في الأمتار الأخيرة من سباق البيت الأبيض .. المرشحان الرئاسيان يتنافسان على كسب الصوت العربي في ميشيغن
ديربورن
مع اشتداد حماوة المنافسة في الأمتار الأخيرة من سباق البيت الأبيض، تتصاعد وتيرة جهود حملتي المرشحين للرئاسة الأميركية، الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس، لكسب أصوات العرب والمسلمين الأميركيين في ولاية ميشيغن المتأرجحة، سواء عبر تكثيف الإدارة الديمقراطية الحالية لجهود إرساء هدنة مؤقتة في لبنان وغزة مقابل وعود الرئيس الجمهوري السابق بوقف الحروب وإرساء السلام في الشرق الأوسط والعالم بمجرد عودته إلى سدة الرئاسة.
وفي الإطار، وعد ترامب في بيان أصدره يوم الأربعاء الفائت، الأميركيين اللبنانيين بإحلال السلام في وطنهم الذي يتعرض لاعتداءات إسرائيلية متواصلة منذ أواسط الشهر المنصرم، وقال في منشور عبر حسابه على منصة «أكس»: «خلال فترة إدارتي، كان لدينا سلام في الشرق الأوسط، وسوف ننعم بالسلام مرة أخرى قريباً جداً»، مضيفاً: «سأصلح المشاكل التي تسبب بها جو بايدن وكامالا هاريس، وسوف أوقف المعاناة والدمار في لبنان».
وتعهد مرشح حزب الفيل بإحلال سلام دائم وحقيقي في منطقة الشرق الأوسط، وقال: «سننجز ذلك بشكل صحيح لكي لا تتكرر (الحرب) كل 5 أو 10 سنوات»، واعداً بالحفاظ على ما أسماها «الشراكة» بين جميع مكونات الشعب اللبناني.
وواصل ترامب مغازلة اللبنانيين الأميركيين قائلاً: «أصدقاؤكم وعائلاتكم في لبنان يستحقون العيش بسلام ورخاء ووئام مع جيرانهم، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وإنني أتطلع إلى العمل مع المجتمع اللبناني في الولايات المتحدة لضمان سلامة وأمن شعب لبنان العظيم».
وأنهى ترامب رسالته للبنانيين الأميركيين بالدعوة إلى التصويت له في الانتخابات الحالية، قائلاً: «صوّتوا لترامب من أجل السلام».
وجاء بيان ترامب الموجه للبنانيين الأميركيين عقب حصوله على تأييد واسع في أوساط اليمنيين الأميركيين، سواء من رئيس بلدية هامترامك عامر غالب أو رجال دين محليين بارزين.
وكما زار هامترامك مؤخراً، من المرجح أن يحط المرشح الجمهوري خلال زيارته المرتقبة لولاية ميشيغن يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد)، في مدينة ديربورن التي تضم واحداً من أكبر التجمعات اللبنانية خارج منطقة الشرق الأوسط، حسبما أفاد لوكالة «أسوشيتد برس»، سام عباس صاحب مطعم «غريت كومونر» الذي سيستضيف ترامب كأول مرشح رئاسي من الحزبين الرئيسيين يزور المدينة الملقبة بـ«عاصمة العرب الأميركيين» خلال الانتخابات الحالية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الخامس من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، تبلورت الاتجاهات والأمزجة الانتخابية في أوساط العرب والمسلمين الأميركيين، والتي انقسمت بين أربع فئات رئيسية: الأولى قررت مقاطعة سباق البيت الأبيض وعدم التصويت لأي من ترامب أو هاريس، في حين اختارت فئة أخرى تأييد المرشح الجمهوري على عكس الفئة الثالثة التي تراهن على فوز المرشحة الديمقراطية، بالإضافة إلى فئة أخيرة فضلت الاصطفاف مع مرشحة حزب «الخضر» جيل ستاين.
دعم ترامب
شهد تجمع انتخابي لترامب في مدينة نوفاي مساء السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، تأييد جمع من أئمة المساجد في منطقة ديترويت للرئيس السابق، إلى جانب رئيس بلدية ديربورن هايتس بيل بزي، وذلك بعد عدة أسابيع من تأييد رئيس بلدية هامترامك للرئيس السابق رغم تحفظات العرب والمسلمين الأميركيين بشأن العديد من السياسات والمواقف التي اتخذها ترامب إبان تقلده لسدة الرئاسة الأميركية، وفي مقدمتها الأمر التنفيذي بحظر سفر رعايا عدة دول ذات أغلبية مسلمة.
وخلال المهرجان الانتخابي، ألقى الشيخ بلال الزهيري كلمة حماسية باسم الأئمة وسط تجاوب لافت من مؤيدي ترامب الذي أعرب– من جانبه– عن «تشرّفه» بدعم رجال الدين المسلمين الذين وصفهم بأنهم «محترمون للغاية»، والذي وصف أيضاً رئيس البلدية اللبناني الأصل بـ«الرجل المستقيم»، قبل صعودهم إلى منصة المهرجان.
وبدا ترامب سعيداً بتأييد الفعاليات العربية والإسلامية الأميركية بمنطقة ديترويت، وأدلى بتصريحات إيجابية حول العرب والمسلمين الأميركيين. وقال: «إنهم أناس أذكياء وطيبون».
وأشار الداعية الذي يتحدر من أصول يمنية إلى أن الأئمة التسعة عقدوا اجتماعاً «إيجابياً» مع ترامب قبل اتخاذهم القرار بدعمه في الولاية التي من المرجح أن تلعب دوراً حاسماً في تحديد هوية الرئيس الأميركي الجديد، لافتاً إلى أنه وزملاءه قرروا دعم الرئيس السابق بسبب وعوده بإرساء السلام ووقف الحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا.
وقال الزهيري –وهو إمام أحد المساجد في مدينة هامترامك: «إن إراقة الدماء يجب أن تتوقف حول العالم، وأعتقد بأن هذا الرجل سيجعل ذلك ممكناً»، معرباً عن إيمانه العميق بأن الله سبحانه وتعالى أنقذ حياة ترامب لـ«مرتين» لسبب وجيه، «ألا هو إنقاذ حياة الآخرين»، على حد تعبيره.
وعزا الزهيري تأييد الأئمة المسلمين لترامب لإيمانهم بأن المرشح الجمهوري سيكون «رئيساً لجميع الأميركيين بغض النظر عن ألوانهم وأديانهم»، فضلاً عن دعمه «للقيم العائلية وصحة الأطفال في المدارس»، في إشارة إلى انسجام مواقفه مع مطالبات شرائح واسعة في المجتمعات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة بحجب مواضيع المثلية الجنسية عن المناهج المدرسية.
الزهيري الذي أثار حماسة مؤيدي ترامب، أكد أيضاً بأنه وزملاءه الأئمة الآخرين يدعمون سياسات ترامب في مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، وقال: «إننا كمسلمين نقف مع ترامب لأننا نريد حدوداً منيعة، كما أننا نتفق معه بالترحيب بأي شخص يود القدوم إلى أميركا من خلال الإجراءات القانونية»، مضيفاً بالقول: «نقف مع الرئيس ترامب لأننا نريد اقتصاداً قوياً، ونقف معه لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى عبر السلام والعدالة للجميع».
من جانبه، أشاد رئيس بلدية ديربورن هايتس بيل بزي بالولاية الرئاسية الأولى للمرشح الجمهوري، وقال: «عندما كان الرئيس دونالد ترامب في سدة الرئاسة، كان هنالك سلام، ولم تكن هنالك أية مشاكل، ولم تكن هنالك أية حروب»، معرباً عن استيائه من دعم الإدارة الأميركية الحالية للحرب الإسرائيلية في الشرق الأوسط.
كما أبدى بزي امتعاضه من تلكؤ الإدارة الأميركية في مساعدة المدينة ذات الكثافة العربية للتعافي من فيضانات العام 2020، وقال: «بسبب تلك الفيضانات التي ضربت معظم أحياء المدينة، طلبنا مساعدة الحكومة الفدرالية بإرسال طواقم من الحرس الوطني، ولكنهم قالوا لنا بأن ذلك لن يتحقق بدون ثمن، فيما هم يواصلون إرسال المليارات لدعم الحرب ضد المدنيين العزّل في فلسطين ولبنان».
وكتب بزي على صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك» بأن تأييده لترامب جاء بعد مناقشات مع المرشح الجمهوري حول «القضايا الحرجة التي تؤثر على عالمنا وبلدنا ومدينتنا ومجتمعنا، والتزامه العلني بمعالجة هذه القضايا»، وقال: «لقد أسفرت تلك النقاشات عن تأييدي للرئيس دونالد ترامب في سباق البيت الأبيض».
وأضاف بزي: «في الخامس من نوفمبر، سيتم انتخاب مرشح رئاسي واحد فقط من المرشحين من قبل الشعب لشغل منصب الرئيس، وفي هذه المرحلة، قد لا ننجو –بكل معنى الكلمة– من الانتظار لمدة أربع سنوات أخرى لكي نحظى بواقع مختلف» في إشارة إلى أن انتخاب هاريس يعني استكمالاً لعهد بايدن، متابعاً بالقول: «نحن بحاجة إلى قائد أعلى لا يخاف من قول لا للحرب ولا لإرسال مليارات الدولارات للحروب الخارجية الوحشية غير المسبوقة التي خلفت كل ذلك الشر والدمار الذي شهدناه على مدار العام الماضي».
وأشار بزي إلى أن ترامب «يتعهد بإحلال السلام وليس الحرب العالمية الثالثة، وأنه يعد بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط وحول العالم، وإبقاء قواتنا في الديار، وخفض التضخم، وإعادة بناء اقتصاد قوي، والاستثمار في بنيتنا التحتية المتدهورة»، موضحاً بأن تلك الوعود هي التي دفعته لتأييد ترامب كرئيس للولايات المتحدة.
دعم هاريس
في الأثناء، سارع عدد من المسؤولين والناشطين العرب المخضرمين إلى عقد طاولة مستديرة بمدينة ديربورن في يوم الأحد 27 أكتوبر الفائت للتعبير عن تأييدهم لنائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس، رغم خيبة أملهم من سياسات الرئيس الحالي وتلكؤه في إيقاف رحى الحرب.
المجتمعون وفي مقدمتهم نائب محافظ مقاطعة وين أسعد طرفة والرئيس السابق لمركز «أكسس» بديربورن إسماعيل (إش) أحمد والمدير التنفيذي لغرفة التجارة العربية الأميركية أحمد الشباني والمؤسس المشارك لـ«المعهد العربي الأميركي» جيمس زغبي، أكدوا على أهمية التصويت لمرشحة الحزب الأزرق خلال الانتخابات الحالية، مشيدين بدعواتها المبكرة لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، ودعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، مع اعترافهم بأن مواقفها لم تتمايز بشكل صريح عن سياسات بايدن.
وحذّر المجتمعون من العواقب الوخيمة لسياسات ترامب السابقة، مثل دعوته إلى حظر سفر المسلمين إلى الولايات المتحدة، وتوعده بترحيل المهاجرين، إلى جانب لامبالاته تجاه معاناة الفلسطينيين من الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة للشهر الثالث عشر على التوالي.
وأشاد طرفة بنائبة الرئيس مشدداً على حاجة الأميركيين إلى رئيس «يقدر السلام والعدالة بشكل حقيقي»، مهيباً بالعرب الأميركيين الالتفاف حول مرشحة الحزب الأزرق يوم الثلاثاء المقبل، ولافتاً إلى أن القيادات العربية الأميركية تولي الاستحقاقات الداخلية أهمية مماثلة لسياسات أميركا الخارجية.
وأكد طرفة بأن الديمقراطيين هم الضمانة لصيانة حقوق الأميركيين في العمل والصحة والتعليم، إلى جانب الحقوق المدنية وحماية البيئة، مطالباً العرب والمسلمين بالتصويت لهاريس التي «تتوافق رؤاها مع رؤيتهم لأميركا الإنصاف والعدالة». وقال طرفة: «خلال عملي لمدة 22 عاماً في مقاطعة وين، كان الديمقراطيون هم من عملت معهم، ولا يمكننا أن ننسى ذلك خلال هذه الانتخابات»، مضيفاً: «عندما يقول الناس صوّت بما يملي عليه ضميرك، فإنني أقول لهم: صوتوا برؤية استراتيجية».
وتابع طرفة اللبناني الأصل: «إن الأشخاص الذين ترونهم حول هذه الطاولة هم بعض من تتصلون بهم عندما تواجهون تحديات مع الحكومة، وإنه من المهم جداً أن تكون لدينا القيادة الصحيحة لضمان تحقيق مصالحنا وحقوقنا».
من ناحيته، قال المؤسس المشارك «للمعهد العربي الأميركي»، وهو وكالة بحثية وسياسية مقرها في العاصمة واشنطن، إن العمل مع ترامب ليس «خياراً»، وإن الديمقراطيين دعوا مراراً وتكراراً إلى وقف الحرب في الشرق الأوسط، مضيفاً بالقول: «إنهم بحاجة إلينا الآن، ونحن بحاجة إلى أن نكون هناك (في مراكز الاقتراع) من أجلهم».
كما حثّ الناشط المخضرم إسماعيل أحمد الإدارة الأميركية على فرض وقف فوري ودائم لإطلاق النار في فلسطين ولبنان، بالإضافة إلى الإسراع في إغاثة مئات آلاف المنكوبين من ضحايا الحرب الإسرائيلية في لبنان وقطاع غزة، مشدداً في الوقت نفسه على أن نائبة الرئيس هي الخيار «الأصوب» بالنسبة للعرب الأميركيين خلال هذه المرحلة.
وكان طرفة قد أعرب في وقت مبكر عن تأييده لهاريس في سباق الرئاسة الأميركية، ما أسفر عن موجة من الغضب والاستياء ضد المسؤول اللبناني الأصل الذي تعرّض لعديد الانتقادات بسبب دعمه للمرشحة الديمقراطية التي صمّت آذانها عن مطالبات العرب الأميركيين بوقف الحرب في غزة ولبنان وتجميد المساعدات الأميركية لدولة الاحتلال، إضافة إلى رفضها لضم متحدث باسم الفلسطينيين خلال المؤتمر العام للحزب الديمقراطي بمدينة شيكاغو في أغسطس الفائت.
لا لترامب ولا لهاريس
دفعت مواقف هاريس المتسقة مع سياسات بايدن بالعديد من المسؤولين والمنتخبين العرب الأميركيين إلى عدم تأييدها خلال الانتخابات الحالية، ومن بينهم النائب الديمقراطية عن ولاية ميشيغن في الكونغرس الأميركي رشيدة طليب، والعضو الديمقراطي في مجلس مفوضي مقاطعة وين سام بيضون، والنائب الديمقراطي عن مدينة ديربورن في مجلس نواب ميشيغن العباس فرحات، بالإضافة إلى رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود.
كما امتنعت كل من «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) وصحيفة «صدى الوطن» عن دعم أي من المرشحين الرئاسيين.
وفي موقف مماثل، قوبل تأييد بعض رجال الدين المسلمين لترامب الأسبوع الماضي بانتقادات «مجلس أئمة ميشيغن» الذي أصدر بياناً يتبرأ فيه من دعم المرشح الجمهوري، معلناً نأيه عن السباق الرئاسي.
واستنكر البيان انتشار الصور التي تجمع بين الرئيس السابق وبعض رجال الدين المسلمين، ما خلق انطباعاً زائفاً بأن ترامب حصل على تأييد المجتمعات الإسلامية في ولاية ميشيغن، وقال: «لقد انتشرت بعض الصور (التي تجمع بين أئمة مسلمين وترامب) داخل مجتمعنا خلال الآونة الأخيرة، مما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن مجلس أئمة ميشيغن يؤيد ترشيح ترامب. ونود أن نوضح بأن المجلس هو منظمة دينية مكرسة لتعزيز القيم الإسلامية والوحدة ورفاهية مجتمعنا. وعلى هذا النحو، فإنه لا يؤيد أي حزب سياسي أو أي مرشح على المستوى الوطني أو الإقليمي أو المحلي».
وأضاف: «نشجع بشدة جميع أفراد المجتمع على ممارسة حقهم في التصويت بوعي وضمير. ونحن نروج لأهمية اتخاذ قرار مستنير عند التصويت، ونحترم أن اختيار كل شخص قد يختلف عن الآخر، وأن مجتمعنا يضم وجهات نظر وانتماءات مختلفة، ويمكنهم اختيار أي مرشح. ونطلب من الجميع في مجتمعنا احترام هذه القرارات والبقاء متحدين. حيث تكمن قوتنا في وحدتنا، ويجب ألا نسمح لاختيارات التصويت الفردية بإحداث انقسامات بيننا».
Leave a Reply