طارق عبدالواحد – «صدى الوطن»
قبل أكثر من عشرين عاماً، عندما ذهب الشرطي العربي الأميركي أسعد طرفة في يوم شتائي بارد ليقلّ رئيسه، شريف مقاطعة وين –حينذاك– وورن أفينز، علقت سيّارته بالثلوج المتراكمة في محيط المبنى. وبعد أن فشلت المحاولات المتكررة للسائق الشاب بالخروج من المأزق الذي جعله يتصبب عرقاً من شدة الخجل والإحراج، طلب الشرطي اللبناني الأصل من الشريف أن يتولى القيادة، ليقوم هو بدفع المركبة العالقة في الثلوج، وكانت المفاجأة في أن أفينز رفض عرض مرؤوسه وترجل من السيارة ثم قام بدفعها بنفسه لأكثر من 150 ياردة.
تختصر هذه الحادثة، المسيرة المهنية لثاني عربي أميركي يتقلّد منصب نائب محافظ مقاطعة وين، الذي ترقّى في المراتب الحكومية «خطوة خطوة»، حيث بدأ العمل لدى مكتب شريف المقاطعة كحارس سجن، ثم أصبح أحد أصغر الضباط الذين يترفعون إلى رتبة ملازم في تاريخ الجهاز، لينتقل بعد ذلك إلى مكتب المحافظ وورن أفينز، إذ عمل مساعداً له لمدة ثلاث سنوات، ثم رئيساً للموظفين لمدة أربع سنوات، قبل أن يتم تعيينه نائباً لمحافظ أكبر مقاطعات ميشيغن في شهر آب (أغسطس) المنصرم.
النجاحات المتتالية في سجل طرفة كانت محور الكلمات التي ألقاها عدد من المتحدثين في الحفل الذي أقيم لتكريمه في مطعم «لا بيتا» بديربورن، الخميس الماضي، بحضور نخبة من السياسيين الحكوميين والرسميين المنتخبين، إلى جانب لفيف كبير من القضاة المحليين وقادة الأعمال التجارية والمهنية والشخصيات العامة في منطقة ديترويت.
الحفل الحاشد، الذي نظّمه كل من ناشر «صدى الوطن» أسامة السبلاني ورجل الأعمال علي جواد والقاضي في محكمة مقاطعة وين هلال فرحات، عكس المكانة السياسية الرفيعة للسياسي اللبناني الأصل، كما تزامن مع عيد ميلاده الـ41، الذي يصادف يوم السبت المقبل.
أسعد طرفة: تعلمت من أفينز أن التواضع هو جوهر القيادة والخدمة العامة
وفي كلمة مقتضبة، أثنى رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود على جهود حكومة مقاطعة وين، متمثلة بمحافظ المقاطعة وورن أفينز ونائبه أسعد طرفة، في دعم المشاريع والمبادرات الاقتصاادية بديربورن، لافتاً إلى أن المقاطعة ستساهم بـ10 ملايين دولار من أصل 30 مليوناً، ستقوم المدينة بضخها من أجل تطوير المنتزهات والمسابح العامة فضلاً عن بناء ثلاث حدائق أخرى، خلال العامين المقبلين.
من جانبها، أشادت نائب رئيس الدائرة القانونية بمقاطعة وين، سو حمّود، بمناقبية طرفة وإخلاصه المهني، وقالت: «إن ما يجعل أسعد شخصاً عظيماً، هو اهتمامه بجميع سكان وموظفي مقاطعة وين».
وأضافت حمود بأن طرفة يجتهد لكي يكون «الأفضل دائماً»، مستدركة بالقول: «إنه لا يتطلع لكي يكون أفضل من غيره، وإنما يسعى بشكل حثيث لكي يستخرج النسخة الأفضل من نفسه»، واصفة السياسي المحتفى به بـ«العلامة الفارقة» في حكومة مقاطعة وين.
من جانبها، لفتت مديرة الشؤون الاقتصادية في فريق حاكمة ميشيغن، ميلاني براون، إلى المزايا المناقبية والرؤى الثاقبة التي يتمتع بها طرفة خلال مشاركته في حكومة المقاطعة، وقالت: «إن رؤى ومبادئ أسعد دفعت أفينز ليضعه في المكان الصحيح.. من أجل تقدم وازدهار مقاطعة وين وسكانها».
وأضافت براون بأن المقاطعة التي تضم 43 مدينة وبلدة بأمس الحاجة إلى شخص مثل طرفة، الذي «يتسم بتحمل المسؤوليات وحب الناس» على حد تعبيرها، واصفة إياه بأنه «الشخص الذي يضع نفسه دائماً في خدمة الآخرين».
وقدّمت براون، مع مديرة التعيينات في مكتب ويتمر، سمية أحمد، درعاً تكريمية لطرفة، بالنيابة عن الحاكمة الديمقراطية لولاية البحيرات العظمى.
كما شهد الحفل تقديم شهادتي تقدير لطرفة على أدائه المهني «العظيم» و«الاستثنائي» في حكومة المقاطعة، قدمّهما كل من النائب عن منطقة ديربورن في مجلس نواب ميشيغن العباس فرحات، والمفوضوّن سام بيضون وآل هيدوس وديفيد كنيزيك بالنيابة عن مجلس مفوضي مقاطعة وين.
وفيما تشهد الولايات المتحدة خضة بنكية إثر انهيار عدة بنوك في أنحاء مختلفة من البلاد، أكد رئيس مجلس إدارة مصرف «هانتينغتون» غاري تورغو، بأن المشهد البنكي في ولاية ميشيغن «مستقر» ولا يدعو للقلق، واصفاً مصرف «هانتينغتون» بأنه «أقوى من أي وقت مضى»، وذلك بسبب العلاقات الوطيدة التي يرسيها مع المجتمعات التي يعمل ويستثمر فيها.
تورغو، وصف أفينز بـ«ألمع السياسيين الأميركيين، ليس في ميشيغن فحسب، وإنما في كامل الولايات المتحدة»، وقال إن أحد إنجازاته «الرائعة» تمثلت في تعيين طرفة في منصب نائب المحافظ، مضيفاً بأن المحتفى به لا ينجز مهامه توخياً لمصالح شخصية، بل لتحرّي المصالح العامة وتقديم الخدمات التي يتوقعها السكان.
وخاطب تورغو طرفة قائلاً: «تعلم بأن الكثير من المناصب العامة ستكون بانتظارك في المستقبل، ولكننا بحاجة إليك لبعض الوقت في منصب نائب محافظ مقاطعة وين».
بدوره، أكد المحافظ أفينز، في كلمة حميمة على المكانة الخاصة التي يتمتع بها طرفة في حكومة المقاطعة، قائلاً بأنه لا يوجد شخص يستحق منصب نائب المحافظ أكثر من أسعد طرفة.
أفينز، وصف أسعد بالشخص المستقيم والنزيه، وقال: «إنه يتحدى نفسه ليستخرج أفضل ما فيه، هو شخص لا يتلاعب ولا يراوغ لكي يظهر أفضل من الآخرين»، مضيفاً بأن المسؤول اللبناني الأصل يصب تركيزه وجهوده على «فعل ما يجب فعله» من دون أن يتخلى عن «حب الناس».
وفرّق أفينز بين السياسيين الذين يستمتعون بامتيازات المناصب العامة وبين المسؤولين الحقيقيين الذين يقدّرون الخدمة العامة، وقال إن طرفة هو من النوع الثاني، مضيفاً: «إنه شخص أخلاقي، يحب أن يعمل بعقلية الفريق، وهو يتقن ذلك أكثر من أي شخص آخر».
وأوضح بأنه يأخذ الخدمة العامة «على محمل الجد»، وقال: «أحب أن أفعل ذلك، وأفضل أن أفعله مع أشخاص مثل أسعد»، مختتماً كلمته بعبارة مؤثرة، قائلاً: «لو كان لدي ابن، فإنني أتمنى أن يكون أسعد هو ذلك الابن».
وفي مستهل كلمته، أعرب نائب المحافظ عن سعادته بتكريم المجتمع العربي الأميركي له، مثمناً جهود ناشر «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني في تنظيم الحفل.
وتطرق طرفة إلى نشأته الصعبة في إحدى الأسر المهاجرة، والتي دفعته إلى الإصرار على خدمة المجتمعات المهمشة في كافة المسؤوليات التي تولاها خلال مسيرته المهنية، وقال: «لقد نشأت وترعرعت مثل الكثير من أبناء المهاجرين، لم تكن عائلتي تمتلك سيارة، وكان والديّ يمشيان كثيراً لقضاء احتياجات عائلتنا.. وقد جعلني ذلك أتطلع إلى اليوم الذي يمكنني فيه تغيير السياسات لكي أساعد الناس الذين يشبهون أبي وأمي».
وأكد طرفة بأن واجب المسؤولين الحقيقيين هو «خلق الفرص لهؤلاء الناس الذين ليس لديهم الحظ للاستفادة من الفرص»، مضيفاً: «بالنسبة لي، لم أنظر قط نحو الخطوة التالية، لقد كان تركيزي ينصب دائماً على إنجاز المهام الموضوعة أمامي على أتم وجه».
ولفت طرفة إلى أن مسيرته لم تكن خالية من الصعوبات والعراقيل، ما دفعه في إحدى المرات إلى تقديم استقالته من إحدى الوظائف التي تولاها، إلا أن رئيسه –آنذاك– مزّق طلب الاستقالة وأمره بالعودة إلى العمل. وقال: «لقد علمتني تلك الحادثة ألا أستسلم للمصاعب، ولو تم قبول استقالتي في ذلك الوقت، لما كنت في المكان الذي أنا فيه اليوم».
وأشاد طرفة بألمعية أفينز ونفاذ بصيرته، قائلاً إن حادثة السيارة التي علقت بالثلوج علّمته بأنه يجب على الإنسان أن ينسى منصبه وأن يقوم بمساعدة العالقين على حل مشاكلهم. وأضاف: «لقد تعلمت من أفينز بأنه يجب عليّ أن أتواضع، وأن التواضع يشكل جوهر القيادة والخدمة العامة».
وكشف طرفة أن هدفه يتمثل في أن يصبح «أفضل» نائب محافظ في تاريخ مقاطعة وين، وقال: «إذا كان وورن أفينز هو أفضل محافظ في المقاطعة، فإن حلمي أن أكون أن أفضل نائب محافظ فيها».
Leave a Reply