ديترويت
لم يتردد طلاب مؤيدون لحقوق الشعب الفلسطيني، بتوجيه انتقادات قاسية لمجلس حكّام «جامعة وين ستايت» خلال اجتماع محتدم، الأربعاء الفائت، تضمن تسليط الضوء على مقترح طلابي بسحب الاستثمارات الداعمة لإسرائيل التي تواصل حربها الوحشية على قطاع غزة منذ أكثر من ١٤ شهراً.
وكان تحالف طلابي قد تقدّم بوثيقة إلى إدارة الجامعة الواقعة بقلب مدينة ديترويت لحثّها على الاستثمارات الأخلاقية، وحظيت الوثيقة التي جاءت تحت عنوان «مقترح الاستثمار المسؤول» بدعم أكثر من خمسين منظمة طلابية منضوية ضمن ما بات يُعرف بـ«تحالف الاستثمارات الأخلاقية في وين ستايت».
وتضمنت الوثيقة المكونة من 22 صفحة سياقاً تاريخياً لقرارات وسياسات الجامعة حول «الاستثمارات الأخلاقية»، بما فيها قرارها بالتخلي رسمياً في عام 1988 عن استثماراتها مع الشركات الداعمة لنظام الفصل العنصري (آبارتيد) في دولة جنوب إفريقيا، وذلك في إطار حركة عالمية واسعة النطاق مارست ضغطاً اقتصادياً على الدولة الإفريقية لإنهاء نظام الفصل العنصري.
وجاء في الوثيقة: «تفخر جامعة وين ستايت بتبني قيم التعاون والنزاهة والابتكار والتميز والتنوع والشمول والقيادة»، مضيفة: «لكي تبقى الجامعة منسجمة مع التزاماتها، فإن مصالحها المالية والأكاديمية والأخلاقية تقتضي أن تقوم الجامعة بوقف جميع ارتباطاتها مع إسرائيل المستمرة بسياسات الفصل العنصري والإبادة الجماعية».
وأشارت الوثيقة إلى عديد الأطراف والجهات الداعية لسحب الاستثمارات مع دولة الاحتلال، وقالت إن فشل هذه التحركات سيضر «بسمعة الجامعة كمؤسسة رائدة في الدفاع عن العدالة الاجتماعية»، موضحة بأن جهود مناصرة الشعب الفلسطيني منذ تجدد العدوان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، في تشرين الأول (أكتوبر) 2023، قد سلطت الضوء بشكل أكبر على الدعم المجتمعي الواسع لسحب الاستثمارات من الشركات الداعمة والعاملة في إسرائيل، لاسيما مع زيارة مئات الأشخاص للمخيم الطلابي الذي أنشأه طلبة الجامعة الربيع الماضي للمطالبة بوقف العدوان على قطاع غزة.
اجتماع عاصف
الاجتماع الذي سبقه اعتصام طلابي أمام مبنى إدارة الجامعة، شهد العديد من الانتقادات القاسية للمسؤولين الجامعيين الذين يصمّون السمع عن المطالب المتواصلة بوقف الاستثمار مع الشركات الداعمة لإسرائيل.
وحثّ الطالب لوغان بول مجلس حكّام الجامعة على وقف الاستثمارات بشكل فوري، قائلاً: «كلما تحركتم بشكل أسرع، كلما كان أفضل»، مضيفاً: «الدماء تلطخ أيديكم».
كما وجّه طالبان آخران وأحد خريجي الجامعة اتهامات إلى عضوة مجلس الجامعة، الجمهورية تيري لاند، برفض قبول المقترح الذي تم توزيعه على جميع أعضاء المجلس، والتي واصلت تصفح هاتفها الخلوي خلال كلمات المتداخلين. وتساءلت نائبة رئيس منظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام» بجامعة «وين ستايت» غريس كاديو: «كيف تجرؤين على رفض قبول هذا المقترح؟ أنت مسؤولة منتخبة، وهؤلاء هم ناخبوك، لقد تم انتخابك للقيام بما يجب القيام به».
وخلال كلمتها، توقفت الطالبة عناية نور عن الحديث إلى المجلس وخاطبت لاند التي ضحكت عدة مرات خلال مداخلات الطلبة، بالقول: «آمل أن تستمعي إلى كلماتي وألا تضحكي أو تستخفي بمعاناة الآخرين»، مضيفة: «من الواضح أنك تعيشين حياة مميزة بما يكفي لعدم الاهتمام بمشاعر الآخرين على الإطلاق».
وأحجم جميع أعضاء مجلس حكّام الجامعة عن التعليق على المقترح الطلابي، بمن فيهم رئيسة المجلس شيرلي ستانكاتو، فضلاً عن أنهم لم يتطرقوا إلى أية معلومات حول استثمارات الجامعة مع الشركات العاملة والداعمة لإسرائيل.
وعقب الاجتماع، امتنع الأعضاء عن الرد على أسئلة وسائل الإعلام حول المسألة المتجددة، واكتفت لاند التي شغلت سابقاً منصب سكرتيرة ولاية ميشيغن، بالقول للصحفيين: «أتمنى لكم يوماً سعيداً».
تجدّد الحراك
المطالبات الأخيرة بسحب استثمارات «جامعة وين ستايت» مع الشركات الداعمة لإسرائيل، جاءت بعد فصل خريفي هادئ نسبياً، أعقب –بدوره– سلسلة من الاحتجاجات المؤيدة للقضية الفلسطينية في عديد الجامعات بولاية ميشيغن وعموم الولايات الأميركية احتجاجاً على الحرب الوحشية التي تشنتها إسرائيل على قطاع غزة للعام الثاني على التوالي، والتي أودت بحياة زهاء ٤٥ ألف شخص، إلى جانب إصابة أكثر من ١٠٥ آلاف، وتشريد حوالي مليوني فلسطيني.
وكان الطلبة المؤيدون لحقوق الشعب الفلسطيني قد أقاموا في الربيع المنصرم مخيماً طلابياً ضمن حرم جامعة «وين ستايت» للمطالبة بوقف الحرب في الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى تجميد المساعدات العسكرية لكيان الاحتلال، وكذلك لمطالبة الجامعات بسحب استثماراتها مع الشركات الداعمة لإسرائيل.
وفيما رفضت إدارة «وين ستايت» الاستجابة لمطالب المعتصمين، أمرت شرطة الجامعة في أواخر أيار (مايو) المنصرم بتفكيك المخيم بالقوة، وهو ما أدى إلى اعتقال عدد من الطلبة، واتهامهم بتهديد الأمن وتعكير السلام العام في الحرم الجامعي، قبل أن يقوم مكتب الادعاء العام في مقاطعة وين بإسقاط التهم عن خمسة منهم في أيلول (سبتمبر) الفائت.
واعتبرت المدعي العام كيم وورذي، أن الأدلة التي قدمتها شرطة الجامعة ضد المتظاهرين، وهم من طلاب وخريجي وين ستايت، بما في ذلك تسجيلات كاميرات الشرطة، «غير كافية» لإثبات أنهم ارتكبوا الجرائم المنسوبة إليهم، والتي تضمنت التعدي على ممتلكات الغير ومقاومة وعرقلة الشرطة والاعتداء على شرطي، في حادثين منفصلين.
وقبل انعقاد الاجتماع الأخير لمجلس حكام الجامعة الأربعاء الماضي، أوضحت الطالبة ريدا خان، وهي عضوة في منظمة «طلبة من أجل العدالة في فلسطين» بأن الطريقة الوحيدة لإحداث تغيير حقيقي في مواجهة المأساة الإنسانية المستمرة في الأراضي المحتلة هي: «الضغط مجدداً على جامعتنا لكي تعود وتساند حقوق الإنسان».
والجدير بالذكر أن جامعة وين ستايت التي تأسست عام 1868 هي ثالث أكبر جامعة في ولاية البحيرات العظمى، بعد جامعتي «ميشيغن» و«ميشيغن ستايت».
وتضم الجامعة التي تتوزع مبانيها على عدة بلوكات في وسط ديترويت، نحو ٢٤ ألف طالب وحوالي ٧,٧٥٠ موظفاً أكاديمياً وإدارياً.
Leave a Reply