تستضيف موسكو يوم الثلاثاء اجتماعاً رباعياً على مستوى نواب وزراء خارجية سوريا وروسيا وتركيا وإيران، لمناقشة خطوات التطبيع بين أنقرة ودمشق، والتي يُراد لها أن تتقدّم وفق مبدأ «المنفعة للجميع»، إذ لا تزال تركيا تسعى للتخلّص من عبء اللاجئين السوريين وتأمين حدودها الجنوبية، بينما ينصبّ اهتمام سوريا على إخراج القوّات التركية من شمال البلاد، وضبط الإيقاع السياسي مع الجارة التي قادت طيلة العقد الماضي جبهة القتال ضدّ حكومة دمشق، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى تتعلّق بالأمنَين المائي والغذائي
وجاء الإعلان عن الاجتماع الرباعي المرتقب بعد اتّصالات مكثّفة أجرتها كلّ من طهران وموسكو، وسط إصرار دمشق على عدم الانخراط في النقاش على المستوى الدبلوماسي، قبل وضع جدول أعمال واضح يتعلّق بالانسحاب التركي من الأراضي السورية، فيما حاولت أنقرة تجاوز هذه النقطة عبر الإصرار على عقد لقاء سياسي من «دون شروط مسبقة». وأدّى ذلك إلى عودة نائب وزير الخارجية التركي، بوراك أكجابار، إلى بلاده في انتظار التوافق على هكذا لقاء، بعدما كان قد سافر إلى العاصمة الروسية قبل نحو أسبوعَين، بالتزامن مع زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، لها ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين.
وفي أعقاب اجتماعه مع بوتين، خرج الأسد، حينها، بتصريحات واضحة، أكد خلالها أن دمشق لن تنخرط في أيّ اجتماع مع أنقرة «لا يكون هدفه أو نتيجته خروج القوات التركية غير الشرعية من البلاد»، مستهجناً تصريحات وزير الدفاع التركي الذي يقول إن قوّات بلاده الموجودة في سوريا ليست احتلالاً، محمّلاً تركيا مسؤولية الانفلات الأمني الذي تشهده الحدود الشمالية، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً حول مستقبل عملية التطبيع المدفوعة من قِبَل روسيا وإيران، وسط تكهّنات باحتمال انهيار المفاوضات.
وبالتوازي مع إعادة تنشيط العملية السورية–التركية، والتي تتزامن مع انفتاح عربي مستمرّ على دمشق انضمّت إلى ركبه أخيراً الرياض بشكل رسمي عبر إعلانها بدء العمل على إعادة الخدمات القنصلية، كخطوة أولى على طريق التطبيع بين البلدَين، تُواصل الولايات المتحدة تصعيدها السياسي في وجه هذا الانفتاح، وخصوصاً أنه يأتي كنتيجة مباشرة للجهود الروسية لحلّ الأزمة السورية.
ميدانياً، شهدت سوريا خلال الأسوع الماضي تصعيداً ميدانياً في شرق البلاد تحديداً بين مناطق سيطرة «قسد» والجيش السوري، على ضفاف نهر الفرات في دير الزور، حيث وقعت مواجهة امتدّت على يومَين بين قوات الاحتلال الأميركي ومجموعات «المقاومة الشعبية».
وبدأت هذه المواجهة عندما استهدفت المجموعات المقاوِمة قاعدة رميلان الأميركية في منطقة خراب الجير، وهي ثاني قواعد الاحتلال في سوريا، ليسقط فيها متعاقد أميركي قتيلاً، إضافة إلى خمسة جرحى، وذلك ردّاً على الغارات التي نفّذتها واشنطن ضدّ مواقع تشكيلات سورية مدعومة إيرانياً في هرابش والقورية. وحمل هذا الاستهداف الرقم 78، خلال 21 شهراً، منذ أولى عمليات استهداف الأميركيين، والتي وقعت في معمل غاز «كونوكو» شمال دير الزور في حزيران عام 2021.
غير أن استراتيجية المقاومة يبدو أنها بدأت تتغيّر خلال الفترة الأخيرة، حيث صار القصف أكثر دقّة وكثافة، بعدما كانت تسقط الصواريخ خارج القواعد وعلى حدودها، فلا توقع أيّ إصابات. ولعلّ من أبرز ما ينبئ بهذا التغيّر هو انتقال المجموعات إلى الحالة العلنية في تبنّي ضرب القواعد الأميركية، وذلك عبر إعلان ما يسمّى «لواء الغالبون»، في أوّل بيان صادر عنه.
وبدا واضحاً في البيان تعمّد أصحابه الإيحاء بأن استهداف قاعدة الرميلان تمَّ من داخل الأراضي العراقية، وهو ما يعني أن المقاومة وحّدت ساحتَي سوريا والعراق في وجه الاحتلال الأميركي، الذي بات يتعامل مع الساحتَين بشكل موحّد، عسكرياً ولوجيستياً. كما أن التلويح بتنفيذ المزيد من العمليات، وباستخدام أسلحة متطوّرة، يؤشّر إلى أن القواعد الأميركية في كلّ من سوريا والعراق، ستبقى هدفاً مفتوحاً حتى زوال الاحتلال.
إلى ذلك، نفت إيران، عبر «مجلس الأمن القومي الإيراني»، الاتهامات الأميركية لها بــ«الوقوف وراء الهجوم على قواعد أميركية في سوريا»، مؤكّدة في الوقت نفسه، من طريق «مصدر أمني»، أن «أيّ هجمات على قواعد أقيمت بطلب من سوريا، ستقابَل بردّ فعلٍ فوري»، في ما يستبطن رسائل تحدٍّ إلى الأميركيين. وفي المقابل، سارعت واشنطن، على لسان منسق الاتصالات في البيت الأبيض، جون كيربي، إلى التأكيد على أن «الولايات المتحدة لا تنوي تقليص وجودها العسكري في سوريا، بعد الضربات المتكرّرة على قواعدها هناك».
كذلك ميدانياً، تصدت وسائط الدفاع الجوي السورية فجر الخميس الماضي لصواريخ إسرائيلية من الجولان السوري المحتل استهدفت بعض النقاط في محيط مدينة دمشق، وأسقطت بعضها، لكنها أدت إلى إصابة جنديين ووقوع بعض الخسائر المادية.
وعلقت وزارة الخارجية السورية على القصف الإسرائيلي، قائلة إن «المنطقة لا يمكن أن تنعم بالسلام إذا لم يتم وضع حد للاحتلال». وقالت الخارجية في بيان إن «العدوان الإسرائيلي الإرهابي الذي استهدف بعض النقاط في محيط مدينة دمشق، ما هو إلا استمرار للنهج الفاشي للكيان الإسرائيلي تجاه شعوب ودول المنطقة، وإنّ كان في هذه المرحلة بالتحديد يشكل محاولة للهروب من التفتت الداخلي الذي يشهده هذا الكيان».
Leave a Reply