مقتل السنوار على جبهة القتال .. وجيش الاحتلال يطبق على مخيم جباليا: الموت أو التهجير
تقرير أسبوعي
في الأسبوع الثاني من العام الثاني من حرب غزة الكبرى، استشهد يحيى السنوار زعيم حركة «حماس» الذي تتهمه إسرائيل بأنه المدبّر الأول لعملية «طوفان الأقصى»، في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال حيث كان مدرّعاً بجعبة عسكرية، حاملاً سلاحاً، ومتقدّماً الصفوف على جبهات النار في منطقة رفح بجنوب القطاع، في وقت كانت فيه قوات الاحتلال تواصل محرقة مخيم جباليا في شمال القطاع، تطبيقاً لـ«خطة الجنرالات» القاضية بتجويع ما تبقى من السكان وترحيلهم قسراً.
أما في لبنان، حيث يصطدم الجيش الإسرائيلي بمقاومة شرسة على الحافة الأمامية متكبداً مئات القتلى والجرحى منذ بدء عملياته البرية، أثبت «حزب الله» عدم تأثر قدراته بالضربات المتتالية الموجعة التي تلقاها خلال أيلول (سبتمبر) الماضي، حيث يواصل إطلاق صليات صاروخية بالعشرات يومياً على مواقع وتجمعات جيش الاحتلال في قلب الكيان، بما في ذلك استهداف تجمع عشاء لجنود لواء غولاني بواسطة طائرة مسيرة اخترقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية وضربت قاعدة بنيامينا (جنوب حيفا) لتحيّد أكثر من ٧٠ ضابطاً وجندياً، بحسب اعتراف تل أبيب.
وفيما تنعمت الضاحية الجنوبية لبيروت خلال الأسبوع الماضي بهدوء نسبي منذ ضرب «حزب الله» لقلب مدينة حيفا، غير أن ذلك لم يمنع إسرائيل من مواصلة ارتكاب المجازر التي طالت بلدة أيطو في قضاء زغرتا، ومجزرة بلدية النبطية وغيرها.
ووسط تعثر الإسرائيليين في لبنان وإمعانهم في الإبادة بغزة، تظهر التساؤلات حول مآلات الحرب وطولها، لتبقى الإجابة معلقة دائماً بطبيعة الردّ الإسرائيلي المنتظر على ضربة «الوعد الصادق ٢» الإيرانية، لاسيما بعد وصول منظومة الدفاع الجوي المضادة للصواريخ الباليستية (ثاد) التي من المفترض أن تشارك في الدفاع عن إسرائيل بوجه الرد الإيراني المضاد الذي توعدت به طهران.
نهاية مقاوم
استفاق العالم يوم الخميس الماضي على الأنباء المتداولة عن مقتل السنوار خلال اشتباك مع قوات الاحتلال بجنوب قطاع غزة.
وبحسب الإعلام العبري، تخلصت إسرائيل من السنوار عن طريق الصدفة، على الرغم من أن القوات كانت تعمل داخل قطاع غزة منذ أكثر من عام بهدف الوصول إليه.
وقال الجيش الإسرائيلي «في نهاية عملية مطاردة استمرت نحو عام، قتلت قوات الجيش من القيادة الجنوبية يحيى السنوار»، مشيراً إلى أن «العمليات المتعددة التي نفذها الجيش والشاباك في المنطقة أدت إلى تقليص مساحة نشاطه حتى مقتله». وأن «القوات استخدمت معلومات استخباراتية تفيد بوجود كبار مسؤولي حماس في المنطقة».
وفور إعلان النبأ رسمياً، أطل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منتشياً في خطاب قال فيه إن «حماس لن تحكم غزة بعد الآن، هذا اليوم هو اليوم الذي يلي حماس لكن الحرب لم تنتهِ بعد».
وأفي سياق إصراره على مواصلة الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل، أردف نتنياهو قائلاً: «الآن أصبح واضحاً للجميع، في إسرائيل وفي العالم، لماذا أصررنا على عدم إنهاء الحرب، ولماذا أصررنا، أمام كل الضغوط، على الدخول إلى رفح، معقل حماس المحصن، حيث اختبأ السنوار والعديد من القتلة». وتابع نتنياهو قائلا: «الحرب يا أعزائي لم تنته بعد. وهو أمر صعب، وتفرض علينا أثماناً باهظة».
أما وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت فدعا مقاتلي الحركة إلى «الاستسلام وتحرير الرهائن». وقال «سنلاحق أعداءنا ونقضي عليهم».
وبينما كان نتنياهو يصرّ على أن الحرب لم تنته بعد، اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن اغتيال السنوار بأنه «يوم جيد لإسرائيل وأميركا والعالم»، متحدثاً عن «فرصة لمستقبل لغزة بدون حماس في السلطة».
في المقابل، رأت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس أن «هذه اللحظة تمنح الولايات المتحدة فرصة لإنهاء حرب غزة أخيراً»، مشددةً على «ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة».
مصير الرهائن
تخشى عائلات الرهائن الإسرائيليين الذين احتجزتهم حركة «حماس» في غزة أن يكون أبناؤهم في خطر أكبر بعد أن قتلت القوات الإسرائيلية زعيم الحركة، وفقاً لوكالة «رويترز».
وقال إيناف زانغاوكر، الذي اختطف ابنه البالغ من العمر 24 عاماً من منزلهم في الكيبوتس خلال هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023: «لقد صفينا الحساب مع القاتل الرئيسي السنوار. ولكن الآن، أكثر من أي وقت مضى، أصبحت حياة ماتان وابني والرهائن الآخرين في خطر ملموس».
وقال زانغاوكر في مقطع فيديو بعد ظهور أنباء وفاة السنوار: «لن يكون هناك إغلاق حقيقي للدائرة، ولا نصر كامل إذا لم ننقذ حياتهم ونعيدهم جميعاً».
وحتى الآن، عاد 117 رهينة إلى ديارهم أحياء، بما في ذلك 4 تم إطلاق سراحهم في بداية حرب غزة، و105 معظمهم من النساء والأطفال والأجانب عادوا في نوفمبر الماضي خلال هدنة قصيرة مع حماس، و8 تم إنقاذهم من قبل الجيش.
وقد تم انتشال جثث 37 رهينة من غزة، وهو ما يعني أن عدد الرهائن الذين ما زالوا في غزة بلغ 101، وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية، وتعتقد السلطات الإسرائيلية أن نصفهم على الأقل ما زالوا على قيد الحياة.
وقال أورنا ورونين نيوترا، والدا الأسير الإسرائيلي الأميركي عمر، إنه من الأهمية بمكان أن تركز كل الجهود على إعادة المعتقلين لدى حماس. وطالبا الحكومتين الإسرائيلية والأميركية «بالتحرك بسرعة والقيام بكل ما هو ضروري للتوصل إلى اتفاق مع الخاطفين».
وقالوا في بيان إن «السنوار الذي وصف بأنه عقبة كبيرة أمام التوصل إلى اتفاق، لم يعد على قيد الحياة». وأضافوا: «نحن الآن عند نقطة تحول، حيث تم تحقيق الأهداف التي حددناها للحرب على غزة، باستثناء إطلاق سراح الرهائن».
جباليا… و«خطة الجنرالات»
بينما سقط السنوار مقاتلاً على الجبهة، تواصل إسرائيل مجازرها في قطاع غزة، وقد باتت تركز على شماله، في ما يراه مراقبون بأنه تمهيد لتنفيذ «خطة الجنرالات» التي تقوم على تهجير ما تبقى من سكان الشمال، وتحويله إلى منطقة عسكرية تمهيداً لتطبيقها في مناطق أخرى من شمال القطاع.
وتقضي الخطة بتحويل المنطقة الواقعة شمال محور نتساريم إلى منطقة عسكرية مغلقة وإرغام نحو 300 ألف فلسطيني مازالوا في شمال القطاع على النزوح خلال أسبوع.
وفي هذا الإطار، يكثف الجيش الإسرائيلي عملياته البرية والجوية في شمال غزة، حيث قامت قواته بتطويق مدينة جباليا وعدد من المناطق المحيطة بها، منذ أكثر من أسبوعين وتلاحق طائرات الاحتلال كل مَن يتحرّك، وترتكب المجازر الكبرى في صفوف الأهالي والنازحين، بينما تواصل فصائل المقاومة تنفيذ العمليات ضد القوات الإسرائيلية في أنحاء متفرقة من القطاع.
رعلى نحوٍ مغاير لكلّ العمليات العسكرية التي شنّها في مختلف مناطق قطاع غرة، لا يبحث جيش الاحتلال في مخيم جباليا عن المقاتلين ولا أنفاقهم أو سلاحهم، إنّما يتمركز في أكثر نقاط المخيم تحصيناً، حيث تخرج آلياته في منتصف الليل الحالك وهي تحمل البراميل المتفجّرة، لتزرعها في وسط الأحياء المأهولة بالسكان الصامدين، ثم تنسف المنازل على رؤوس سكانها، حاصدةً أرواح المئات. وعلى هذا النسق، تتواصل العملية العسكرية التي تطاول مخيم جباليا، ومدينتَي بيت لاهيا وبيت حانون. أمّا في ساعات النهار، فتلاحق طائرات كل مَن يتحرّك، وترتكب المجازر الكبرى في صفوف الأهالي والنازحين.
ووسط كل ذلك، تشتد معركة الإرادات، في وقت يبدو فيه أن ثمة قراراً جمعيّاً بالبقاء في مواجهة الموت. لكن لا يظهر أن إسرائيل في وارد التوقّف عن القتل؛ إذ إن ما يجري أقرب إلى عملية تطهير عرقي، هدفها تفريغ شمال القطاع بشكل متدرّج، وصولاً إلى تحويله إلى بقعة خراب لا مباني فيها ولا أحياء. وتلك مهمّة تجري بهدوء، وبأكبر قدر من الاقتصاد في نقاط الاشتباك والمواجهة مع المقاومة.
الجبهة الللبنانية
بعد أكثر من أسبوعين من محاولات التوغل في جنوب لبنان، لازال جيش الاحتلال عاجز عن تحقيق أي تقدم يذكر على طول الحدود، رغم لجوء إسرائيل إلى فتح جبهة جديدة في مناطق شبعا والعرقوب، والدفع بفرقة عسكرية خامسة إلى الحدود في محاولة لدعم التوغل البري على محاور متعددة.
وعلى مدار الأسبوع الماضي واصلت الطوفات الإسرائيلية نقل قتلى وجرحى الجيش يومياً من الحدود الشمالية إلى مستشفيات حيفا وصفد والجليل، فيما أعلنت المقاومة يوم الخميس الماضي عن قتل ما يزيد عن ٥٥ جندياً وإصابة حوالي ٥٠٠ آخرين بالإضافة إلى تدمير 20 دبابة ميركافا و4 جرافات عسكرية وآلية مدرعة وناقلة جند وإسقاط مُسيّرتين منذ مطلع الشهر الجاري.
وأشار البيان إلى أن هذه الحصيلة «لا تشمل خسائر العدو في القواعد العسكرية الواقعة في عمق فلسطين المحتلة»، وخصوصا في العملية النوعية التي تمثلت في الهجوم الذي نفذته، مساء الأحد الماضي، طائرة مسيرة تابعة لـ«حزب الله» على قاعدة لواء «غولاني» العسكرية في بنيامينا جنوب حيفا، وقد تمكنت هذه الطائرة من خداع الدفاعات الجوية، وضربت بشكل مباشر قاعة الطعام في القاعدة أثناء تناول العشرات من الجنود العشاء، ما أدى إلى مقتل 4 جنود وإصابة 67، باعتراف الاحتلال.
وتأتي هذه العمليات بالتوازي مع تصعيد القصف الصاروخي على المواقع والتحشدات العسكرية داخل الكيان، ترجمة لقول نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم إن «المقاومة لم تُهزم وأنها استعادت عافيتها ورمّمت بنيتها التنظيمية»، مشيراً إلى أن «الحل للحرب يكون عبر وقف إطلاق النار، وإلا فالبديل أن حزب الله سيواجه بمواصلة استراتيجية إيلام العدو التي تطاول كل العمق الإسرائيلي».
وبناءً على توجيهات قيادة المقاومة، أعلنت غرفة عمليات المقاومة الإسلامية «الانتقال إلى مرحلة جديدة وتصاعديّة في المواجهة مع العدو الإسرائيلي ستتحدث عنها مجريات وأحداث الأيام القادمة».
وبقيت الضاحية الجنوبية لبيروت «محيّدة»، على مدى الأسبوع المنصرم، وكذلك توقفت المقاومة عن ضرب مدينة حيفا. غير أن مسؤولين لبنانيين قد أبلغوا بأن هذا «التحييد» جاء بإيعاز أميركي لإسرائيل، إفساحاً في المجال للحركة السياسية في الداخل اللبناني تمهيداً لانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات.
وتحاول واشنطن الضغط باتجاه انتخاب رئيس، قبل أي بحث في وقف إطلاق النار، وهو ما رفضه رئيس مجلس النواب نبيه بري، مؤكداً وجوب وقف العدوان أولاً، ووافقه في هذا الموقف العديد من القيادات، بمن فيهم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وصولاً إلى فرنسا.
الردّ على إيران
تنذر الأيام المقبلة بتصعيد خطير على صعيد المنطقة ككل، حيث الترقب على أشده للرد الذي تعده إسرائيل على إيران، انتقاماً للضربة الموجعة التي تلقتها في بداية شهر تشرين أول (أكتوبر) الحالي. وقد نقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين أميركيين أن تل أبيب «ربما ترد خلال شهر تشرين ثاني (نوفمبر) المقبل»، وأن «الجدول الزمني ومعايير الرد على إيران كانت موضع نقاش مكثف داخل مجلس الوزراء المصغر (الكابينت) الإسرائيلي، ولا ترتبط بشكل مباشر بتوقيت انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في الخامس من نوفمبر المقبل».
وكانت هيئة البث الإسرائيلية قالت الثلاثاء الماضي إنه «تم التوصل إلى توافق كامل على طريقة وتوقيت وقوة الرد على هجوم إيران خلال المشاورات الأمنية»، مشيرة إلى أن «خطة ضرب إيران تنتظر موافقة المجلس الوزاري المصغر لتنفيذها».
بدورها، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن قرار مهاجمة إيران سيتخذه نتنياهو وغالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، والمجلس الوزاري سيطلع على الخطوط العريضة. وأفادت بأن نتنياهو عقد اجتماعاً سرياً مساء الأحد الماضي مع قادة الجيش والاستخبارات لبحث خطط شن هجوم على إيران.
ودعما لخطط تل أبيب للهجوم على إيران، أعلن البنتاغون وصول منظومة «ثاد» إلى إسرائيل، بهدف «تعزيز دفاعاتها الجوية»، مع إرسال قوات أميركية للمساعدة في تشغيل النظام المتطور، وقال الرئيس جو بايدن إن الهدف من ذلك هو «الدفاع عن إسرائيل».
وأعلن البنتاغون أن ما يقرب من 900 جندي أميركي إضافي وصلوا بالفعل إلى الشرق الأوسط أو في طريقهم إلى المنطقة، وأن القوة تشمل عناصر من الدفاع الجوي وبطاريات «باتريوت» و«أفينجر».
ويرى خبراء عسكريون أن تزويد إسرائيل بنظام «ثاد» دليل على «القلق المتزايد من الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي أصبحت أكثر تطوراً مؤخراً، إلى درجة أن أعدادا منها في ضربة مح دودة غالطت الدفاعات الإسرائيلية وأصابت أهدافها بدقة مفاجئة».
وبرغم عدم وجود بيانات رسمية حول أعداد الصواريخ الباليستية الإيرانية، فإن أميركا تعتقد بوجود أعداد كبيرة منها، وقد سبق أن صرح الجنرال كينيث ماكينزي من القيادة المركزية الأميركية بأن طهران تمتلك «أكثر من 3 آلاف صاروخ باليستي، بخلاف مخزوناتها من صواريخ كروز».
Leave a Reply