سان فرانسيسكو – أدّى عدول منطقة سان فرانسيسكو التعليمية عن قرارها باعتبار عيدي الفطر والأضحى عطلتين مدرسيتين إلى ردود فعل ساخطة في الأوساط العربية والإسلامية بالمدينة، ما دفع بالعديد من الفعاليات الحقوقية والمدنية إلى تحرّي الأسباب «الحقيقية» خلف الخطوة المفاجئة، مبدية خشيتها من أن تكون الدوافع «عنصرية»، في حين لم يستبعد البعض أن تكون الخطوة ذات أبعاد «انتقامية» بسبب معارضة المسلمين للمثلية الجنسية.
وكان مجلس سان فرانسيسكو التربوي قد صوّت في آب (أغسطس) المنصرم لصالح إضافة عيدي الفطر والأضحى إلى العطل المدرسية السنوية، بهدف «السماح للطلاب المسلمين بالمشاركة الكاملة في إحياء المناسبتين دون أن يؤثر ذلك على مبدأ المساواة في الفرص التعليمية».
غير أن مدارس سان فرانسيسكو اكتفت –في أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي– بالإشارة إلى «إضافة أعياد دينية جديدة إلى التقويم المدرسي»، دون أن يعني ذلك إغلاق المدارس في تلك المناسبات.
وكان من شأن القرار الأولي أن يسمح للطلبة بالتغيب عن الفصول الدراسية خلال أعيادهم الدينية دون الحاجة إلى أذونات رسمية، أو إخطارات من أولياء الأمور لتبرير غياب أبنائهم.
وقد اعتبرت المديرة التنفيذية لـ«المركز العربي للموارد والتنظيم» (أروك)، لارا كسواني، بأن عدول منطقة سان فرانسيسكو التعليمية عن تطبيق القرار يعد «استهدافاً للمسلمين».
وأوضحت كسواني لموقع «ميدل إيست آي» بأن مدارس سان فرانسيسكو «أدارت ظهرها» للمجتمعين العربي والإسلامي في المدينة، عبر اعتماد مقاربة «حياة الجميع مهمة» (بدلاً من «حياة السود مهمة») لتبرير قرارها.
وبحسب كسواني، تذرع المسؤولون التربويون في سان فرانسيسكو بتلقيهم إنذارات بشأن إمكانية مقاضاة المنطقة التعليمية بدعوى انتهاك الدستور الأميركي بسبب التمييز لصالح دين معين على حساب الأديان الأخرى.
وكانت مناطق تعليمية عديدة في جميع أنحاء أميركا قد اتخذت خطوات مماثلة للاعتراف ببعض الأعياد الدينية كعطل مدرسية، بما فيها عيدا الفطر والأضحى لدى المسلمين، وعيد الغفران (يوم كيبور) ورأس السنة العبرية (روش هشنه) لدى اليهود، ولم تشهد تلك المناطق اعتراضات أو دعاوى قضائية، كما يزعم المسؤولون في سان فرانسيسكو.
وكانت منطقة سان فرانسيسكو قد شهدت –بعد فترة وجيزة من تمرير القرار في أغسطس 2022– تهديداً برفع دعوى قضائية تتهمها بمخالفة الدستور الأميركي، وإعطائها الأولوية لدين على آخر، في حال أضافت الفطر والأضحى إلى العطل المدرسية.
ووصفت كسواني تراجع المنطقة بأنه «مثير للقلق»، مرجّحة أن تكون الخطوة الأخيرة «مؤشراً على توجّه يميني واسع يتوخى مهاجمة التعليم العام في البلاد». غير أن آخرين لم يستبعدوا أن يكون القرار «انتقامياً» بسبب معارضة المسلمين للمثلية الجنسية، وللكتب المدرسية المتعلقة بالميول الجنسية والهوية الجندرية.
وكانت الجاليات العربية والإسلامية في منطقة ديترويت قد اجتذبت الاهتمام الوطني في الخريف الماضي، نتيجة اعتراضات الأهالي على وجود مواد تروج للمثليين والمتحولين جنسياً في مكتبات المدارس المحلية، وهو ما دفع المسؤولين في بعض المناطق التعليمية ذات الكثافة الإسلامية مثل ديربورن وهامترامك، إلى حظر العديد من تلك الكتب، وهو ما أثار امتعاضاً واسعاً لدى أنصار الحرية الجنسية.
وتجدر الإشارة إلى أن مدينة سان فرانسيسكو الواقعة في ولاية كاليفورنيا، لطالما اشتهرت بلقب «مكة المثليين» وتعتبر مهد حركة التحرر الجنسي في الولايات المتحدة.
شعور بالإحباط
كانت حملة الاعتراف بأعياد المسلمين في مدينة سان فرانسيسكو قد انطلقت قبل عدة سنوات قبل أن تصل إلى السلطات عبر مبادرة من الطالبة سارة أوشين عام 2021، التي كانت حينها طالبة في «ثانوية راؤول وولنبيرغ»، والتي تتابع حالياً دراستها الأكاديمية في «جامعة سان فرانسيسكو ستايت».
ووصفت سارة قرار المنطقة التعليمية بـ«الأمر المؤسف»، وقالت: «ما حدث أمر مزعج حقاً، لاسيما وأن هؤلاء الطلبة كانوا متحمسين للغاية للاعتراف بهم أخيراً»، مضيفة: «منذ نشأتنا، لم نكن لنحصل على مثل هذا الاعتراف».
وأوضحت سارة بأنها كانت مضطرة في كثير من الأحيان إلى أخذ إجازة من المدرسة خلال الأعياد الإسلامية، إلى جانب تقديم إخطارات من والديها لتبرير غيابها عن الدوام المدرسي. وقالت: «لطالما تساءلت: لماذا يتوجب علي دائماً فعل ذلك حتى أتمكن من التغيب للاحتفال بعيد مقدس في عقيدتي».
وأضافت سارة: «بعد كل تلك الجهود التي بذلتها، حيث أمضيت الكثير من فصل الصيف وعطلات نهاية الأسبوع في حضور اجتماعات المنطقة التعليمية لمعرفة كيف يمكن جعل ذلك الأمر ممكناً، لكن يبدو أن كل ذلك قد ذهب أدراج الرياح».
وفي إطار «عدم الاستسلام» لقرار المنطقة التعليمية المتخذ في 24 يناير الماضي، قامت عدة منظمات عربية بإبراق آلاف الرسائل إلى أعضاء مجلس سان فرانسيسكو التربوي، كان من بينها «المركز العربي للموارد والتنظيم» (آروك) و«اللجنة االأميركية العربية لمكافحة التمييز» (أي دي سي)، اللذين تقدما –أيضاً– بطلب رسمي للحصول على المعلومات المتعلقة بقرار العدول عن اعتبار الفطر والأضحى عطلتين مدرسيتين، وهو القرار الذي أصاب الجاليات العربية والإسلامية بالصدمة والإحباط.
وأفاد المدير الوطني لمنظمة «أي دي سي»، المحامي عبد أيوب، بأن الطلب الذي تقدمت به اللجنة الحقوقية يتضمن الحصول على سجلات صنع القرار داخل المجلس التربوي، إلى جانب الاتصالات والتقارير والمستندات ذات الصلة، للمساعدة على تكوين فهم أفضل للعوامل التي أدت إلى قرار التراجع، وتحديد ما إذا كانت هنالك أية ممارسات تمييزية أو متحيزة ضد المسلمين.
وأوضح أيوب بأن الوصول إلى تلك المعلومات هو «أمر بالغ الأهمية عند محاسبة المسؤولين الحكوميين وضمان الشفافية في صنع القرار»، معرباً عن أمله في أن تلقي السجلات المحصلة، الضوء على أسباب عدول المنطقة عن قرار الاعتراف بعيدي الفطر والأضحى كعطلتين مدرسيتين، «من أجل المساعدة في ضمان احترام حقوق المجتمعين العربي والإسلامي في المستقبل».
Leave a Reply