ديترويت
كشفت السلطات الفدرالية، يوم الثلاثاء الفائت، عن اعتقال رجل عربي أميركي من سكان مدينة ملفنديل، بتهمة محاولة تنفيذ هجوم مسلح على منشأة عسكرية بمدينة وورن (شمال ديترويت)، لصالح تنظيم «داعش» الإرهابي، وذلك بعدما تم الإيقاع به ضمن عملية أمنية سرّية نفذها مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي).
وأعلنت وزارة العدل الأميركية عن اعتقال العضو السابق في الحرس الوطني لجيش ميشيغن، عمار عبد المجيد محمد سعيد (19 عاماً)، خلال توجهه لاستهداف منشأة قيادة الدبابات والمركبات والأسلحة التابعة للجيش الأميركي داخل ترسانة ديترويت العسكرية الكائنة بمدينة وورن، والمعروفة اختصاراً باسم «تاكوم»، حيث أطلق مسيّرة بغرض استطلاع الموقع يوم الثلاثاء 13 أيار (مايو) الجاري، وهو اليوم الذي كان من المقرر فيه تنفيذ الهجوم المزعوم.
وبحسب ملف الشكوى الجنائية المقدّمة للمحكمة الفدرالية بديترويت، فقد خطّط سعيد لاستهداف المنشأة العسكرية بعدما أكد لعميليَن متخفّيَين من مكتب التحقيقات الفدرالي في نيسان (أبريل) المنصرم عزمه على تنفيذ العملية بتوجيه من تنظيم «داعش».
ومثُل المتهم، الأربعاء الماضي، أمام المحكمة التي أمرت بإبقائه رهن الاحتجاز لحين مثوله مجدداً أمام القضاء خلال جلسة فحص الأدلة في 28 أيار (مايو) الجاري، بعدما وجهت له تهماً فدرالية بمحاولة تقديم دعم مادي لمنظمة إرهابية أجنبية، ونقل معلومات تتعلق بأجهزة تدميرية، بالإضافة إلى توفير ذخيرة خارقة للدروع ومخازن أسلحة للعميلين السريين اللذين قام بتدريبهما على استخدام الأسلحة وصناعة زجاجات المولوتوف، وكذلك تزويدهما بتفاصيل دقيقة حول كيفية التسلل إلى القاعدة وتحديد المبنى المستهدف داخلها.
وتصل عقوبة التهم الموجهة لسعيد إلى 20 سنة خلف القضبان في حال ثبوت الإدانة.
وتتضمن وثائق القضية، إفادات خطية للعميلين السريين تكشف عن المراسلات بينهما وبين سعيد الذي اعتقد لمدة 11 شهراً أنهما من مؤيدي تنظيم «داعش»، وقد تناولت المراسلات، خطط سعيد لمهاجمة قاعدة «تاكوم»، بما في ذلك، قيامه في تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم بإرسال طائرة مسيرة لاستطلاع نقاط مداخل ومخارج ومرافق ومعدات القاعدة.
كذلك، يزعم الادعاء بأن سعيد اقترح أيضاً على العميلين السريين تخزين الأسلحة في خزانة تجارية بجوار القاعدة، وأنه تحدث عن قدرته على استخدام البندقية بفضل تدريبه في الحرس الوطني بميشيغن الذي خدم فيه لمدة عامين قبل أن يتم تسريحه في كانون الأول (ديسمبر) الماضي لعدم استيفائه شروط الالتحاق الأساسية، بحسب بيان للحرس الوطني.
ويبدو أن الشكوك قد ساورت سعيد في مرحلة من مراحل العملية السرية، إذ اعترف بأنه وضع جهاز تتبع من نوع Apple AirTag في سيارة العميلين السريين، لمراقبة تحركاتهما، ولكن شكوكه تبددت لاحقاً ما دفعه للاستمرار بتنفيذ الهجوم المزمع.
وفي الإطار، قال العميد ريت كوكس، القائد العام لقيادة مكافحة التجسس في الجيش الأميركي، في بيان: «إن اعتقال هذا الجندي السابق هو تذكير صارخ بأهمية جهودنا في مكافحة التجسس لتحديد وتعطيل أولئك الذين يسعون إلى الإضرار بوطننا».
الفصل الأخير
في الساعة العاشرة من صباح يوم الثلاثاء الماضي، توجه سعيد إلى أحد المنتزهات في مدينة ديربورن مرتدياً نظارة سوداء، حيث التقى بعميل سري من «أف بي آي»، لينطلق الاثنان إلى موقع قريب من قاعدة «تاكوم» العسكرية في مدينة وورن. وهناك، أطلق سعيد طائرة مسيّرة كانت جزءاً من خطة رصد واستطلاع للمنشأة، قبل أن يُلقى القبض عليه بعد دقائق قليلة، في تتويج للعملية السرية التي نفذها متخفون من «أف بي آي» لقرابة عام كامل.
بداية القضية تعود إلى حزيران (يونيو) الماضي، حين بدأ سعيد بالتواصل مع عميل سري فدرالي تظاهر بأنه من أنصار «داعش»، معرباً خلال تلك المحادثات عن رغبته الشديدة في الانخراط بما وصفه بـ«الجهاد المسلح»، سواء من خلال السفر إلى الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم في الخارج، أو بتنفيذ هجمات داخل الأراضي الأميركية.
وفي تموز (يوليو) الفائت، وبينما كان مازال يخدم في صفوف الحرس الوطني بميشيغن، صعد سعيد على متن طائرة عسكرية واضطر لتسليم هاتفه الآيفون، ما أتاح لعملاء مكتب التحقيقات الفدرالي بتفتيشه بموجب أمر قضائي، ليتم العثور بداخله على رسالة تم إبراقها عبر موقع «فيسبوك»، تعود لشهر تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2023، كان سعيد قد أرسلها إلى شخص في الأراضي الفلسطينية، وكتب فيها بوضوح: «أريد الجهاد».
كما أظهر فحص الهاتف أن سعيد كان يتابع عدة قنوات على تطبيق «تلغرام» تضم محتوى يتضمن مقاطع وصوراً لأعلام وشعارات تنظيم «داعش». ولاحقاً، قام العميل السري الذي كان على تواصل معه، بتعريفه على شخص آخر –وهو عميل فدرالي سري آخر– بزعم أنه قادر على مساعدته في السفر إلى مناطق سيطرة التنظيم.وبالفعل، التقى الثلاثة في اجتماع سُجّل سراً بالصوت والصورة.
وخلال ذلك اللقاء، تحدث سعيد بانفعال قائلاً: «سئمت من هذا البلد… والله، أريد الجهاد. أريد أن أقاتل بين المسلمين لأعلي كلمة الله، ونيتي الأخيرة هي الشهادة في سبيل الله». وأوضح سعيد خلال الاجتماع الثلاثي أنه تلقى تدريبات عسكرية مكثفة ضمن الحرس الوطني، شملت استخدام الأسلحة، ورمي القنابل اليدوية، إلى جانب تفاخره بقدرته على تجميع وتفكيك بندقية من طراز AR–15 وهو مغمض العينين.
وفي أواخر آب (أغسطس) الماضي، أظهر سعيد لأحد العملاء مقطع فيديو صوّره لنفسه وهو يعلن ولاءه لتنظيم «داعش» ، وقام لاحقاً بتصوير مقطع آخر أثناء لقائه بالعميلين، جدد فيه ولاءه للتنظيم الإرهابي وعزمه على تنفيذ الهجوم على قاعدة «تاكوم».
وبعدها بشهرين، وتحديداً في أكتوبر 2024، بدأ سعيد يتحدث عن رغبته بتنفيذ هجوم فعلي داخل الولايات المتحدة، مقترحاً استهداف منشأة «تاكوم» التابعة للجيش الأميركي، بدعوى أنه زار الموقع مسبقاً أثناء خدمته العسكرية وأنه يعرف تفاصيله بشكل جيد.
ورغم ذلك، عبّر سعيد في كانون الأول (ديسمبر) الفائت، عن رغبته بالسفر إلى سوريا للمشاركة في الجهاد، لكنه أكد حرصه على تنفيذ الهجوم ضد قاعدة «تاكوم» إن لم يتمكن من السفر.
وفي إطار التحضير للهجوم، قال سعيد للعميلين المتخفيين إنه أرسل طائرة مسيرة فوق منشأة «تاكوم» لتحديد نقاط الدخول ورصد الأهداف المحتملة. كما أشار إلى أنه زار متاجر أسلحة وملابس عسكرية، واشترى زجاجات ومواد لتصنيع قنابل مولوتوف. وقال إن «قاعدة تاكوم مليئة بالأهداف»، مؤكداً أن الجهاد في الداخل الأميركي أكثر تأثيراً من القتال في الخارج، حيث «يمكن هنا قتل جنديين أو ثلاثة أو أربعة»، أما في الخارج «فهذا حلم»، بحسب تعبيره.
واقترح سعيد أن يدخل القاعدة من بوابتها الرئيسية باستخدام هويته العسكرية، أو عبر اقتحامها بقطع سياج الأسلاك الشائكة. وقال: «إذا استطعنا القضاء على أول جنديين عند الدخول، فهذا يعني أن لدينا جنديين أقل للقلق»، موضحاً أن انضمامه إلى الحرس الوطني كان بهدف التدريب العسكري ومعرفة طرق تفكير الجنود الأميركيين، قائلاً: «أردت أن أتدرب جيداً قبل أن أذهب إلى أي مكان.. أنا ملتزم تماماً».
في 8 مايو الجاري، استمرت التحضيرات، حيث سلّم سعيد ذخيرة خارقة للدروع ومعدات أخرى للعميلين. وخلال محادثة مسجلة، أقرّ بأن العملية قد تنتهي بمقتلهم أو اعتقالهم، قائلاً: «إنها قاعدة عسكرية. أريدكم أن تعلموا هذا. لا يوجد مخرج منها، إنه مسار باتجاه واحد فقط».
وكان سعيد قد زار برفقة العميلين قاعدة «تاكوم» في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لمعاينتها عن كثب، ثم انتقلوا إلى وحدة تخزين مستأجرة حيث أطلق سعيد طائرة مسيرة كانت متصلة بهاتفه الذكي، والذي كان يعرض فيديو مباشراً من الكاميرا.
حينها، وجّه الطائرة نحو البوابة الأمامية للقاعدة قائلاً: «هناك يوجد الحراس… أي شيء تراه، أطلق عليه النار»، ثم قام لاحقاً بالتدرب مع زميليه المزعومَين على تكتيكات عسكرية لاقتحام المنشأة العسكرية، كما شرح طريقة إعداد قنبلة مولوتوف.
Leave a Reply