ديترويت – ولد أدوارد أن. هاينز في 13 كانون الثاني (يناير) 1870 في سانت لويس بولاية ميزورى، وشاءت الأقدار أن ينتقل والده –صانع السيجار– مع عائلته إلى ديترويت، ليجد أدوارد الشاب نفسه –فجأة– في قلب الثورة الصناعية الأميركية، حيث نجح في تقديم أحد أهم الابتكارات التي لاتزال معتمدة إلى يومنا هذا في تطوير الطرق، وهو: الخط الفاصل المطلي بين الاتجاهين المعاكسين.
هذا الحل البسيط الذي قد يراه الناس بديهياً في عصر التكنولوجيا اليوم، هو في حقيقة الأمر من بنات أفكار هاينز الذي يمكن وصفه بأنه من العقول التي صاغت طريقة عيش المجتمعات الحديثة، ولايزال اسمه مخلداً في مقاطعة وين، حيث يوجد منتزه عام وطريق مميز باسمه (هاينز درايف).
منذ سن مبكرة، كان هاينز شغوفاً بركوب الدراجات الهوائية، وفي عام 1890، أسس منظمة «طرقات جيدة في ميشيغن»، التي كان هدفها الوحيد هو بناء طرق جديدة وآمنة للدراجين. وقد أسفرت جهودها في غضون ثلاث سنوات عن تمرير «قانون طرق المقاطعة» لعام 1893 وتعديل دستور ميشيغن لينص على حق المواطنين بتحسين الطرق.
وفي غضون السنوات التالية، أصبح هاينز من أبرز الوجوه المنادية بتحسين الطرقات في أميركا، والتي كانت بمعظمها ترابية في ذلك الوقت، بينما كانت منظمات الدراجات الهوائية هي أكثر جماعات الضغط مطالبة بتحسينها.
وفي السياق، ترأس هاينز نادي «ويلمان» للدراجين في ديترويت، وفرع رابطة «ويلمان» الأميركية في ميشيغن، كما تولى منصب نائب رئيس الرابطة وطنياً، قبل أن يؤسس مع آخرين نادي السيارات في ديترويت، الذي قاد معركة تطوير الطرقات الأميركية في بداية عصر السيارات.
أما أبرز منصب رسمي شغله هاينز، فكان عضوية هيئة الطرقات بمقاطعة وين، من عام 1906 حتى وفاته عام 1938. وخلال خدمته في الهيئة التي كانت تضم شخصيات ريادية أخرى كالصناعي الشهير هنري فورد، وجد هاينز فكرة بارعة لا تزال تعتبر من أعظم الابتكارات في تطوير الطرق وحفظ السلامة المرورية حتى يومنا هذا، وهي: رسم خط مميز في منتصف كل طريق لفصل حركة المرور بالاتجاهين.
وبحسب الرواية التي تناقلتها الأجيال، على الرغم من عدم وجود سند تاريخي لها، استلهم هاينز فكرته من مشاهدة عربة تجرها الخيول ويتسرب منها الحليب أثناء سيرها على الطريق. وبالفعل، تم تطبيق الفكرة لأول مرة عام 1911 على شارع ريفر رود في مدينة ترنتون، بجنوب مقاطعة وين. وبحلول العام 1922 أصبحت جميع طرقات المقاطعة مخطّطة بالطريقة نفسها.
غير أن ذلك لم يكن الإنجاز الأول أو الوحيد لهاينز. ففي عام 1909 أشرف الرجل أيضاً على إنشاء أول ميل كامل معبّد بالإسفلت في العالم، (شارع وودورد في ديترويت بين الميلين السادس والسابع)، وأول برنامج في العالم لإزالة الثلوج عن الطرقات عام 1912.
وفي عشرينيات القرن الماضي، ضغط هاينز بقوة من أجل الاستحواذ على الأراضي الممتدة على طول نهر هيورون ونهر الروج من أجل تحويلها إلى منتزهات عامة.
هاينز درايف
تكريماً له، أطلق اسم أدوارد أن. هاينز –في العام 1937 على الطريق– الذي يعرف اليوم باسم «هاينز درايف» وهو طريق متعرّج محاذٍ لنهر الروج الأوسط يربط ديربورن بمدينة نورثفيل، وكان اسمه سابقاً «ميدل روج باركواي». كما أطلق اسم هاينز أيضاً على المنتزه العام الممتد على جانبي الطريق بطول 20 ميلاً، والذي يعتبر متنفساً طبيعياً فريداً في قلب منطقة صناعية ثقيلة.
وكان هاينز قد تبنى فكرة فورد بإنشاء منتزه عام على طول نهر الروج الأوسط، وقد تنازل الأخير عن ملكية أراض واسعة لصالح مقاطعة وين من أجل إنجاح المشروع، بدلاً من ترك تلك الأراضي الواقعة على ضفتي النهر مرتعاً للحشرات والحياة البرية بسبب فيضانات الأمطار الموسمية.
ولم تنجح مقاطعة وين –بقيادة هاينز– في تحويل المنطقة إلى مساحة مفتوحة للعموم، وحماية النهر من الأعمال الصناعية التي يحتمل أن تكون ملوثة فحسب، بل وفرت أيضاً نوعاً من التوازن الطبيعي، بحيث يمكن لفيضانات الأمطار أن تحدث باستمرار دون أن تغرق المنازل والأعمال التجارية المجاورة، كما يحصل في مناطق أخرى على مجرى النهر.
ومع نمو الضواحي، ظل المنتزه على مدى العقود الماضية –كما هو مخطط له وفق رؤية فورد وهاينز– مكاناً للاستجمام يقصده سكان مقاطعة وين للترفيه عن أنفسهم. أما عندما تغمره مياه النهر، فلا مشكلة في ذلك لأن الناس –على أي حال– لا يقصدون الحدائق العامة عندما يكون الطقس ماطراً.
Leave a Reply