فيلادلفيا – مسرّة ميقاتي
في اليوم الذي أصدر فيه الرئيس السابق دونالد ترامب «حظر السفر» في عام 2017، كان كل ما يمكن أن يراه ناجي لطيفة هو وجوه بناته: شاحبة وخائفة وخائبة الأمل!
لقد حظر ذلك الأمر التنفيذي، السفر من ست دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة. وقد شعر ناجي وعائلته، وهم مسلمون فلسطينيون، بالضعف، وكذلك شعر المجتمع الأميركي المسلم بأكمله بتعرضه للخطر، بعدما أعاد الأمر التنفيذي، الذي بات يُعرف بـ«حظر المسلمين»، ذلك السؤال الذي جعل المسلمين الأميركيين يشعرون بعدم الأمان لعقود من الزمن، لا سيما في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001، ألا وهو: هل ننتمي (إلى هذه البلاد)؟
وعندما سألت البنات أباهنّ ناجي عما يجب فعله حيال ذلك، كان الناشط المجتمعي الذي يعيش في منطقة وادي ليهاي فالي في ولاية بنسلفانيا، حائراً في أمره.
«لا أعرف»، قال لهنّ، مستدركاً بالقول: «لكن، كل ما يمكنني إخباركنّ به هو أنني أحبكن كثيراً، وسوف أفعل كل ما بوسعي للتأكد من أنكنّ تشعرن بالحماية والقبول».
يقول ناجي إن «أحد أصوات الطمأنينة –حينها– كان جوش شابيرو»، المدعي العام والحاكم المُنتخب لولاية بنسلفانيا، الذي كان في طليعة المناوئين لـ«حظر المسلمين»، إلى جانب الديمقراطيين الآخرين. وأوضح: «إن حقيقة معرفتنا الشخصية بجوش كانت مطمئنة للغاية».
طيلة توليه مكتب الادعاء العام في ولاية بنسلفانيا، وخلال حملته الانتخابية لمنصب حاكم الولاية، فعل شابيرو ما فعله قلة من المرشحين للمناصب السياسية في ولاية بنسلفانيا. إذ شارك وأسس علاقات مع العرب الأميركيين، مسلمين ومسيحيين، وواظب –على مرّ السنين– على زيارة المساجد والكنائس للاستماع إلى الناخبين، كما بنى علاقات شخصية مع أفراد المجتمع، حتى أن كثيرين منهم لديهم رقم هاتفه الخلوي الشخصي.
ويمثل فوز شابيرو في سباق حاكمية بنسلفانيا، الشهر الماضي، تغييراً مرحباً به من قبل المجتمع العربي الأميركي الذي عانى لسنوات عديدة من التمييز الممنهج من قبل وكالات إنفاذ القانون والمؤسسات الحكومية في الولايات المتحدة، من المراقبة غير القانونية التي مارستها شرطة نيويورك، إلى الاعتقالات في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلى «حظر السفر» بعد وصول ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية.
وقال ناجي: يحب العديد من السياسيين الآخرين، بمن فيهم الديمقراطيون، المجيء لأخذ أموالنا ثم يغادرون، ولكننا لا نجدهم عندما نكون بحاجة إليهم»، مضيفاً: «ولكن جوش ليس مثل هؤلاء».
تجاهل
مباشرة بعد حضور حفل جمع التبرعات لسباق رئاسة بلدية فيلادلفيا في عام 1984، أعاد رئيس البلدية السابق ويلسون غود نصف الشيكات التي حصل عليها من الداعمين. كان المجتمعان العربي واليهودي قد تعاونا حينها لاستضافة حفل لدعم حملة غود بمواجهة منافسه الجمهوري فرانك ريزو الذي هاجم –في اليوم التالي– خصمه الديمقراطي واتهمه بأخذ أموال من منظمة التحرير الفلسطينية.
«كيف تصرّف الشجاع ويلسون غود يومها؟»، تساءل مروان كريدي، مؤسس «الشركة العربية الأميركية للتنمية»، الذي حضر ذلك الحفل. وأجاب: «لقد أعاد غود جميع الشيكات العربية، ولكنه لم يعد أياً من الشيكات اليهودية، كما لو أنه لا يريدنا أن نكون جزءاً من حملته».
وفي تلك الأثناء، قال السكرتير الصحفي لغود إن المرشح الديمقراطي لا يرغب في أخذ أية أموال من أي شخص قد يعطي انطباعاً خاطئاً حول موقفه تجاه إسرائيل.
وبالنسبة لمجتمع مايزال يفتقد لـ«فئته الخاصة في الإحصاء السكاني للولايات المتحدة»، فإن تغييب ذلك المجتمع كان هو الوضع السائد، عدا عن كونه هدفاً للعنصرية منذ فترة طويلة، ولم تتغير تلك الصورة إلا مع دخول رئيس بلدية فيلادلفيا السابق أدوارد ريندل إلى المشهد، عندما بدأ السياسيون في إيلاء مزيد من الاهتمام الإيجابي بالمجتمع العربي المحلي.
مؤسس «المعهد العربي الأميركي»، جيمس زغبي، وهو مؤسسة غير ربحية في العاصمة واشنطن تُعنى بمناصرة العرب الأميركيين، قال في هذا السياق: «بعد تجربة ويلسون غود، كانت لدينا تجربة أخرى مع أدوارد ويندل الذي بدأ بدعم المجتمع على الفور»، مضيفاً: «أعتقد أن كونك واثقاً، كسياسي يهودي خلق ديناميكية مختلفة تماماً، حيث لم يكن على ريندل أن يقلق بشأن أي شخص يقول إنه يتسامح مع العرب، لذلك كان ينظر إلينا كأي مجموعة انتخابية وحسب، وكان ذلك هو كل ما أردناه».
ويرى مراقبون، حتى يومنا هذا، أن تأليب الناخبين العرب واليهود ضد بعضهم البعض، هو تيار خفي في السياسة الأميركية، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والدعم البارز لإسرائيل في السياسة الأميركية.
و«كانت الفكرة تتلخص في أنه يمكن أن تكون لديك علاقة مع أحد المجتمعين دون الآخر»، بحسب زغبي الذي أضاف: «كانت هنالك بالفعل جهود تبذلها الجماعات الداعمة لإسرائيل لعزلنا، وكان هناك سياسيون تصرفوا ببساطة من تلقاء أنفسهم، بعد أن افترضوا ذلك، وعمدوا إلى تجنبنا».
لكن نقص التواصل مع الناخبين العرب كان أيضاً طريقاً ذا اتجاهين.
لقد وفدت موجات كبيرة من المهاجرين العرب إلى الولايات المتحدة على هوامش الصراع الاستعماري طيلة القرن العشرين، وقد استغرق الأمر بعض الوقت حتى أصبح هؤلاء المهاجرون مواطنين أميركيين، ليبدأوا بالاهتمام بما هو أكثر من الانتخابات الرئاسية.
وقالت فاديا هلما، وهي ناشطة أميركية من أصول لبنانية تعيش في منطقة ليهاي فالي: «في الماضي، كان لدينا جيل أكبر سناً يحاولون ترتيب أوضاعهم الحياتية والمعيشية في المنطقة، من خلال إنشاء متاجرهم الخاصة، وتأمين سكنهم، واستقدام المزيد من أفراد عائلتهم»، مضيفة: «مع أنه لم تكن لديهم القدرة على المشاركة والانخراط السياسي بشكل فعال، إلا أن هؤلاء المهاجرين لم يكونوا منفصلين بتاتاً عن المجتمعات التي يعيشون فيها، وقد تغير الوضع تماماً مع أطفالهم المولودين في الولايات المتحدة».
جيل جديد
عندما أُطلقت الحملة الرئاسية للرئيس جو بايدن، أدركت فاديا بأن المرشح الجمهوري للبيت الأبيض كان بحاجة إلى حشد مجتمع الناخبين المهمشين من أجل ضمان الفوز، وكان ذلك يعني بشكل أساسي، المجتمعات الإثنية وفي مقدمتها المجتمع العربي في منطقة ليهاي فالي، التي تضم مدينة آلن تاون، ذات الكثافة العربية.
وقد قامت هلما بتنظيم متطوعين ثنائيي اللغة لاستطلاع الأحياء ذات الكثافة العربية، كما شجعت طلاب المدارس الثانوية والجامعات على إطلاق فعاليات ثنائية اللغة للتثقيف حول تسجيل الناخبين والاقتراع الغيابي، والتشجيع على التصويت للمرشحين المتفهمين لقضايا وهواجس العرب الأميركيين.
وقالت هلما: «كان توفير بعض الموارد والمحتويات في الأحياء ذات الكثافة العربية الأميركية، هنا في ليهاي فالي، استراتيحية جيدة حقاً، إذ كنا نعلم أنه يمكن أن يكون لدينا ما يكفي من المتطوعين على الأرض لمساعدتنا لتحقيق ما نتطلع إليه»، لافتة إلى أن شابيرو كان من بين المرشحين المفضلين لدى الناخبين العرب الأميركيين في ولاية بنسلفانيا.
ويمتلك الناخبون العرب، الاهتمامات نفسها التي يمتلكها العديد من الأميركيين والسياسيين وأعضاء المجتمع الآخرين، مثل جودة التعليم والسلامة العامة ودعم الأعمال الصغيرة، غير أنهم يتمايزون عن غيرهم بقلقهم من التمييز الذي يواجهونه محلياً، وكذلك السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، والتي غالباً لا تكون مدرجة في الحملات الانتخابية المحلية.
وبعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016، بدأ المزيد من العرب الأميركيين في حشد وحث مجتمعاتهم على التصويت في الانتخابات والترشح للمناصب العامة في عموم البلاد. وفي الانتخابات النصفية الأخيرة التي أجريت في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قارب عدد الأصوات العربية في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة حوالي 120 ألف صوت.
وأعرب كريدي عن شعوره بأن تلك القوة الانتخابية قادرة على حسم العديد من السباقات الانتخابية في بنسلفانيا.
وكان ما يميز شابيرو عن غيره من المسؤولين المنتخبين، بحسب الكثير من أفراد المجتمع العربي، هو العلاقات غير النفعية التي أقامها مع العرب الأميركيين على مر السنين، حيث وقف إلى جانب المجتمع العربي في مواجهة التمميز، وتولى قيادة حملة وطنية مع عدد من المدعين العامين في الولايات الأخرى لمنع قرار «حظر السفر»، كما عمل بشكل وثيق مع المنظمات المجتمعية الأخرى في هذه العملية.
وقال بعض النشطاء إن عقيدته اليهودية، إن وجدت، قد ساعدت في سد الفجوة وإيجاد قواسم مشتركة بين فئات المجتمع المتعددة.
من جانبه، أكد شابيرو على أنه سيضمن وجود الجميع حول الطاولة عند توليه حاكمية الولاية، وقال: «أنا شخص أؤمن بالتأكد من أن الجميع سيكونون حول الطاولة، وأنه يتم الاستماع إلى الجميع والتعرف على رؤاهم وهواجسهم»، وأضاف: «لدينا بالتأكيد تقدير واحترام لبعضنا البعض، لنكن واقعيين.. لقد شهدنا صعوداً كبيراً للإسلاموفوبيا، وتزايداً في معاداة السامية. وكلاهما خاطئ ويجعلنا أقل أماناً». كما شدد شابيرو على أن الهجوم على إحدى فئات المجتمع هو اعتداء على المجتمع برمته.
ملاحظة:
نشر هذا المقال في صحيفة «فيلادلفيا إنكوايرز»
قبل الانتخابات التي أسفرت عن فوز جوش شابيرو
في سباق حاكمية ولاية بنسلفانيا. وتعيد «صدى الوطن» نشره معدلاً لإلقاء الضوء على دور العرب الأميركيين المتنامي في الحياة السياسية الأميركية
Leave a Reply