نصر الله يتوعد بالرد والعقاب .. وتسخين في العراق واليمن
غزة، بيروت – ثلاثة أشهر مرّت على حرب الإبادة والتهجير في غزّة والضّفة الغربيّة، دون أن يتمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق أي من أهدافه المعلنة بالقضاء على حركة «حماس» أو تحرير الأسرى المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في القطاع المحاصر. وهو ما دفع حكومة بنيامين نتنياهو إلى محاولة الخروج من عنق الزجاجة واستعادة بعض ماء الوجه المهدور عبر عملية اغتيال القيادي في «حماس» صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، متجاوزاً بذلك خطاً أحمر كان قد رسمه أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله الذي سارع إلى توعد إسرائيل بالرد والعقاب.
وبينما يستمر الغزو الإسرائيلي بالتقهقر في غزة تحت ضربات المقاومة الموثقة بالصوت والصورة، تواصل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن توفير الغطاء لاستمرار العدوان رغم اعتراف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، بأن حركة «حماس» ما زالت تملك «قدرات كبيرة» داخل غزة بعد نحو ثلاثة أشهر من بدء الحرب.
كذلك أعلن جيش الاحتلال أنّ ثلاثة إسرائيليين، كانوا في عداد المفقودين، تبيّن أنهم ضمن الأسرى في غزّة. ونتيجة ذلك، يرتفع عدد الأسرى المتبقين لدى المقاومة الفلسطينية إلى 136، بحسب اعترافات تل أبيب.
وكانت قيادة المقاومة الفلسطينية أكدت، مراراً، أنّ لا عودة للأسرى الإسرائيليين إلّا بعد وقف إطلاق النار بصورة كاملة، وتحرير كل الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، بينما يواصل أهالي الأسرى الإسرائيليين ضغوطهم على حكومة نتنياهو مطالبين بصفقة تبادل جديدة لإطلاق سراح أبنائهم.
وذكر أهالي الأسرى الإسرائيليين، في رسالة إلى نتنياهو، أنّ «كل دقيقة مصيرية، وأن الأسرى موجودون في خطر حقيقي على حياتهم، ونحن نستقبلهم تابوتاً بعد آخر، وجثةً بعد أخرى»، في إشارة إلى مقتل عدد منهم برصاص الجيش الإسرائيلي.
وأسفر القصف والعمليات البرية التي يشنها جيش الاحتلال في قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضي، عن وقوع نحو 22 ألف شهيد فلسطيني وأكثر من 54 ألف مصاب فضلاً عن الدمار الهائل والأوضاع الإنسانية المزرية تحت الحصار.
يأتي ذلك بينما يتعمّق المأزق الداخلي الذي يواجهه بايدن، بعدما بات الأخير في موقع النقيض للكثير من محازبيه من «الجناح التقدّمي» في الحزب الديمقراطي، ومن موظّفيه في الإدارة على حدّ سواء، لجهة توفيره التغطية السياسية والدبلوماسية، فضلاً عن الدعم العسكري لتلك الحرب.
وفي مؤشّر على الارتدادات العكسية لسياسة بايدن على كل من الحزب والإدارة، بدأ نواب ديموقراطيون الإعراب عن خشيتهم –وإن خلف الكواليس– من تبعات سلبية قد تترتّب على تراجع حظوظ حزبهم في الرئاسة والكونغرس في الانتخابات المرتقبة نهاية العام الجاري. حتى أن بعضهم، مثل النائب الديمقراطي عن ولاية تكساس، كولين آلريد، بدأوا في التفكير في إدارة حملاتهم الانتخابية على أساس عناوين محلّية خاصة بولاياتهم، والسعي إلى النأي بأنفسهم عن «قاطرة الرئيس». ويأتي هذا وسط تنامي الخشية في أوساط «الديموقراطي» من احتمال عودة دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة، على رغم أن استراتيجيين في الحزب لا يزالون يستبعدون إمكانية حصول سيناريو مماثل.
اغتيال العاروري
أدى اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة «حماس»، وأحد كبار قادتها، صالح العاروري يوم الثلاثاء الماضي في ضاحية بيروت، إلى خسارة الحركة أحد أمهر قادتها التكتيكيين، والذي ساعد في نقل الأموال والأسلحة إلى نشطائها في قطاع غزة، بالتنسيق مع «حزب الله» وبقية أطراف محور المقاومة، وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز».
وتولى العاروري منصب نائب رئيس المكتب السياسي عام 2017، وساهم في تأسيس جناحها العسكري، «كتائب الشهيد عز الدين القسّام»، في الضفة الغربية.
وتمت عملية الاغتيال بواسطة طائرة مسيرة أطلقت ثلاثة صواريخ موجهة على مكتب «حماس» في حي المشرفية مما أسفر عن استشهاد العاروري وستة آخرين.
وفي اليوم التالي للعملية، حسم نصر الله في خطاب ألقاه في الذكرى الرابعة لاستشهاد الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، موقف «حزب الله» من عملية اغتيال العاروري مؤكداً أنها «جريمة كبيرة وخطيرة ولا يُمكن السكوت عليها، ولن تبقى دون ردّ أو عقاب، وبيننا وبينكم الميدان والأيام والليالي».
وقد تعمّد نصر الله توجيه سلسلة من الرسائل باتجاهات مختلفة، ولم يقصرها على قيادة العدوّ، لكنه لفت قادة الاحتلال الى أن المقاومة «تقاتل في الجبهة مع فلسطين بحسابات مضبوطة، وإذا فكر العدو بأن يشن حرباً على لبنان، حينها سيكون قتالنا بلا حدود وبلا ضوابط وبلا سقوف، ومن يفكر بالحرب معنا سيندم وستكون مكلفة جداً». وقال: «حتى الآن، نحن نحسب حساباً للمصالح اللبنانية، لكن إذا شُنّت الحرب على لبنان فإنّ مقتضى المصالح اللبنانية الوطنية أن نذهب بالحرب إلى الأخير من دون ضوابط»، مشدّداً على جهوزية المقاومة واستعدادها للذهاب الى حرب شاملة في حال اقتضت مصلحة لبنان ذلك.
وخلال تشييع حاشد للعاروري ورفيقيه في بيروت، قال هنية، عبر كلمة صوتية، إنّ «سياسة الاغتيال ممتدة منذ أن طالت أيضاً قيادة المقاومة الإسلامية في لبنان، كما حدث مع السيد عباس الموسوي». وشدّد على أنّ هذه المجزرة ستبقى شاهدة على «دموية الاحتلال، كمجزرة صبرا وشاتيلا»، وأنّ العدو خاب اعتقاده بعد أن ظنّ أنّه «سيتمكن من إحباط الشعب، من خلال عمليات الاغتيال».
خلافات إسرائيلية
ما إن شعر القادة الإسرائيليون بأن الحرب على قطاع غزة اقتربت من استنفاد دينامياتها، حتى طفَت خلافاتهم الداخلية على السطح، وسيطرت على اهتمام المستوى السياسي ووسائل الإعلام. ولم يمنع وجود المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، عاموس هوكشتين، في الأراضي المحتلة، أولئك القادة من تراشق الاتهامات والدخول في المزايدات السياسية. ورغم أن جزءاً كبيراً من تلك الخلافات لا علاقة له بالحرب، إلا أن هذه الأخيرة ومساراتها ونتائجها المحتملة، شكّلت مادة دسمة للتنازع، حتى ضمن الائتلاف الواحد.
وفي آخر فصول هذا التجاذب، «اشتعلت» بين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، بعدما منع الأول، الثاني، بحسب «القناة 12» العبرية، «من عقد لقاء مع رئيسَي الشاباك والموساد بشأن صفقة حول الأسرى». وعلى خلفية ذلك، اتّهم غالانت، نتنياهو، خلال مكالمة وُصفت بـ«الصعبة»، «بأنه يلحق الضرر بأمن إسرائيل». هكذا، بات واضحاً أن رئيس الحكومة فقد الثقة بكل من حوله تقريباً، وأنه يدفع في اتجاه التحكّم بمسارات الأمور وحده، من دون أي تدخّل من الوزراء، حتى وإن كانوا من فريقه السياسي، أو من «كابينت الحرب». والجدير ذكره، هنا، أن العلاقة بين نتنياهو وغالانت شهدت توتراً شديداً منذ ما قبل الحرب، حتى وصل الأمر بالأول إلى التلويح بعزل الأخير، قبل أن يتراجع عن ذلك، فيما تُستحضر اليوم الخلافات «القديمة» في سياق التجاذب حول الحرب وتبعاتها.
وكان غالانت عرض خطّته لـ«اليوم التالي» في قطاع غزة، والتي لا تزال بحاجة إلى موافقة «مجلس الحرب» و«الكابينت الأمني والسياسي»، بحسب وسائل الإعلام العبرية. وتحدّث غالانت عمّا سماه «مربّعاً مدنياً» سيحكم القطاع بعد الحرب، يتكوّن من إسرائيل ومصر والولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية وجِهات فلسطينية. وبحسب الخطة، سيكون توزّع الأدوار كالآتي:
– إسرائيل تتولّى الإشراف الأمني والتوجيه، وتحافظ على حرية العمل العسكري في غزة.
– مصر تتولّى مراقبة وفحص ما يدخل إلى القطاع، وتتعاون مع إسرائيل في السيطرة على محور فيلادلفيا.
– قوّة مهمات دولية لإعادة إعمار غزة، تقودها الولايات المتحدة بمشاركة دول أوروبية وعربية.
– جهات فلسطينية (غير معادية لإسرائيل) تحكم القطاع، استناداً إلى الأُطر واللجان المحلية.
لكن سرعان ما أتى الردّ على خطة غالانت، من داخل الائتلاف اليميني الحاكم، حيث رأى رئيس حزب «الصهيونية الدينية»، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أن «برنامج غالانت لليوم التالي، هو إعادة بثّ لليوم السابق في 7 أكتوبر»، معتبراً أن «الحلّ في غزة يتطلّب التفكير خارج الصندوق، وتغيير المفهوم، من خلال تشجيع الهجرة الطوعية والسيطرة الأمنية الكاملة، بما في ذلك تجديد الاستيطان». وبحسب الإعلام الإسرائيلي، فإن «خطة غالانت لن تُعرض على الكابينت»، حالياً.
تحرك أميركي
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، لصحفيين إن كبير الدبلوماسيين الأميركيين، أنتوني بلينكن، سوف يسافر لقضاء أسبوع في بذل جهود دبلوماسية بشأن الحرب الإسرائيلية في غزة، وسيزور إسرائيل والضفة الغربية، بالإضافة إلى تركيا واليونان والأردن وقطر والإمارات والسعودية ومصر خلال الأسبوع.
وتأتي الزيارة وسط تزايد المخاوف من اتساع رقعة الصراع المستمر منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر إلى خارج غزة، ليشمل الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، و«حزب الله» على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وممرات الشحن في البحر الأحمر فضلاً عن تصاعد عمليات الفصائل العراقية ضد القواعد الأميركية.
وذكر ميلر في إفادة صحفية أن بلينكن سيناقش خطوات محددة يمكن للأطراف في المنطقة اتخاذها لمنع اتساع رقعة الصراع. وأضاف «ليس في مصلحة أحد، لا إسرائيل ولا المنطقة ولا العالم، أن يتسع نطاق هذا الصراع إلى خارج غزة».
وتابع ميلر أن بلينكن سيبحث أيضاً اتخاذ تدابير فورية لزيادة دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة وجهود إعادة الرهائن المتبقين الذين تحتجزهم حركة «حماس».
تسخين المنطقة
أسوة بساحات المواجهة الأخرى مع إسرائيل والولايات المتحدة، اشتعلت بشكل ملحوظ الساحة العراقية، خلال الأسبوع الماضي، بعد عملية أميركية أسفرت عن استشهاد أحد قادة الألوية في «الحشد الشعبي»، ومرافق له، في هجوم جوي نسبته غالبية القوى السياسية العراقية إلى الاحتلال الأميركي، ما رفع بشكل كبير الضغوط على حكومة محمد شياع السوداني، لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي، ولاسيما الأميركي، في البلاد. وحمَلت بيانات الاستنكار الصادرة عن تشكيلات المقاومة العراقية، للهجوم الذي استهدف مقراً لحركة «النجباء» في بغداد، وكذلك لحادثتي اغتيال العميد في الحرس الثوري الإيراني، رضي موسوي، في سوريا، والعاروري، في بيروت، ومن ثم التفجيرات الإرهابية في محافظة كرمان الإيرانية، رسائل عدة، أبرزها جاهزية تلك التشكيلات للانتقام.
وحمّلت الحكومة العراقية، في بيان، «التحالف الدولي» مسؤولية هذا الهجوم، واصفة إياه بـ«غير المبرر» على جهة أمنية عراقية تعمل وفق الصلاحيات الممنوحة لها من قبل القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء)، معتبرة أن ما جرى سيقوّض جميع التفاهمات بين القوات المسلّحة العراقية وقوات «التحالف». ويأتي ذلك بينما تواجه حكومة السوداني، موجة غضب في الأوساط السياسية والشعبية، التي تطالب بتطبيق قرار البرلمان القاضي بإنهاء الوجود الأميركي خلال وقت محدد، وسط تلويح المقاومة بالتحضير لهجمات عنيفة ضد القواعد الأميركية.
وفي اليمن، حيث استنفدت الولايات المتحدة خياراتها كافة لفكّ الحصار الذي تفرضه القوات اليمنية على إسرائيل. وبعد فشل سياسة الترهيب والترغيب في ثني صنعاء عن إجراءاتها ضدّ السفن الإسرائيلية أو المتّجهة إلى الموانئ المحتلة، حاولت واشنطن تحريك مجلس الأمن تحت ذريعة تصاعد المخاطر على التجارة الدولية في البحر الأحمر، ثمّ جاء البيان الذي أصدرته 12 دولة تتصدّرها الولايات المتحدة ولوّحت فيه باستخدام القوة لفرض وقف العمليات اليمنية، لتزيد احتمالات وقوع عدوان أميركي على اليمن.
بدورها، نفت صنعاء المزاعم حول تأثّر الملاحة الدولية في البحر الأحمر. وأكد المسؤولون عدم وجود أضرار جسيمة بالشكل الذي تسوّقه واشنطن في إعلامها، لافتاً إلى أن الحركة اليومية للسفن وناقلات النفط والبتروكيماويات في الخطّ الملاحي الدولي في قناة السويس والبحر الأحمر لم يتضرّر بشكل كبير، محمّلاً واشنطن ولندن مسؤولية ارتفاع تكلفة الشحن البحري، نتيجة إثارتهما التوتّر فيه.
وفي الاتجاه نفسه، بيّنت الإحصائيات المعلنة من قِبل سلطات قناة السويس المصرية، هي الأخرى، أن الولايات المتحدة تُبالغ في الحديث عن الأضرار الناجمة عن عمليات صنعاء، والمحدّدة بمنع مرور السفن المتّجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة، على الملاحة الدولية.
ووفقاً لوسائل إعلام أميركية، فإنّ الجيش الأميركي أعدّ خيارات لشن هجوم على اليمن، فيما عقد الرئيس بايدن، اجتماعاً لفريق الأمن القومي في البيت الأبيض، قبل أيام، لبحث خيارات التعامل مع «الحوثيّين». وكانت الولايات المتحدة كشفت، في الأسابيع الماضية، أنها تعمل مع شركائها على تنفيذ عمليات عسكرية لشلّ قدرات حركة «أنصار الله» العسكرية، إلّا أن الإعلام الأميركي يعترف بصعوبة تلك المهمة، ويشير إلى أن تداعيات أي اعتداء أميركي ستكون باهظة الثمن على الاقتصاد الأميركي.
وفي تطور عسكري لافت، أطلقت القوات البحرية اليمنية مسيّرة سطحية بدون بحّار محمّلة بالمتفجرات انفجرت في ممر شحن دولي في البحر الأحمر، في أول استخدام لمثل هذا السلاح، حسب ما أفاد قائد القوات البحرية الأميركية في الشرق الأوسط، براد كوبر، للصحفيين، مضيفاً أنه «لحسن الحظ، لم تقع إصابات ولم تُصَب أي سفن». وأشار إلى أن هذا الهجوم هو الخامس والعشرون الذي يستهدف سفناً تجارية مبحرة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن منذ 18 نوفمبر الماضي.
Leave a Reply