كانتون
مع تزايد أعداد العرب الأميركيين في شرق ديربورن، برزت في السنوات الأخيرة موجة نزوح واسعة للعائلات إلى خارج المدينة بحثاً عن حياة أفضل في الضواحي، فكانت بلدة كانتون في غرب مقاطعة وين واحدة من الوجهات المفضلة للأسر العربية.
بعيداً عن الازدحام والضجيج والمشاكل المرورية وارتفاع الضرائب وغيرها من السلبيات التي تطغى على العيش في شرق ديربورن، وجد الكثير من العرب الأميركيين في كانتون، موطناً جديداً لهم ولأبنائهم، حيث باتت البلدة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 98 ألف نسمة، تضم نواة مجتمع عربي ناشئ آخذ بالنمو والتبلور.
يرى البعض في كانتون، «ديربورن هايتس جديدة»، في إشارة إلى التحولات الديموغرافية والتجارية التي شهدتها جارة ديربورن مع انتقال آلاف الأسر العربية والأعمال التجارية المرافقة، إليها خلال العقدين الماضيين، وهذا بالضبط ما تشهده بلدة كانتون اليوم، إذ يترافق نزوح الأجيال الشابة مع انتشار المطاعم والمقاهي والمحال والأسواق العربية والمراكز الدينية لتأمين الخدمات الأساسية للمجتمعات العربية الجديدة، والتي تسهم –من جانبها– في تدعيم وجودهم وتشكيل عوامل جذب إضافية لمزيد من الراغبين بتغيير أماكن سكنهم، دون فقدان المزايا التي كانت توفرها لهم منطقة ديربورن، بتوفير المنتجات والخدمات التي تتطلبها الأسر العربية الأميركية.
وبشكل عام، تعتبر بلدة كانتون من أسرع المجتمعات نمواً في ولاية ميشيغن، حيث تدرجت من قرية زراعية تضم قرابة خمسة آلاف نسمة عام 1960 إلى عاشر أكبر مدينة في ولاية ميشيغن من حيث عدد السكان.
«الانفجار» السكاني خلال العقود الستة الأخيرة، في البلدة التي تقع في منتصف المسافة بين ديترويت وآناربر، انعكس تنظيماً عمرانياً وتجارياً في تخطيط شوارع المدينة ومنتزهاتها ومجمعاتها السكنية التي تتميز بالمساحات الشاسعة والمنازل المتباعدة على عكس ديربورن ذات البنية التحتية المتقادمة والتصميم المدني ما قبل الحديث.
في هذا السياق، أشار المستثمر العقاري إبراهيم بزي لـ«صدى الوطن» إلى أن المساكن الحديثة تأتي في مقدمة العوامل الجاذبة للعرب الأميركيين الذين باتوا يعانون من مشاكل السكن والتنقل في الأحياء المتقادمة في منطقة ديربورن، لافتاً إلى أن إيجاد مكان لركن السيارة في بعض شوارع ديربورن كان «همّاً»، يُحسب له ألف حساب.
بزي، الذي يمتلك مجمعاً يضم حوالي 80 مكتباً تجارياً في كانتون، أوضح أن الموقع المميز للبلدة بالقرب من ثلاثة طرقات سريعة، هي «275» و«96» و«94»، يمحنها مزايا إضافية في مجال السفر والتنقل إلى المناطق والمدن الأخرى، لافتاً إلى أن العائلات التي لاتزال ترتبط بمنطقة ديربورن، لا تحتاج لأكثر من 20 دقيقة لزيارة أقاربهم وأصدقائهم، أو الذهاب إلى أعمالهم إن كانوا يعملون هناك.
وكان افتتاح الطريق السريع «275» في أواسط سبعينيات القرن الماضي، عاملاً محورياً في ازدهار كانتون من خلال ربطها بمطار ديترويت جنوباً ومقاطعة أوكلاند شمالاً.
من جانبه، وصف حسن حمود، كانتون بالمدينة «المثالية» للعيش وتنشئة الأطفال بسبب مدارسها الجيدة وأمنها المجتمعي وانخفاض ضرائب الملكية العقارية، إضافة إلى غياب المنشآت الصناعية الكبيرة التي تتسبب بالضوضاء والازدحام والتلوث، كما هو الحال في مدينة ديربورن التي ولد ونشأ فيها.
وأوضح حمود لـ«صدى الوطن» بأنه انتقل للعيش في كانتون منذ سبع سنوات، وقال: «رغم امتلاكي لمنزل أكبر من المنزل الذي كنت أمتلكه في ديربورن، فإن ضريبة الملكية التي أدفعها الآن هي أكثر بقليل من نصف الضريبة التي كنت أدفعها في ديربورن».
وأشار حمود إلى أن أبناءه الثلاثة يدرسون في مدارس كانتون–بليموث العامة «بدون أية مشاكل»، معرباً عن ارتياحه من التحصيل الدراسي لأبنائه والمستوى الأكاديمي المميز لمدارس المنطقة. وقال: «نتائجهم جيدة للغاية، ولا يواجهون أية مشاكل في مدارسهم».
ولفت حمود إلى أن معظم العرب القاطنين في كانتون، هم إما ولدوا في أميركا أو هاجروا إليها عندما كانوا أطفالً صغاراً، وبالتالي فهم أكثر تقبلاً وانفتاحاً على الثقافة الأميركية، على عكس الكثير من المهاجرين المتأخرين الذين يجدون صعوبة في العيش خارج مدينة ديربورن أو ديربورن هايتس.
وأشار إلى أن التنوع الإثني والثقافي في المدينة التي باتت تضم أعداداً متزايدة من العرب، وغيرهم من الأعراق والقوميات الأخرى، كالهنود والباكستانيين. وقال: «المدينة متنوعة بسكانها وغنية بخدماتها وأسواقها ومطاعمها الشرقية والصينية والهندية.. كل ما تريده تجده هنا».
وتشير بيانات الإحصاء السكاني لعام 2020 أن عدد سكان المدينة بلغ 98,659 ألفاً، خمسهم تقريباً مولودون خارج الولايات المتحدة.
وتكشف الأرقام العقارية عن أنه بُني ما يزيد عن 5,000 منزل جديد منذ العام 2000، ثلثها تم إنشاؤه في السنوات الخمس الماضية، استجابة للنمو السريع في أعداد الوافدين إلى المدينة.
وأوضح حمود بأن انتقال الأسواق العربية إلى مدينة كانتون يشجع الكثير من العرب الأميركيين إلى الانتقال للمنطقة، وقال: «في البداية، تنتقل الأسر ثم تتبعهم الأسواق التجارية والمكاتب المهنية الأخرى، ثم تقوم الأسواق بجذب المزيد من الأسر، وهكذا».
وأضاف: «لا ينقصنا شيء هنا، توجد مطاعم عربية وروضات أطفال ومهنيون عرب وأطباء ومحاسبون… وإذا احتجنا لأي شيء، فديربورن هايتس ليست بعيدة».
وبالفعل، عدة من الأعمال التجارية العربية قد افتتحت لها فروعاً إضافية في كانتون خلال السنوات الأخيرة، مثل مطعم «فايموس همبرغر»، و«الأفران الذهبية»، و«قهوة هاوس»، فيما تتحضر «أسواق الرضا» (بابايا) للافتتاح في القريب العاجل.
وحول موضوع الأمان، أفاد حمود بأنه لم يتعرض لأية متاعب منذ انتقاله للعيش في المدينة. وقال: «تتصل بالبوليس لأي سبب، وخلال دقائق معدودة، يكون عندك».
ولما كانت غالبية العرب الأميركيين في كانتون يتحدرون من أصول لبنانية، فقد أسهم نمو المجتمع –الذي ينتمي أفراده إلى الطائفة الشيعية– في افتتاح أول مركز إسلامي شيعي في المدينة، بحسب إمام المركز، السيد صالح القزويني.
وتم افتتاح مركز «مكة» الإسلامي، الشهر الماضي، وسط حضور فاق التوقعات، وفق السيد القزويني، الذي أفاد لـ«صدى الوطن» بأن الإدارة اضطرت إلى إجراء بعض التغييرات لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الضيوف.
وأشار القزويني، إلى أنه تفاجأ بالأعداد الكثيفة للعرب الأميركيين في المنطقة، وقال: «لم نتوقع أن يقصدنا هذا العدد من العائلات مع أبنائهم»، لافتاً إلى أن الإدارة تسعى حالياً إلى توسيع المكان الذي كان في الأصل روضة للأطفال.
أضاف: «لقد أجرينا في الأصل بعض التعديلات من أجل الحصول على مساحات أوسع، ولكن مع ذلك، فإن المصلى لا يتسع للمصلين في صلوات الجمعة، مما يضطر بعضهم إلى الصلاة خارج القاعة».
وأكد القزويني بأن إنشاء المركز جاء تلبية لرغبة عشرات العائلات العربية التي كانت تضطر للذهاب إلى مدينة ديربورن هايتس لأداء الصلوات والشعائر الدينية، لافتاً إلى أن العدد الأكبر من رواد المركز هم من العائلات، وكذلك من اليافعين والشباب.
وأوضح القزويني بأن المركز يعقد محاضرات ودروساً باللغة الإنكليزية لضمان التواصل مع الأجيال الجديدة، وفهم مشاكلهم وتحدياتهم التي تختلف بشكل كلي عن مشاكل الأسر المهاجرة من العالم العربي.
وأشارت الحاجة «أم حسن» إلى أن افتتاح المركز الجديد جاء «متأخراً» بعض الشيء، لأن الجالية اللبنانية في كانتون كانت بحاجة لمركز مماثل منذ عدة سنوات، وفق تعبيرها.
ولفتت إلى أن مركز «مكة» الإسلامي، يستقطب الأطفال واليافعين ويعلمهم أمور دينهم ويزيد ارتباطهم بجذورهم الثقافية. وأوضحت بأن الكثير من العائلات كانت تقصد ديربورن هايتس أو ديربورن في المناسبات الدينية والاجتماعية. وقالت: «نحن بحاجة فعلية لمركز قريب، لأن المشوار إلى ديربورن هايتس يصبح صعباً في فصل الشتاءـ لاسيما في مواسم الصقيع والثلوج».
Leave a Reply