ديربورن، باترسون – استجابة للدعوات العالمية بتنفيذ إضرابات واسعة رفضاً للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أغلقت عشرات الأعمال التجارية أبوابها في منطقة ديربورن، يوم الإثنين الماضي، بالتزامن مع تنظيم تظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في مدينة ديربورن هايتس.
كذلك، شهدت بعض المدن الأميركية حراكاً مماثلاً، حيث نظّمت المجتمعات العربية والإسلامية في مدينة باترسون بولاية نيوجرزي إضراباً عاماً يوم الاثنين المنصرم، للتعبير عن مشاعر الإحباط والغضب المتزايدين من جرّاء العمليات التي تشنها دولة الاحتلال على القطاع المحاصر.
وتتواصل الفعاليات المؤيدة للشعب الفلسطيني في منطقة ديترويت على إيقاع المجازر وجرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين العزّل في قطاع غزة، حيث نُظمت –خلال الفترة الماضية– العديد من التظاهرات والوقفات الاحتجاجية في مدن ديربورن وديربورن هايتس وهامترامك ووورن، إلى جانب داونتاون ديترويت ومدينة رويال أوك التي شهدت السبت المنصرم تظاهرة ضمت مئات المناصرين للقضية الفلسطينية ما أسفر عن اعتقال اثنين من الناشطين بدعوى الشغب وتهديد الأمن، قبل أن يتم إطلاق سراحهما في وقت لاحق.
إضراب الإثنين
في الديربورنين، أضربت عشرات الشركات والأعمال التجارية، كما أحجم عديد الطلبة عن الذهاب إلى مدارسهم يوم الاثنين 12 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، فيما تحوّلت المنطقة المحيطة بتقاطع شارعي فورد وجون دايلي بديربورن هايتس إلى بحر من الأعلام الفلسطينية واللافتات التي تندد بالمجازر الإسرائيلية التي أودت بحياة زهاء 19 ألف شخصاً، معظمهم من الأطفال والنساء.
وشملت قائمة الإغلاق العديد من المطاعم والمقاهي والمتاجر والمحال وشاحنات الطعام (فود تراك)، من بينها متاجر «ديترويت فرنيتشر» و«نايس برايس» للأثاث واالأدوات المنزلية، ومقاهي «قهوة هاوس» و«حراز» و«دلّة” و«ديوان» و«نوفا» و«قمرية» وغيرها، فضلاً عن مطاعم عديدة بينها «سبأ» و«كباب أربيل» و«ملك الكباب» و«تشيكن كرايز» و«ليونز بيتزا» و«ذا دونر شاورما»، إلى جانب العديد من المحال الأخرى، مثل «حجابي» و«مودرن حجابي» و«سموكرز كريب» و«كينغ توباكو».
عدة أعمال، أعربت على صفحاتها بوسائل التواصل الاجتماعي عن تضامنها مع ضحايا الحرب الإسرائيلية في القطاع المحاصر، كان من بينها سلسلة مقاهي «قهوة هاوس» التي أفادت عن إغلاق متاجرها العشرة «لأول مرة منذ ست سنوات» تلبية لدعوات الإضراب العالمي لدعم فلسطين. ورغم أن بعض الأعمال الأخرى، مثل مطعم «بروم» في غرب ديربورن، اختارت عدم الإغلاق، إلا أنها رصدت عائداتها في ذلك اليوم للإسهام في جهود الإغاثة الإنسانية في قطاع غزة.
وأوضح الناشط في منظمة «جيل جديد من أجل فلسطين»، آدم أبو صلاح، بأن قرابة مئة عمل تجاري في منطقة ديربورن تجاوبوا مع دعوات الإضراب العالمية، لافتاً إلى أن بعض الأعمال التي فضلت عدم الإغلاق تبرعت بأرباحها لدعم ضحايا العدوان الإسرائيلي في القطاع المنكوب.
في الأثناء، أفادت تقارير إعلامية بأن الكثير من الطلبة في منطقة ديربورن لم يذهبوا إلى مدارسهم يوم الاثنين الماضي، في خطوة احتجاجية تتوخى تعميق الوعي بمأساة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وتعزيز الجهود المطالبة بوقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وقال المتحدث باسم مدارس ديربورن العامة، ديفيد ماستونين إنه ليس لديه أرقام رسمية حول أعداد الطلاب المتغيبين، مستدركاً بأن الحضور في عموم منطقة ديربورن التعليمية كان أقل من المعتاد في ذلك اليوم.
وبالتوازي مع إضراب الأعمال التجارية، اصطف عشرات المتظاهرين على جانبي شارع فورد بمدينة ديربورن هايتس وهم يحملون الأعلام الفلسطينية ويلوحون بها للسيارات المارة التي استجاب الكثير منها بإطلاق الزمامير تعبيراً عن تأييدهم للحراك وتعاطفهم مع محنة الشعب الفلسطيني في القطاع المنكوب. وجذبت التظاهرة فئات الأطفال واليافعين، بالإضافة إلى أسر متحدرة من عدة خلفيات. ورددت الجموع شعارات تتهم الرئيس جو بايدن بالإبادة الجماعية، وأخرى تناصر فلسطين الحرة من النهر إلى البحر.
وقالت المتظاهرة مريم شرارة، وهي من سكان مدينة ديربورن: «نحن هنا لإظهار تضامننا مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة»، مضيفة: «نحن ضد ما يجري في قطاع غزة، إنه لأمر فظيع أن تستمر جرائم الإبادة الجماعية التي لا يمكن فهمها منذ ما يزيد عن 65 يوماً».
وأردفت شرارة بالقول: «أنا لست فلسطينية، أنا أميركية لبنانية، ولكننا الآن جميعاً فلسطينيون، هذه مسألة إنسانية لا يمكنك أن تعاينها بدون أن يتألم قلبك، وإن الوقوف بوجه تلك الاعتداءات هو الذي سيؤدي إلى وقف الحرب هناك».
وفي مدينة رويال أوك، نفّذ مئات المتظاهرين وقفة احتجاجية أمام مقر البلدية –السبت الماضي– لإظهار تضامنهم مع الشعب الفلسطيني وللتعبير عن استيائهم من مواقف الحكومة الأميركية التي استخدمت الجمعة الماضي حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن الدولي لرفض قرار يدعو إلى وقف دائم للحرب في فلسطين المحتلة.
وحاول بعض المتظاهرين الغاضبين اقتحام المقرّ لكن الشرطة منعتهم وقامت باعتقال اثنين من النشطاء بدعوى إثارة الشغب وتهديد الأمن، قبل أن تقوم بإطلاق سراحهما في وقت لاحق، بحسب موقع «راديو صوت العرب من أميركا».
باترسون
لم يقتصر التجاوب مع إضراب الإثنين الماضي على منطقة ديربورن، حيث انضمت جاليات عربية أميركية أخرى إلى الحركة الاحتجاجية، من بينها مدينة باترسون التي تضم كثافة عربية أميركية عالية في ولاية نيوجرزي.
وتجاوبت عشرات الأعمال التجارية على طول «شارع فلسطين» في مدينة باترسون مع دعوات الإضراب العالمي، في رسالة تتوخى حثّ الإدارة الأميركية للعمل من أجل وقف العدوان الإسرائيلي، وكذلك وقف مساعداتها العسكرية والسياسية للدولة العبرية.
وأعربت الدكتورة جابين أحمد، التي تمتلك صيدلية في مدينة باترسون، عن أملها في أن «يعكس الإضراب وحدة المسلمين واستعدادهم للتضحية بأعمالهم من أجل إسماع أصواتهم»، لافتة إلى أن زوجها السابق، الفلسطيني الأصل، فقد 65 فرداً من عائلته وأقاربه في قطاع غزة.
وأضافت جابين في حديث مع قناة «الحرة» الأميركية: «هناك مشاعر عارمة من الغضب والإحباط والحزن واليأس والشعور بالذنب بسبب أن الأميركيين العرب قادرون على الحصول على وجبات الطعام والرعاية الصحية، بينما يتضور الناس جوعا في غزة»، مردفة: «كأم وكعاملة في الحقل الإنساني.. من المؤلم جداً أن أشهد ذلك».
من جانبه، قال دياب مصطفى، رئيس مركز الجالية الفلسطينية الأميركية في كليفتون، وهي إحدى ضواحي باترسون، إن الإضراب «ركّز على نشر الوعي بما يجري في غزة، بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار يدعو لوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية».
وأضاف مصطفى: «نحن كأميركيين، وخاصة كمسلمين، نحتاج إلى التحدث بصوت عالٍ، وبما أننا نعتقد أن معظم الشعب الأميركي يطالب بوقف إطلاق النار.. فنحن بحاجة إلى وضع حد لهذا القتل، وإيجاد حل سياسي يمنح الشعب الفلسطيني حقوقه واستقلاله وحقه في تقرير المصير».
وتابع بالقول: «نشعر أن الإدارة الأميركية لا تستمع إلينا ولا تصغي إلى أصوات الناس في الشوارع»، لافتاً إلى أنه بات من الصعب الاحتجاج على تصرفات إسرائيل في غزة دون أن يوصف بمعاداة السامية.
وفي سياق متصل، قال أمجد أبو كويك، وهو صاحب صيدلية في شارع فلسطين، أمام حشد من الناس، إن الوضع في غزة يؤثر عليه وعلى آخرين كثيرين بطريقة «شخصية للغاية». وأضاف: «بقلوب متألمة نقوم بهذه المبادرة الصغيرة للتضامن مع أولئك الذين قتلوا وما زالوا يموتون»، مستدركاً بالتأكيد على أن الإضراب «ليس بياناً سياسياً، وإنما هو بيان إنساني».
أما رائد عودة، الذي يمتلك محل حلاقة ويشغل منصب نائب رئيس بلدية باترسون، فقد قال إن رسالة الإضراب هي «المطالبة بوقف إطلاق النار لإنقاذ المدنيين الفلسطينيين». وأضاف عودة: «لقد حاولنا جاهدين، كأميركيين، وكمسلمين وكعرب أميركيين، وكفلسطينيين، إيصال هذه الرسالة»، متوعداً الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، بأن الفئات آنفة الذكر ستقول كلمتها في صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
Leave a Reply