واشنطن
أثار فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسباق البيت الأبيض، مخاوف متزايدة بشأن خطته الرامية إلى ترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين من الولايات المتحدة، إذ سارع المدافعون عن الهجرة إلى دق ناقوس الخطر محذرين من تداعيات اجتماعية واقتصادية قد تطال مختلف الولايات الأميركية، بما فيها، ميشيغن.
وفقاً لتقديرات معهد «بيو» للأبحاث، يتراوح عدد المهاجرين غير الشرعيين في ميشيغن بين 75 و175 وألف شخص، أما «معهد سياسات الهجرة» فيقدر عددهم بنحو 91 ألفاً، نصفهم تقريباً من المكسيك ودول أميركا الوسطى، و28 ألفاً من بلدان آسيا لاسيما من الهند والصين، و10 آلاف من أوروبا وأوقيانيا بالإضافة إلى كندا، أما البقية فهم من بلدان القارة الأفريقية وأميركا الجنوبية، فيما يشكل القادمون من البلدان العربية نسبة ضئيلة للغاية.
تداعيات اقتصادية
بعيداً عن التبعات الاجتماعية التي قد تطال عشرات آلاف الأسر، تواجه ولاية ميشيغن معضلة من نوع آخر، في حال وجدت خطة ترامب طريقها للتطبيق، إذ يقول المدافعون عن الهجرة إن الترحيل الجماعي لا يهدد فقط، الحياة الاجتماعية التي بناها هؤلاء الأفراد في الولايات المتحدة، بل تهدد أيضاً القوى العاملة والاقتصاد، فضلاً عن ارتفاع تكلفة المنتجات الزراعية والغذائية.
فرغم أن ولاية البحيرات العظمى لا تضم أعداداً كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين، مقارنة بولايات أخرى مثل كاليفورنيا وتكساس ونيويورك وغيرها، إلا أن قطاعها الزراعي يعتمد بشكل كبير على العمالة الموسمية المهاجرة، فيما تشير التقديرات إلى أن نسبة كبيرة من هؤلاء هم من المهاجرين غير الشرعيين، المهددين بالاعتقال والترحيل في عهد ترامب.
وفي ولاية ميشيغن، يساهم عشرات الآلاف من العمال المهاجرين وأفراد أسرهم بشكل كبير في قطاع الزراعة وصناعة الأغذية، وفقاً لوزارة الصحة والخدمات الاجتماعية بالولاية.
وتعد الزراعة ثاني أكبر قطاع في ميشيغن، حيث تساهم بنحو 125 مليار دولار في الاقتصاد المحلي سنوياً وتوظف ما يقرب من مليون شخص، أي ما يعادل حوالي 25 بالمئة من القوى العاملة في الولاية، وفقاً لمكتب ميشيغن الزراعي.
وعلى عكس القمح والذرة، يتطلب العديد من محاصيل ميشيغن الأساسية، القطاف باليد، لعدم توفر تقنيات بديلة، مما يستدعي المزارعين لاستقدام العمال المهاجرين الذين يتدفقون إلى الولاية في مواسم قطاف الهليون والفراولة والتوت وغيرها من الخضروات والفواكه التي تشتهر بها ولاية البحيرات العظمى.
وقالت سوزان ريد، مديرة «مركز حقوق المهاجرين في ميشيغن»، إن نحو 49 ألف عامل زراعي موسمي مهاجر يعملون في ميشيغن كل عام. وأضافت أنه مع أفراد أسرهم المرافقين، يصل العدد إلى ما يقرب من 100 ألف مهاجر.
مداهمات محتملة
تتوقع ريد أن يواجه أصحاب المزارع والمصانع الغذائية، مداهمات تركز على شرعية العمال في منشآتهم، موضحة أن تلك المخاوف ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء لأن الشركات ستكافح من أجل ملء الوظائف التي سيخلفها غياب اليد العاملة الرخيصة.
ويشكّل المهاجرون العصب الرئيسي للعمالة الزراعية منخفضة الأجر لقطاف المحاصيل في ميشيغن وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة. والسر غير المخفي أن نسبة كبيرة من هؤلاء هم غير شرعيين، ولا يحق لهم العمل في أميركا. فقد وجد تقرير صادر عن وزارة العمل الأميركية في عام 2023، استناداً إلى مقابلات مع ما يقرب من 2,600 مهاجر عملوا في قطاف المحاصيل بين عامي 2020 و2022، أن 58 بالمئة منهم فقط مُصرح لهم بالعمل في الولايات المتحدة.
قالت ريد إن عمليات الترحيل الجماعي «ستكون لها آثار مدمرة على ثاني أكبر قطاع اقتصادي في ميشيغن»، موضحة أن الأمر سيمتد إلى العمال الشرعيين الذين سيخشون الإقامة في مخيمات المزارعين، لأنها قد تكون عرضة لمداهمات الشرطة «في أي ليلة»، حسب قولها.
وأكدت أن ذلك سوف يخلق مناخاً سلبياً سينعكس ارتفاعاً في تكلفة الغذاء، لأن المنتجين سيواجهون تكاليف إضافية ستُلقى –في نهاية المطاف– على عاتق المستهلك.
وأوضحت أن الترحيل الجماعي –حتى لو بدأ في مكان آخر غير ميشيغن– يمكن أن يتسبب في موجة صدمة اقتصادية في القطاع الزراعي الذي يعاني أصلاً من نقص العمالة.
من جانبه، قال ستيفن هابرد، من «مجلس الهجرة الأميركي» في واشنطن، وهي منظمة غير ربحية مدافعة عن الهجرة، إن التكاليف المتزايدة ستقع على عاتق المستهلكين بشكل أساسي.
وتابع «سيتعين علينا إما استيراد الغذاء من دول أخرى أو سيتعين على المزارعين دفع المزيد من المال للعمال. وسيؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف المنتوجات التي لا يمكن حصادها بواسطة الآلات، مثل الفراولة».
بدورها، قالت ستيفاني ناوين، الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع بجامعة «ميشيغن ستايت» والمتخصصة في قضايا الهجرة والعمالة المهاجرة، إن «العديد من الأشخاص الذين صوتوا لترامب كانوا مدفوعين بغلاء البقالة، ومدى صعوبة العثور على مساكن بأسعار معقولة. ولكنهم سوف يدركون بالطريقة الصعبة مدى اعتماد اقتصادنا على المهاجرين القادمين إلى هذا البلد».
خطة الترحيل
التزاماً بوعود حملته الانتخابية بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية، أعلن ترامب عن اختيار شخصية متشددة، هو توم هومان، المدير المؤقت السابق لوكالة الهجرة والجمارك (آيس) ليكون مسؤولاً عن أمن الحدود في إدارته المقبلة اعتباراً من 20 كانون الثاني (يناير) 2025.
وكتب ترامب على منصته «تروث سوشال»: «يسعدني أن أعلن انضمام المدير السابق لوكالة «آيس»، والنصير القوي في مراقبة الحدود، توم هومان، إلى إدارة ترامب، وسيكون مسؤولاً عن أمن حدودنا»، واصفاً إياه بـ«قيصر الحدود».
ودخل ترامب السباق إلى البيت الأبيض وملف الهجرة على قمة أولوياته، فتوعد بإغلاق الحدود وبترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين.
وفي حين لا تزال لوجستيات خطة الترحيل الجماعي غير واضحة، سارع هومان إلى تأكيد عزمه على تنفيذ وعد ترامب بدءاً بالمهاجرين غير الشرعيين الذين يشكلون خطراً على أمن وسلامة المجتمع الأميركي، سواء تم ذلك بالتعاون مع دوائر إنفاذ القانون المحلية أو من دونها.
وأضاف أن «الجيش لن يقوم بجمع المهاجرين واعتقالهم في البلاد بشكل غير قانوني» موضحاً أن دائرة الهجرة والجمارك (آيس) «ستتحرك لتنفيذ خطط ترامب بطريقة إنسانية». وتابع: «ستكون عملية مستهدفة ومخططة بشكل جيد ويديرها عناصر الهجرة والجمارك»، مؤكداً أنه عند بدء العملية سيخرجون وهم يعرفون عمن يبحثون وأين سيكونون، وسيتم ذلك بطريقة إنسانية».
وتشير أغلب الإحصائيات إلى وجود ما بين 11 إلى 13 مليون مهاجر غير شرعي داخل الحدود الأميركية، فيما قدر نائب الرئيس المنتخب، جاي دي فانس، أن عملية الترحيل الجماعي قد تسفر عن إبعاد نحو مليون شخص سنوياً.
وتواجه خطة ترامب للترحيل عقبات مالية ولوجيستية وقانونية أيضاً. إذ يقدر مجلس الهجرة الأميركي، وهو جماعة مدافعة عن المهاجرين، تكلفة ترحيل 13 مليون مهاجر غير شرعي من الولايات المتحدة، بنحو 88 مليار دولار سنوياً لمدة أكثر من 10 سنوات.
وحال تمكن ترامب من تغطية الكلفة اللازمة لتنفيذ خططه، فليس من المؤكد أن الدول ستقبل مواطنيها من المهاجرين غير الشرعيين، بعد ترحيلهم. كما قد يواجه ترامب الذي يدخل البيت الأبيض في ٢٠ كانون الثاني (يناير) القادم، تحركا قضائياً، يعيق تنفيذ وعده الانتخابي.
Leave a Reply