ديربورن – كشف المرشح العربي الأميركي لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ميشيغن ناصر بيضون –يوم الاثنين الماضي– عن رفضه لعرض مالي مغرٍ من اللوبي المؤيد لإسرائيل في منطقة ديترويت مقابل انسحابه من السباق، والترشح –عوضاً عن ذلك– لخوض انتخابات مجلس النواب الأميركي بمواجهة النائبة الحالية رشيدة طليب، ليكون بذلك ثاني مرشح ديمقراطي تجري محاولة استقطابه بمبلغ مالي ضخم لتحدّي النائبة الفلسطينية الأصل، بعد المرشح لعضوية مجلس الشيوخ أيضاً، هيل هاربر.
وفي مقطع مصوّر على صفحته بمنصة «أكس»، أوضح رجل الأعمال اللبناني الأصل بأن «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (آيباك) عرضت عليه مبلغ 20 مليون دولار –عبر وسيط– لتوجيه حملته إلى سباق «الدائرة 12» بمجلس النواب الأميركي ضد «صديقته»، النائبة طليب، مؤكداً رفضه للعرض «المتجرئ»، وإصراره على مواصلة حملته الانتخابية في سباق الشيوخ تحت عناوين «تضع أميركا وطبقتها العاملة في المقاوم الأول».
عرض مماثل تلقاه منافسه في سباق مجلس الشيوخ هيل هاربر
وقال بيضون: «حتى مع علمهم بموقفي من تأثير آيباك على انتخاباتنا وسياستنا الخارجية، فقد امتلكت هذه المنظمة المؤيدة لإسرائيل، الجرأة لتعتقد بأنني مستعد لقبول ولو عشرة قروش منهم»، لافتاً إلى أن ذلك العرض يثبت بأن نظام تمويل الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة «ملتوٍ»، ويسهّل «شراء الانتخابات في بلادنا»، ما يجعل «الأثرياء والمتنفذين» هم المستفيد الأول من هذا النظام المعطوب.
وكشف الرئيس السابق لـ«الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» ACRL أن المستشار السياسي والرئيس السابق للحزب الديمقراطي بميشيغن، لون جونسون، كان الوسيط الذي نقل إليه العرض المالي في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم في مكتب صديق مشترك، من دون الكشف عن هوية الشخص الذي رتّب اللقاء بين الطرفين.
وقال بيضون إنه في البداية لم يفكر كثيراً بالأمر، غير أنه أبلغ طاقم حملته الانتخابية وكذلك النائبة طليب بما جرى، موضحاً بأنه قرر التحدث عن العرض المقدّم له بعدما كشف المرشح لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي، الممثل الإفريقي الأميركي هيل هاربر، عن تلقيه لعرض مماثل الأسبوع الماضي.
ويخوض بيضون وهاربر سباق الديمقراطيين التمهيدي لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ميشيغن بمواجهة مرشحين آخرين أبرزهم عضو مجلس النواب الأميركي الحالية إليسا سلوتكين التي نجحت بجمع تبرعات قياسية في غضون أشهر قليلة من إعلان ترشحها في وقت سابق من العام الجاري.
وأضاف بيضون: «عندما علمت بأنهم حاولوا التواصل مع هاربر، فكرت وقلت: مهلاً، انتظروا.. هذا ليس أمراً فريداً، نحن بحاجة إلى نشر ما حدث حتى يعرف الناخبون في ميشيغن حقيقة ما يجري في الولاية لكي يتمكنوا من اتخاذ قرارات مستنيرة».
وكان هاربر قد أفاد مؤخراً عن رفضه لعرض بقيمة عشرين مليون دولار قدّمه رجل الأعمال اليهودي الأميركي ليندون نيلسن، أحد كبار المانحين لمنظمة «آيباك» في منطقة ديترويت، مقابل الترشح ضد طليب بسبب مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وجاء إعلان هاربر عن العرض السخي بعدما نشر موقع «بوليتكو» الإخباري تقريراً حول مكالمة هاتفية جرت بينه وبين نيلسن في 16 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وقال هاربر عبر منصة «أكس» إنه «لم يكن ينوي أن تصبح مكالمة هاتفية خاصة، علنيةً»، غير أنه وجد نفسه مضطراً للتعليق على المسألة بعد تقرير «بوليتيكو».
وأكد الممثل والكاتب الإفريقي الأميركي أنه لن يخضع «للسيطرة أو التنمر أو الشراء»، مشدداً عزمه على مواصلة السباق التمهيدي لمجلس الشيوخ الأميركي الذي سيقام في شهر آب (أغسطس) 2024.
وعلى شاكلة العرض الذي قدّم لهاربر، قال بيضون أن مبلغ العشرين مليون دولار كان سيقسم إلى قسمين بواقع 10 ملايين دولار كنفقات مستقلة و10 ملايين أخرى تذهب مباشرة للحملة الانتخابية.
جونسون ينفي
وفيما أكدت حملة النائبة طليب بأن بيضون تواصل معها لمناقشة تفاصيل الحادثة في وقت سابق، نفى جونسون بشدة «مزاعم» بيضون، وقال لصحيفة «ديترويت نيوز»: «لم أعرض عليه 20 مليون دولار أو أي مبلغ آخر من المال لخوض الانتخابات ضد رشيدة»، مضيفاً: «هذا لا يُعقل».
ولم يبد بيضون استغرابه من نفي جونسون، وقال: «بالطبع سوف ينفي ذلك، ربما لأن ما عرضه غير قانوني»، معرباً عن اعتقاده في أن الأوساط المؤيدة لإسرائيل في منطقة ديترويت «تبحث عن شخص يتمتع بالمصداقية للتغلب على رشيدة»، لكنه مقتنع بأن إسقاط النائبة التقدمية سيكون «صعباً للغاية».
وقال الرئيس والمدير التنفيذي السابق لـ«غرفة التجارة العربية الأميركية»: «لا يمكنك التعويل على أي شخص في هذا السباق للتغلب على رشيدة التي تقدم خدمات انتخابية قوية كما أن دائرتها تضم عدداً كبيراً من الناخبين العرب الأميركيين». وأفاد بيضون لصحيفة «ديترويت نيوز» بأن العرض الذي قُدّم له يتضمن هدفاً آخر، يتمثل في إخلاء الساحة الديمقراطية خلال الجولة التمهيدية للحزب الأرزق في انتخابات مجلس الشيوخ الأميركي لتعزيز حظوظ النائبة سلوتكين (ديمقراطية–هولي) في خلافة السناتور المتقاعدة ديبي ستابينو، مؤكداً بأن سلوتكين هي «المرشحة التي تراهن عليها آيباك لتمثيل ميشيغن في مجلس الشيوخ الأميركي»، إلى جانب السناتور الديمقراطي غاري بيترز.
ومع أن بيضون لا يحوز على المواصفات التي قد تدفع «آيباك» لاستقطابه، خصوصاً وأنه لا يدعم العلاقات المميزة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، غير أنه ليس من المستبعد أن تسعى المنظمة المؤيدة لإسرائيل إلى عقد صفقة معه للترشح ضد طليب، ما من شأنه تقسيم أصوات الناخبين العرب الأميركيين بينهما على أقل تقدير، مما يفسح المجال أمام فوز مرشح ثالث.
وأوضح مدير «إصلاح تمويل الحملات الفدرالية» في «المركز القانوني للحملات الانتخابية»، سواراف غوش، بأن الموافقة على مثل هذه العروض المالية يعد انتهاكاً لقوانين تمويل الحملات الانتخابية الفدرالية التي تحظر على المرشحين التنسيق مع أي طرف ينفق أو يعد بإنفاق ما يتجاوز الحدود المنصوص عليها. وأضاف أنه من وجهة نظر أخلاقية، فإن رؤية أي مرشح مدين بالفضل لمانح واحد «يخلق نوعاً من الفساد والنفوذ الذي يقوض حقاً، ثقة الناخبين في العملية الديمقراطية».
في الأثناء، تشير تقارير إعلامية إلى أن أعضاء في «آيباك» يواصلون زياراتهم إلى منطقة ديترويت لاستقطاب مرشحين قادرين على منافسة طليب التي تتصاعد ضدها وتيرة الاستياء والغضب ضمن الأوساط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، والتي تجددت بسبب مواقفها المؤيدة لفلسطين، والمتحفظة على مواقف الإدارة الأميركية من الدعم غير المشروط لإسرائيل في حربها على قطاع غزة.
في السياق، نفى المتحدث باسم «آيباك» مارشال ويتمان أن تكون لمنظمته أية علاقة، و«بأي شكل من الأشكال بالعرض المالي الذي تلقاه بيضون»، وكان قد نفى سابقاً بأن تكون «آيباك» وراء عرض 20 مليون دولار على هاربر مقابل منافسة طليب.
وبحسب المراقبين، يسعى أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة لإسكات الأصوات المتنامية داخل الكونغرس الأميركي ضد سياسات دولة الاحتلال، وذلك عبر التخطيط مبكراً للإطاحة بعدد من النواب في انتخابات العام 2024، بما في ذلك، طليب وأعضاء آخرين ينتمون إلى الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي.
وحتى الآن، تواجه نائبتان ديمقراطيتان من الجناح النقدمي، منافسة من مرشحين مدعومين من أنصار إسرائيل في الانتخابات التمهيدية القادمة، وهما النائبة عن ميزوري كوري بوش، والنائبة عن بنسلفانيا سمر لي.
Leave a Reply