حسن شامي – «صدى الوطن»
على عتبة دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها العاشر، لم تعد المواجهات العسكرية ولا حتى استمرار قوات الاحتلال في همجيتها، هما الأبرز بمقدار ما بات الخوف من أن تكون نهاية الحرب على غزة بدايةً لحرب أخرى، أوسع وأشمل، انطلاقاً من جبهة جنوب لبنان الملتهبة، حيث توالت التقارير اليومية عن استعدادات دولة الاحتلال لشن حرب على لبنان، وقد قال ذلك بصراحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ألمح إلى أن انتهاء المرحلة المكثفة من القتال في غزة سيسمح لإسرائيل بنشر المزيد من القوات على طول الحدود الشمالية.
وفيما تشهد مدينة رفح قتالاً عنيفاً، مع التقدم البري لقوات الاحتلال داخلها، تبدو الضفة الغربية على أهبة الاشتعال، حيث لقي ضابط إسرائيلي مصرعه وأصيب 17 آخرين من جنود الاحتلال عندما وقعت قوة إسرائيلية في كمين خلال اقتحامها لمدينة جنين ومخيمها فجر الخميس الماضي. وبدأ الكمين مع دخول جرافة عسكرية إسرائيلية للمخيم وخلفها مركبات عسكرية، حيث انفجرت عبوة ناسفة في الجرافة، كما أظهرت لقطات فيديو. وكانت اندلعت مواجهات عنيفة بين فلسطينيين وقوات الاحتلال عقب اقتحامها بلدة تقوع في محافظة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، بالتزامن مع سلسلة اقتحامات لعدد من القرى والمدن، شملت السبت الماضي مدينة قلقيلية شمالي الضفة بعد مقتل مستوطن إسرائيلي إثر تعرضه لإطلاق نار، وإحراق مركبته.
وتشهد الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول (اكتوبر) 2023 حملة اقتحامات شبه يومية للقرى والمدن والمخيمات، تتخللها عمليات قتل للفلسطينيين العزل وتدمير للبنية التحتية واعتقالات، واشتباكات، خصوصاً في مدن الشمال (جنين، طولكرم وطوباس(. ومنذ بداية الحرب، استشهد ما لا يقل عن 549 فلسطينياً في الضفة بنيران إسرائيلية، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، وخلال الفترة نفسها، قتل الفلسطينيون في الضفة الغربية تسعة إسرائيليين على الأقل، من بينهم خمسة جنود، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة.
تسارع الهجوم على رفح
في ظل تصميم نتنياهو على مواصلة الحرب حتى القضاء على «حماس»، ما يزال القصف الإسرائيلي والقتال مستمرين في قطاع غزة المدمر بشكل كبير، ويتركز التقدم البري لقوات الاحتلال الآن على رفح، والمنطقة المحيطة بدير البلح وسط القطاع. ونقلت «رويترز» عن سكان في رفح قولهم إن وتيرة الهجوم الإسرائيلي تسارعت، وأن أصوات الانفجارات وإطلاق النار تشير إلى قتال عنيف مستمر من دون توقف تقريباً. وقال أحمد الصوفي رئيس بلدية رفح إن المدينة بأكملها «تعتبر منطقة عمليات عسكرية إسرائيلية».
وعلى جري العادة يومياً، تواصل القوات الإسرائيلية قصف عدة مناطق في أنحاء القطاع موقعة العديد من المجازر الجديدة لاسيما في رفح، حيث تحاول الدبابات شق طريقها وسط اشتباكات عنيفة.
وبينما يحاول جيش الاحتلال الخروج بانتصار يعيد ترميم صورته في رفح، وجد نفسه الأسبوع الماضي مضطراً للعودة إلى حي الشجاعية في مدينة غزة – شمال القطاع -، وذلك بعد ستة أشهر من انسحابه منه في كانون الثاني الماضي.
وتزعم إسرائيل أن جهاز الأمن العام «الشاباك» رصد مؤشرات إلى عودة حركة «حماس» إلى التعافي وبناء قدراتها هناك، ما دفعه إلى الدخول مجدداً لتدمير قدرات «كتائب القسام». وقال موقع «يسرائيل هيوم»، بدوره، نقلاً عن مسؤول سياسي، إن عملية الشجاعية هي جزء من «عمليات الاحتياجات» التي ستستمر أينما حاولت «حماس» إعادة فرض سيطرتها. لكن العملية أثارت جدلاً واسعاً في أوساط المحلّلين العسكريين، إذ قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنه «في بداية الحرب، كان لواء غولاني واللواء 188 مدرع يعملان في حي الشجاعية الملعون. وبعد ذلك، أعلن الجيش أنه أحكم قبضته على الحي، وأن الفرقة 36 استكملت مهمة تفكيك قدرات حماس الأساسية هناك، واليوم يعود الجيش إلى الحي مرة أخرى».
وطالب الجيش الإسرائيلي سكان حي الشجاعية وأحياء أخرى في مدينة غزة بإخلائها «فوراً»، تمهيداً لتوغله البري، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين، وحال دون طواقم الدفاع المدني الفلسطيني والوصول للجثامين والمصابين.
وأدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المتواصلة براً وبحراً وجواً، منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى استشهاد نحو 38 ألف فلسطيني، أغلبيتهم من النساء والأطفال، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض.
الجبهة اللبنانية–الإسرائيلية
يقال إنه كلما زادت التهديدات تراجع الفعل. وكثيرون يودون لو يصح هذا القول على مجريات الأوضاع المتفجرة على الحدود اللبنانية–الإسرائيلية، على وقع طبول الحرب الشاملة. حيث تبقى جبهة المواجهات بين «حزب الله» وجيش الاحتلال مفتوحة على كل السيناريوهات.
وقد زاد منسوب القلق من توسع المواجهة، مع إعلان الجيش الإسرائيلي نقل جنود ومعدات إلى الحدود حيث جرت مناورة تحت مسمى «رأس الحربة» في المنطقة، بحضور نتنياهو. ويأتي هذا التمرين ضمن سلسلة من التدريبات التي ينفذها العديد من الأقسام في جيش الاحتلال «لزيادة الكفاءة والتحقق من صحة خطط الهجوم في حال الدخول في حرب شاملة على جبهة الشمال». ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «جيروزاليم بوست»، فإن 62 بالمئة من اليهود الإسرائيليين يؤيدون الهجوم على حزب الله في لبنان «بكامل القوة».
وفي مؤشر على عدم توصل الجهود الدبلوماسية للإدارة الأميركية ودول أوروبية إلى تحقيق توافق على صيغة التهدئة، جددت السفارة الأميركية في بيروت تحذير مواطنيها من التوجه إلى لبنان، مشيرة إلى أن «الأوضاع قد تتغير بشكل دراماتيكي وسريع» .كما صدر عن السفارة الروسية بيان جاء فيه «نوصي رعايانا بالامتناع عن السفر إلى لبنان حتى تهدأ الأوضاع في جنوب البلاد»، وحثت الخارجية الهولندية مواطنيها على مغادرة لبنان بسبب خطر التصعيد على الحدود مع إسرائيل، ودعت ألمانيا مواطنيها إلى مغادرة لبنان في أقرب وقت. وفي وقت سابق، أصدرت السفارة البريطانية في بيروت تحذيراً لمواطنيها بعدم السفر إلى لبنان، وكانت الكويت فعلت الأمر نفسه وطلبت من مواطنيها مغادرة لبنان فوراً.
واختصر المشهد تقرير لصحيفة «ذا هيل» الأميركية بعنوان «العد التنازلي نحو الانفجار الكبير في الشرق الأوسط بدأ»، حذر من أنه، وبينما تهدد إسرائيل برد واسع النطاق، «تواصل إدارة الرئيس جو بايدن استهلاك الوقت والطاقة في كل أنحاء الشرق الأوسط من دون تحقيق أي نتيجة تُذكر… لا تزال واشنطن مشلولة. ومن المفارقات أن إصرار بايدن على تجنب التصعيد الإقليمي يتسبب في التصعيد عملياً».
وبحسب الصحيفة، «الخسائر الاقتصادية في إسرائيل كبيرة. ففضلاً عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات، تضررت الصناعات الزراعية والسياحية بشكل خاص. وبشكل عام، تشير تقديرات بنك إسرائيل إلى أن تهجير 144 ألف إسرائيلي في شمال وجنوب البلاد كلف الاقتصاد الإسرائيلي 158 مليون دولار أسبوعياً… إننا نشهد عداً تنازلياً نحو الانفجار الكبير في الشرق الأوسط، والوضع العام يتطور بسرعة. ومع ذلك، فإن بايدن غير قادر على إيقاف ساعة يوم القيامة. أما من جانبها، فتقترب إيران أكثر فأكثر من إنتاج الأسلحة النووية ونشرها، وهي الآن، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، «تتحدى» البيت الأبيض من خلال «تغذية مجموعات اليورانيوم من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة من طراز IR–4 وIR–6 في منشأة التخصيب في نطنز».
ويلفت تقرير الصحيفة الأميركية إلى أنه «لن يكون من السهل على إسرائيل ترهيب حزب الله، فقدراته العسكرية الهجومية أكثر تقدماً بكثير من حركة حماس، ويمكنه أن يلحق أضراراً كبيرة بالبنية التحتية الإسرائيلية الحيوية والمنشآت العسكرية ويحتمل أن يتسبب في خسائر مدمرة في صفوف المدنيين». وقد حذر رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي يولي إدلشتاين، من أن قتال «حزب الله» اللبناني سيكون معقداً سواء عاجلاً أو آجلاً.
بصيص أمل… ضعيف
بالرغم من تصاعد نبرة الحرب والتهديدات، ومع أن الجهود الدبلوماسية لم تتوصل بعد، إلى الحلّ المنشود، يبدو أن الخشية من تبعات الحرب المفتوحة أكبر من أي مكاسب، يعتقد أي من طرفي المواجهة أنه يمكن تحقيقها. وقد كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، الثلاثاء الماضي، أن «وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن إسرائيل تفضل حلاً دبلوماسياً للصراع مع حزب الله». وقال: «نعتقد أنه لا يزال من الممكن التوصل لحل دبلوماسي للوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية». وكان غالانت أعلن في ختام زيارة إلى واشنطن أنّ إسرائيل تفضل حلا دبلوماسيا وقال: «إسرائيل لا تريد حرباً ضد حزب الله لكن بإمكانها أن تلحق ضرراً جسيماً بلبنان»، إذا ما فشلت الجهود الدبلوماسية، مهولاً بأن الجيش «قادر على إعادة لبنان إلى العصر الحجري». وجاءت تصريحات الوزير الإسرائيلي بعد مباحثات عقدها مع مستشار الأمن القومي الأميركي قال إنها تناولت «ضرورة تغيير الواقع الأمني» على حدود إسرائيل مع لبنان.
ووفقاً لمصادر صحفية عدة، كشفت رسائل متبادلة غير مباشرة بين الولايات المتحدة و«حزب الله» وإسرائيل، عن «رغبة مبدئية» في تهدئة التصعيد العسكري على حدود لبنان مع إسرائيل، التي تهدد بحرب إقليمية أوسع. وقد توجّه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر إلى واشنطن لعقد اجتماعات في البيت الأبيض، وأخبرا كبار مساعدي بايدن أن نتنياهو «ليس مهتماً بحرب مع حزب الله ويفضل الحل الدبلوماسي»، وفقاً لمسؤولين أميركيين.
محاذير الانزلاق إلى حرب
في المقابل، وبالرغم من عدم وجود ضوء أخضرَ من واشنطن لشن حرب على لبنان، يبقى خطر الانزلاق قائماً، إذ أنه، وفي أحيان كثيرة، تتسبب الأخطاء الصغيرة بانزلاقات غير محسوبة. وقد أحدث تقرير جريدة «التلغراف»، الذي زعم وجود مخازن أسلحة لـ«حزب الله» تحت مباني مطار بيروت، هزة في لبنان وفاقم المخاوف، وفي المقابل فإن «هدهد» الحزب ترك مخاوف جدية لدى الجمهور الإسرائيلي عما يمكن أن يسفر عن توسع الحرب.
ويزداد القلق لدى المسؤولين الأميركيين من أن عدم وقف إطلاق النار في غزة يزيد من احتمالات الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإقليمية بشكل كبير وجرّ الولايات المتحدة وإيران إلى عمق الصراع. وبحسب موقع «أكسيوس»، فإن إدارة الرئيس بايدن تشعر بقلق بالغ لأن كلاً من إسرائيل و«حزب الله» يخطئان في التقدير، حيث يصعدان لهجة خطابيهما وتزداد العمليات القتالية بينهما على الأرض، ورغم ذلك يعتقدان بأنهما يمكنهما تجنب حرب شاملة. ونقل عن مسؤول أميركي وآخر إسرائيلي، أن مبعوث الرئيس الأميركي إلى لبنان آموس هوكستاين أكد للمسؤولين هناك أثناء زيارته الأخيرة لبيروت أن «حزب الله» مخطئ في الاعتقاد أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على منع إسرائيل من غزو لبنان إذا استمر الحزب في هجماته.
Leave a Reply