤسسي بقدرتها على ترجمة حجمها العددي في صناديق الاقتراع التي تحدد من يحل في موقع القرار.
من المفيد في هذا المجال التذكير أيضاً بأن للعرب الأميركيين ميزة انتخابية مهمة تتمثل في وجودهم السكاني في الولايات المتأرجحة وخصوصاً في ميشيغن وأوهايو وبنسلفانيا وأريزونا، وهي ساحات تنافس محتدم بين الجمهوريين المحافظين التابعين بشكل أعمى لزعامة الرئيس السابق دونالد ترامب العنصرية وذات الميول الفاشية، وبين الديمقراطيين العاجزين حتى الآن عن استيعاب دروس النزعات الاستبدادية والعدائية المتفشية في أميركا وعن رفد قيادتهم الحزبية بدم جديد يعكس الحضور المتنامي للشباب المتنور والليبرالي والرافض للكثير من الإرث «الإمبريالي»، وإن كانوا أفضل بكثير من تحالف اليمين الديني الذي يعول عليه ترامب وأنصاره.
هذا الوجود العربي الأميركي في الولايات المتأرجحة قادر على صناعة الفرق في انتخابات نوفمبر القادم، إذا توفرت له إدارة فعالة تأخذ في الاعتبار الدور الكبير للشباب والصبايا الذين أثبتوا خلال الدورات الانتخابية الثلاث الأخيرة قدرتهم التنظيمية والتجييرية وشاركوا بفعالية في التصويت والحملات الانتخابية وقدموا من بينهم مرشحين ومرشحات من ذوي الكفاءة والملاءة والنضج، وأعادوا العرب الأميركيين وفي أقسى الظروف (خلال إدارة ترامب)، إلى الخريطة السياسية التي غابوا عنها بشكل شبه كامل بعد الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن عام 2001.
لا تحتاج المشاركة العربية الأميركية الفعّالة في الانتخابات المقبلة إلى قدرات خارقة ولا تتطلب إعادة اختراع الدولاب، فالعملية السياسية في أميركا، حتى الآن، معروفة وواضحة ومجربة، إلا أنها ليست تلقائية. فالانتخابات هي أكبر مشروع جماعي في منطلقاته ونتائجه لكنه يجري بالمفرق، كل مواطن مسجل للانتخابات يحق له أن يدلي بصوته يوم الاقتراع أو عبر التصويت بريدياً، وهنا مربط الفرس! كيف يمكن تحفيز الناس على التصويت ومن سيتولى متابعة الأمور العملية المطلوبة؟
لدى العرب الأميركيين ما يكفي من مواهب ومؤهلات وخبرة لخوض غمار الانتخابات بفعالية ونجاح. كل ما هو مطلوب، إيجاد إطار شامل يوفر ملتقى تنفيذي للراغبين في العمل، وينسق الجهود والفعاليات.
لا بأس في هذه الحالة في مبادرة المؤسسات السياسية والأهلية والإجتماعية والإعلامية بسرعة إلى تشكيل مجلس مؤقت في كل ولاية أو كل منطقة تقطنها كثافة سكانية عربية أميركية يكون على تواصل مع المؤسسات الوطنية الراغبة في المشاركة والقادرة على توفير خبرات ومصادر حيوية، على أن تكون حملات تسجيل الناخبين أولى مهامه بالتزامن مع تكليف ذوي الاختصاص بمتابعة هذه الحملات وإعداد «لوائح شطب» ومنشورات واعلانات مفيدة وانشاء شبكات تطوعية للإتصال بالناخبين وحثّهم على التصويت يوم الإقتراع، وقبل ذلك توضيح عملية التصويت المبكر والمساعدة في توفير الاستمارات الانتخابية المخصصة للتصويت بريدياً.
وإذا كانت هذه المهمة مطلوبة وضرورية في كل الولايات فلا شك أن لولاية ميشيغن خصوصية تنبغي العناية الفائقة بها وذلك لأسباب كثيرة أهمها أنها من أكثر الولايات المتأرجحة أهمية بوجود تيار مؤثر ومسلح أيضاً من مؤيدي ترامب الذين لم يتورعوا عن ارتكاب جرائم موصوفة لتزوير الانتخابات وهم مستعدون لتكرار ذلك، والأخطر أنهم في حال نجحوا انتخابياً سيضعون نصب أعينهم استهداف العرب الأميركيين كهدف عنصري وكيدي طالما عمل ترامب على شيطنته. والسبب الثاني هو أن الصوت العربي الأميركي في الولاية مؤهل ليلعب دوراً حاسماً في الانتخابات المقبلة وما يليها، والسبب الثالث هو وجود عدد لا بأس به من المرشحين العرب الأميركيين للمجالس التشريعية المحلية والوطنية ومناصب قضائية وإدارية مهمة.
يعرف المهتمون من العرب الأميركيين أن حاكمة ولاية ميشيغن غريتشن ويتمر أثبتت بلا جدال أنها صديقة صادقة. وقد ترجمت ذلك من خلال التعيينات القضائية والإدارية والتنفيذية في عهدها، الوصف ذاته ينطبق على المدعية العامة في الولاية دانا نسل التي لا تحتاج إلى شهادة إزاء خياراتها الواضحة وصداقتها الفعلية للعرب الأميركيين.
هاتان المرشحتان لتجديد ولايتهما، جديرتان بالدعم العربي الأميركي غير المشروط، خصوصاً وان البديل عنهما سيكون بلا شك كارثة سياسية بالمعنى الحرفي للكلمة لأنه سيضع كل العملية السياسية في مهب الرياح الاستبدادية والعنصرية التي لا يكلف الجمهوريون أنفسهم عناء نفيها أو التبرؤ منها.
وبمقاربة أكثر شمولاً يمكن التعميم بأن أي صوت لأي مرشح جمهوري لم يرفض علناً سياسات ترامب ورعونته وحماقاته ومحاولاته تزوير الانتخابات، هو صوت للفاشية المتأهبة للانقضاض على أميركا باسم القومية المسيحية البيضاء ذات الأصول الأوروبية التي لن تكون أرحم بالجماعات العرقية والإثنية والدينية المختلفة مما كانت الفاشية الأوروبية الأصلية في القرن العشرين، والتي تتجدد اليوم على أيدي الأحزاب اليمينية في أوروبا بشرقها وغربها مع نجاح محقق في هنغاريا التي تحول زعيمها الفاشي فيكتور أوربان إلى نجم مشرق في سماء اليمين الديني الأميركي الذي يستضيفه ويقصده من خلال قيادات الحزب الجمهوري، وتعطيه «فوكس نيوز» الصدارة الإعلامية وتروج لأفكاره النازية بحماس.
Leave a Reply