واشنطن- في أحدث تطور لاحتجاجات موظفي الحكومة الأميركية ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وجّه أكثر من 400 موظف، يمثلون حوالي 40 وكالة حكومية، خطاباً إلى الرئيس جو بايدن، الثلاثاء الماضي، للاحتجاج على دعمه المطلق للحرب الإسرائيلية.
ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز» فقد طالب الموظفون بايدن بالعمل على وقف فوري لإطلاق النار، والضغط على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.
ويعد هذا الخطاب هو الأحدث في رسائل ومذكرات الاحتجاج التي قدمها موظفون في الحكومة الأميركية، من بينها ثلاث مذكرات داخلية وقعها العشرات من موظفي وزارة الخارجية، ورسالة مفتوحة موقعة من أكثر من ألف موظف في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID.
وسبق أن تم تقديم ثلاث مذكرات احتجاج من موظفي وزارة الخارجية للوزير أنتوني بلينكن. اثنتان منها في الأسبوع الأول من الحرب والثالثة في الآونة الأخيرة.
ويبدأ الخطاب الموقع من 400 موظف بإدانة هجوم «حماس» في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ثم يدعو بايدن إلى العمل على وقف الحرب، إذ جاء في الرسالة: «ندعو الرئيس بايدن إلى المطالبة بشكل عاجل بوقف إطلاق النار، والدعوة إلى وقف تصعيد الصراع الحالي بواسطة ضمان الإفراج الفوري عن الرهائن الإسرائيليين، والفلسطينيين المحتجزين تعسفيا، واستعادة خدمات المياه والوقود والكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية، ومرور المساعدات الإنسانية الكافية إلى قطاع غزة».
ويضيف أن «الأغلبية الساحقة من الأميركيين يؤيدون وقف إطلاق النار»، مرفقاً استطلاعاً للرأي أظهر أن 66 بالمئة من الأميركيين يرون أن على الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار.
وجاء في الخطاب كذلك: «لا يريد الأميركيون أن ينجر الجيش الأميركي إلى حرب أخرى مكلفة ولا معنى لها في الشرق الأوسط».
وغالبية الموقعين على الخطاب هم معيّنون سياسيون لديهم توجهات مختلفة، ويعملون في جميع قطاعات الحكومة، من مجلس الأمن القومي إلى مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل.
وكان موقع «أكسيوس» قد كشف، الاثنين الماضي، تفاصيل مذكرة أخرى وجهها موظفون في الخارجية لمطالبة إدارة بايدن بتغيير سياستها إزاء الحرب، وقالت إن إسرائيل ترتكب «جرائم حرب».
وجاء في المذكرة أن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، وتشمل قطع الكهرباء وتقييد المساعدات وشن هجمات أدت إلى نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين «تشكل جميعها جرائم حرب و/أو جرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي».
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»، إن بلينكن رد على «المعارضة الداخلية» إذ بعث برسالة إلكترونية إلى موظفي الوزارة كتب فيها: «أعلم أن المعاناة الناجمة عن هذه الأزمة لها أثر شخصي عميق على كثيرين منكم»، مضيفاً أنه يدرك أن «بعض الأشخاص في الوزارة قد يختلفون مع نهجنا أو لديهم وجهات نظر بشأن ما يجب أن نفعله بشكل أفضل».
وقال بلينكن في الرسالة التي اطلعت عليها «رويترز»: «أعلم أن المعاناة التي سببتها هذه الأزمة بالنسبة للكثيرين منكم لها أثر كبير على المستوى الشخصي».
وأضاف: «المعاناة المصاحبة لرؤية صور يومياً للرضع والأطفال والمسنين والنساء وغيرهم من المدنيين الذين يعانون في هذه الأزمة أمر مؤلم. وأنا شخصياً أشعر بذلك».
وقال بلينكن في الرسالة إن وزارة الخارجية «نظمت منتديات في واشنطن للاستماع إليكم، وحثت المديرين والفرق على إجراء مناقشات صريحة حتى نتمكن من سماع تعليقاتكم وأفكاركم».
ومن بين الموقعين على المذكرات الاحتجاجية أشخاص ساعدوا بايدن في حملة انتخابه عام 2020، وقالوا إن دعم إدارة بايدن للحرب يتعارض مع موقف الناخبين الديمقراطيين بشأن هذه القضية.
ونقلت «نيويورك تايمز» عن شخصين وقعا على إحدى المذكرات، أنهما وافقا على العمل في الإدارة لأن بايدن أكد أنه يريد حكومة أكثر تمثيلاً للناخبين الأميركيين، لكن مخاوفهما ومخاوف المعينين السياسيين الآخرين «تم تجاهلها إلى حد كبير».
وتعارض الإدارة الأميركية وقف إطلاق النار، خشية أن يسمح لـ«حماس» بإعادة تشكيل صفوفها لشن هجمات مستقبلية، وتؤيد بدلاً من ذلك إقرار هدن إنسانية للسماح بتوصيل المساعدات إلى غزة وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية.
وتأتي خطابات الاحتجاج بعد اجتماع ضم 70 شخصاً من المعينين السياسيين المسلمين والعرب مع مسؤولين كبار في إدارة بايدن يوم 23 أكتوبر الماضي.
وقال الموظفون خلال الاجتماع إنهم تعرضوا لضغوط من أصدقائهم وعائلاتهم للاستقالة، وبكى بعض الحاضرين وهم يطالبون بوقف إطلاق النار، وعدم تجاهل أرواح المدنيين، وتقييد إرسال الأسلحة للجيش الإسرائيلي.
وتقول «نيويورك تايمز» إن بعض المسؤولين الأميركيين قالوا في أحاديثهم الخاصة إنه بينما يرحب كبار المسؤولين بالخلاف في الرأي، يجب على موظفي الحكومة أن يفهموا ويقبلوا أنهم لن يتفقوا دائماً مع السياسة الأميركية.
وقال المسؤولون إن المعارضة بشأن سياسة الإدارة «تعكس فجوة بين الأجيال» وغالبية المعارضين هم موظفون في العشرينات والثلاثينات من العمر، رغم أن العديد من الموظفين الأكبر سناً هم أيضاً ضمن المحتجين.
آلية الاعتراض
على عكس العديد من الدول الأخرى، يستطيع موظفو وزارة الخارجية الأميركية التعبير علناً عن معارضتهم سياسة الوزارة التي يعملون فيها.
هذا الحق تكفله آلية استحدثها وزير الخارجية الأميركي، ويليام رودجرز، عام 1971، إبان حرب فيتنام، للسماح بالموظفين بالتعبير عن آرائهم، وسط تصاعد الجدل في ذلك الوقت بشأن الحرب، وفق الوزارة.
ومنذ ذلك الوقت، يتم العمل بهذه الآلية، ووقع المئات من موظفي الوزارة والوكالات التابعة لها مذكرات احتجاج على سياسات الوزارة في فترات مختلفة، آخرها ثلاث مذكرات صدرت احتجاجاً على سياسية الإدارة الحالية إزاء حرب إسرائيل على غزة.
وتسمح هذه الآلية، وفق الموقع الإلكتروني للوزارة، لأي موظف أميركي في وزارة الخارجية، في أي مكان في العالم، بالتعبير عن انتقاداته لسياسة الحكومة، وتوفر طريقة لنقل هذه الآراء لجهات التخطيط وصناع القرار في الوزارة، وعلى رأسهم وزير الخارجية، عندما لا يمكن توصيل هذه الآراء بطريقة كاملة، وفي الوقت المناسب من خلال القنوات أو الإجراءات العادية.
ويشير نص الآلية إلى أن الهدف منها أن «يتمكن جميع الموظفين الأميركيين من التعبير عن وجهات نظر مخالفة أو بديلة بشأن القضايا الجوهرية للسياسة»، ويؤكد على أن من مصلحة الوزارة السماح بـ«الحوار المفتوح والإبداعي وغير الخاضع للرقابة».
وتوفر الآلية ضماناً هاماً يقتضيه هذا الوضع، وهو عدم الانتقام من «المعارضين»، إذ تقول نصاً: «يتم تطبيق مبدأ عدم التعرض للانتقام لمستخدمي قناة المعارضة بشكل صارم» وحماية الموظفين من أي شخص يثبت تورطه في أعمال انتقامية من مستخدمي قناة المعارضة، أو كشف لموظفين غير مصرح لهم عن مصدر أو محتويات رسائل قناة المعارضة».
ويُشترط لاستخدام هذه الآلية أن يكون الموظف أميركياً، يعمل في وزارة الخارجية أو وكالة التنمية الدولية، ولا يجوز استخدام قناة المعارضة من قبل مواطنين غير أميركيين.
وفي مقال على «واشنطن بوست»، اعتبر نيال كاتيال، أن هذه الآلية نتجت عنها «تغييرات حاسمة في السياسة»، مشيراً على سبيل المثال إلى أن مذكرة احتجاج، صدرت عام 1992 عن حرب البوسنة، ساعدت في التوصل إلى اتفاقية دايتون التي أنهت الحرب.
وكتب أن «مثل هذه الضوابط والتوازنات الداخلية ضرورية للحفاظ على رؤية مؤسسينا للحكومة، إذ أنه من خلال تقسيم السلطة بين ثلاثة فروع منفصلة، خلق واضعو الدستور حوافز لكل منهم لمهاجمة وانتقاد وتثقيف الآخرين».
Leave a Reply