هامترامك – أعلنت بلدية هامترامك –مؤخراً– عن تعيين ضابط يمني أميركي من شرطة نيويورك على رأس شرطة المدينة ذات الأغلبية المسلمة، حيث سيصبح جميل الطاهري أول قائد غير أبيض يتولى قيادة الدائرة التي يشكل الأميركيون البيض جميع عناصرها تقريباً.
ويشغل الطاهري (40 عاماً) حالياً، منصب قائد مكتب الإنصاف والشمول في شرطة نيويورك، حيث عمل لسنوات عديدة في مجال التواصل مع المجتمعات المتنوعة في كبرى المدن الأميركية.
والطاهري، مسلم من اليمن هاجر إلى الولايات المتحدة مع أسرته في سن الرابعة وانضم إلى سلك الشرطة عام 2004، وهو أحد مؤسسي جمعية الضباط المسلمين في شرطة نيويورك ومدير جمعية الشرق الأوسط وتركيا في الدائرة نفسها.
وقد صوت مجلس مدينة هامترامك بالإجماع في اجتماعه يوم 29 كانون الثاني (يناير) الماضي لاختيار الطاهري من بين ثلاثة مرشحين آخرين تمت مقابلتهم. وجاء التعيين بعد نقاش حاد بين السكان ومجلس المدينة حول التنوع وكيفية ترقية ضباط الشرطة، وسط مطالبات بأن يعكس قسم الشرطة تنوع السكان.
وقال رئيس بلدية هامترامك أمير غالب لصحيفة «فري برس»: «بعد إجراء مقابلات مع جميع المرشحين، تبين أنه صاحب أعلى رتبة، وأعلى تعليم، والأكثر خبرة في العمل مع الأقليات. ولذلك، اعتقدنا أنه سيكون إضافة كبيرة لمدينتنا، مع الأخذ في الاعتبار أنه يفهم ثقافة المجتمع المحلي فضلاً عن كونه ثنائي اللغة (الإنكليزية والعربية)، مما سيساعد على تحسين التواصل مع السكان وبناء المزيد من الثقة».
ويأتي اختيار الطاهري لقيادة شرطة هامترامك بعد التحولات الديموغرافية الهائلة التي شهدتها المدينة خلال العقدين الأخيرين. فهامترامك كانت في الماضي مدينة ذات أغلبية بولندية، أما اليوم، فلا يشكل ذوو الأصول البولندية سوى 5 بالمئة فقط من إجمالي السكان، فيما يشكل البيض المتحدرون من أصول أوروبية زهاء 17 بالمئة من المدينة، مقابل 39 بالمئة من العرب (معظمهم من أصل يمني)، و29 بالمئة من الآسيويين (أغلبهم من أصول بنغلاديشية)، وفقاً لبيانات التعداد السكاني لعام 2020.
وفي حين أن رئيس البلدية وجميع أعضاء المجلس البلدي الستة يتحدرون إما من اليمن أو بنغلاديش، ظلت دائرتا الشرطة والإطفاء في هامترامك –حتى الأمس القريب– خاليتين تماماً من أبناء الأقليات. وهو ما أثار احتجاجات حقوقية بشأن طريقة تعامل الضباط مع السكان المحليين الذين زعموا مراراً إساءة معاملتهم من قبل عناصر الشرطة والإطفاء.
وذكرت صحيفة «فري برس» في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 أن جميع عناصر الإطفاء في المدينة كانوا من البيض فيما كان هناك شرطي واحد فقط من الأقليات. وقال غالب إنه منذ ذلك الحين تم تعيين بعض أبناء الأقليات في الدائرتين، مشيراً إلى أنه بات يوجد رجل إطفاء واحد على الأقل من أصل عربي.
وقال رئيس البلدية اليمني الأصل: «لقد قمنا بتنويع قسم الشرطة خلال العامين الماضيين. وقمنا بتعيين بعض الضباط العرب والبوسنيين والباكستانيين»، مؤكداً أن الطاهري سيصبح أول مسؤول قيادي في الشرطة، عندما يتولى مهامه في غضون شهر أو شهرين، وفقاً لغالب.
وبحسب الصحيفة، نشأ الطاهري كابن لمهاجرين من اليمن، ولم يكن يثق بالشرطة.
الطاهري لـصدى الوطن : هدفنا خدمة جميع السكان بغض النظر عن أعراقهم وخلفياتهم الثقافية والدينية
وقال الطاهري في مقابلة عام 2021 مع «كلية جون جاي للعدالة الجنائية»: «لكونك مسلماً، فإنك تخشى الشرطة أثناء نشأتك. خاصة في عائلتي، إذ كانوا جميعاً خائفين من الشرطة». وأضاف أنه «بعد أحداث 11 سبتمبر، لم نثق في الشرطة. لا يعني ذلك أننا كنا نرتكب أي خطأ، ولكن لم يكن لدينا أي نوع من التواصل وسمعنا قصصاً تفيد بأن بعض رجال الشرطة قد يقولون أشياء سلبية أو يتعاملون مع المواقف بشكل مختلف عندما يكتشفون أن اسمك محمد مثلاً».
وأصبح الطاهري ضابط شرطة في نيويورك عام 2004، حيث كان يقوم بدوريات في حي برونكس قبل أن يترقى في الرتب ويصبح محققاً ورقيباً وملازماً، ومسؤولاً تنفيذياً ثم نائب مفتش وضابطاً قيادياً.
وخلال اجتماع مجلس هامترامك البلدي في 29 يناير المنصرم، أشاد غالب وأعضاء المجلس بالطاهري، ووصفوه بأنه المرشح الأكثر تأهيلاً لقيادة القسم بدلاً من آن مويس التي قررت التقاعد الشهر الماضي. كما عين المجلس أيضاً أندرو ميليسكي، أحد قدامى الضباط في شرطة هامترامك، نائباً للطاهري، علماً بأن ميليسكي يتولى حالياً منصب قائد الشرطة بالوكالة منذ تقاعد مويس التي كانت أول امرأة تتولى قيادة القسم.
وفي السياق، اعترض عضو المجلس البلدي محمد السميري على تسمية ميليسكي نائباً لقائد الشرطة، قائلاً إن الطاهري من حقه تسمية نائبه.
في المقابل، أوضح مدير المدينة ماكس غاربارينو، الذي أوصى بتعيين ميليسكي قائداً للقسم، أن تسمية كل من الطاهري وميليسكي في مناصب قيادية كان بمثابة نوع من التسوية التي صبت في صالح الطاهري.
وقال غاربارينو، الذي تولى قيادة شرطة هامترامك سابقاً، إن اختيار ميلينسكي لمنصب نائب القائد يمثل «إشارة جيدة لعناصر الشرطة بأن المدينة تحترم عملية الترقية الداخلية ولا تتجاهلهم تماماً».
واعترف غالب بأن «البعض قد يكونون غير مرتاحين بشأن القائد الجديد». وقال «أعلم أن هناك تخوفاً من أي نوع من التغيير، لكن يمكننا أن نجعل هذا التغيير إيجابياً».
والجدير بالذكر أن الطاهري معروف لدى الحقوقيين وبعض المسؤولين المنتخبين في ميشيغن من أصل يمني، بما في ذلك عضو مجلس هامترامك خليل الرفاعي، وزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس نواب الولاية أبراهام عياش، اللذين التقيا به في مدينة نيويورك عام 2017.
فخور بإنجازات الجالية
في حديث مع «صدى الوطن»، أعرب الطاهري عن حماسته لتولي مهام منصبه الجديد، مؤكداً عزمه على «تعزيز الأمن والأمان في عموم المدينة»، و«خدمة جميع السكان بغض النظر عن أعراقهم وخلفياتهم الثقافية والدينية».
وأشار الطاهري إلى أنه تقدّم لشغل منصب قائد الشرطة في هامترامك استكمالاً للنجاحات التي تحققها المجتمعات العربية والإسلامية في منطقة ديترويت، وتحديداً في مدن هامترامك وديربورن وديربورن هايتس. وقال: «لقد قررت التقدم لهذه الوظيفة رغم أن راتبها السنوي أقل بكثير مما أتقاضاه في منصبي الحالي، وذلك لرغبتي في أن أكون جزءاً من تطور المجتمع اليمني الأميركي في مدينة هامترامك»، معرباً عن إعجابه بالإنجازات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للعرب الأميركيين في ولاية ميشيغن.
وأوضح الطاهري بأنه يتفهم مجتمع المدينة التي زارها في السابق عدة مرات، حيث شارك في العديد من أنشطة الجالية اليمنية، الرياضية والاجتماعية، بالإضافة إلى مشاركته في بعض الندوات التثقيفية التي أقامتها دائرة الشرطة بهدف نشر الوعي حول طبيعة عمل رجال البوليس وضرورة تمتين علاقاتهم مع كافة الشرائح المجتمعية.
ولفت الطاهري إلى أن التغير الثقافي والديموغرافي في مدينة هامترامك بات يملي تغييراً في سياسة ونهج الدائرة التي تفتقر في الوقت الحالي إلى وجود العناصر المؤهلين للتعامل مع الحوادث والقضايا ذات البعد الثقافي والاجتماعي، منوهاً بأن الدائرة تضم في الوقت الحالي حوالي 40 عنصراً، بينهم ضابط واحد فقط من أصل عربي.
وأكد الطاهري لـ«صدى الوطن» على أنه سيعمل بالشراكة مع مسؤولي المدينة لتوظيف المزيد من العناصر ثنائيي اللغة، من العرب والبنغاليين، لكن من دون أية محسوبيات أو تحيزات لهذه الشريحة السكانية أو تلك. وقال: «إن هدفنا الأساسي سيتمثل في رفع كفاءة الدائرة وضباطها، بالاستناد إلى المؤهلات المهنية للضباط الجدد مع الأخذ بعين الاعتبار لخلفياتهم الثقافية والاجتماعية»، مضيفاً بأن الكثير من سكان هامترامك يتحدرون من بلدان وثقافات تتوجس من رجال الشرطة ولا تميل إلى بناء الثقة معها.
وقال الطاهري بأنه يتطلع إلى تغيير الثقافة الشرطية في دائرة المدينة وفي عموم المجتمع، وذلك من خلال تأهيل الضباط للتعامل مع السكان مزدوجي الهوية، بالإضافة إلى توعية المقيمين وتثقيفهم حول دور ضابط الشرطة في تعزيز الأمن والأمان في المدينة.
وأبدى الطاهري فخره بتقدم المجتمع اليمني الأميركي خلال السنوات الأخيرة، مستدركاً بأن اختياره للمنصب الجديد لم يستند إلى أية اعتبارات فئوية، وقال: «لقد تقدمت للوظيفة مع زميلين آخرين، وخضعت لمقابلة حالي كحال الآخرين، وتم في نهاية المطاف اختياري بناءً على كفاءاتي ومؤهلاتي المهنية، وكذلك شهاداتي الجامعية»، مضيفاً بأنه يمتلك العديد من الشهادات في مجالي الشرطة والأمن، بالإضافة إلى شهادة الماجستير في إدارة الموارد البشرية.
Leave a Reply