تحذيرات حقوقية من استغلال البرنامج في استهداف المهاجرين والمتظاهرين المؤيدين لفلسطين
ديربورن
في خطوة أثارت ردود فعل متفاوتة حول مسألة التوازن بين الأمن والخصوصيات الفردية، أقرّ مجلس بلدية ديربورن –مؤخراً– استخدام نظام مراقبة جديد يسمح لشرطة المدينة بالولوج إلى البث الحي للكاميرات الأمنية المثبّتة في المؤسسات والأعمال التجارية وحتى المنازل التي يقرر أصحابها الانضمام إلى البرنامج المصمّم لتعزيز السلامة العامة ومكافحة الجريمة، أسوة بمشروع الضوء الأخضر الذي تعتمده شرطة ديترويت منذ سنوات.
وصوّت مجلس بلدية ديربورن بالإجماع على عقد لمدة خمس سنوات بقيمة 720 ألف دولار مع شركة «أكسون» المالكة لنظام «فيوسيس» FUSUS الذي يستخدم من قبل وكالات الشرطة في أنحاء متفرقة من الولايات المتحدة.
و«فيوسيس»، هو نظام تقني متطور يستعمل في المراكز الفورية لمكافحة الجرائم RTCC لدمج وتحليل البيانات المرئية والمسموعة المُرسلة من عديد المصادر، كأجهزة تتبع الموقع GPS، وبث كاميرات المراقبة الخاصة والعامة، ومكالمات الطوارئ، ما يساعد في تحسين استجابة ودقة الشرطة في التعامل مع الجرائم والحوادث الطارئة.
وأجمع مسؤولو المدينة على أن البرنامج المزمع تطبيقه في وقت لاحق من العام الجاري سيساعد الشرطة المحلية على مكافحة وردع الجريمة بشكل أفضل في ديربورن، مفنّدين في الوقت نفسه الشكوك والمخاوف المتصلة بالحقوق والخصوصيات الفردية.
وأكد رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود بأن «فيوسيس» سيجلب منفعة أمنية كبيرة للمدينة، لافتاً إلى أن إدارته لم تُقدم على هذه الخطوة من دون تأنٍّ ودراسة مسبقة.
وقال حمود في جلسة التصويت على العقد خلال شهر أبريل الماضي، إن إدارته تواصلت مع المؤسسات والشركات على مدار سنة كاملة لتثقيفهم بشأن نظام «فيوسيس» وكيفية الاشتراك فيه.
وفي معرض رده على مزاعم انتهاك الخصوصية واستخدام «فيوسيس» لملاحقة المتظاهرين أو المهاجرين غير الشرعيين، قال حمود إن شرطة المدينة لا تمتلك تسجيلات كاميرات المراقبة الخاصة:، و«ليس لديها الحق في نسخها وتنزيلها دون إذن»، مؤكداً أن الهدف من البرنامج هو تحسين الاستجابة للحوادث الطارئة في الوقت الفعلي لوقوعها.
من جانبه، أوضح قائد الشرطة عيسى شاهين بأن البرنامج الذي يعتبر من «أحدث التقنيات في مجال إنفاذ القانون»، سيتيح للضباط الحصول على «بثوث مباشرة لما يحدث آنياً، ليس فقط في المقر الرئيسي، وإنما أيضاً في سيارات الشرطة».
كما لفت إلى أن البرنامج سيسمح للضباط الاستماع مباشرةً إلى مكالمات الطوارئ على الرقم 911، مما يُحسّن أوقات الاستجابة ويُزوّدهم بالمعلومات الضرورية للتعامل مع الحوادث الطارئة، بالإضافة إلى إمكانية حصولهم على مقاطع الفيديو والمحادثات بشكل فوري، بدلاً من البحث عنها في مواقع ومنصات أخرى.
وأوضح شاهين بأن البرنامج يستخدم البنية التحتية لأنظمة المراقبة التي تستخدمها الشركات والمنظمات المجتمعية وغيرها من المجموعات الأخرى لتعزيز الأمن في مواقعها، مفنّداً المخاوف المتعلقة بالحقوق والخصوصيات الفردية وذلك، بالتأكيد على أن: «فيوسيس لا يتضمن تقنية التعرّف على الوجوه»، وشدد على أن «سلامة وأمن سكاننا هي الأولوية القصوى لشرطة ديربورن».
وأضاف قائد الشرطة المصري الأصل في بيان، بأن ضباطاً من شرطة ديربورن زاروا عدداً من دوائر الشرطة التي تعتمد «فيوسيس» في مكافحة الجرائم، من بينها دائرة شرطة مدينة كالامازو بغرب الولاية، وشرطة مدينة ساوث بند في ولاية إنديانا، للتعرّف على تجربة هاتين المدينتين في استخدام هذا البرنامج التقني المتطور، مؤكداً في السياق بأن شرطة مدينة أتلانتا بولاية جورجيا «تدعم بشدة» نظام «فيوسيس».
وتعتبر ديربورن ثاني مدينة في ولاية ميشيغن تعتمد برنامج «فيوسيس» لإنشاء مركز فوري لمكافحة الجريمة، بعد مدينة كالامازو التي اعتمدته في عام 2023.
وبالإضافة إلى نظام «فيوسيس»، اتخذت شرطة ديربورن خلال عهد حمود، تدابير تكنولوجية أخرى لتعزيز الأمن في المدينة، مثل تركيب أجهزة قراءة لوحات السيارات، وتوسيع استخدام الطائرات بدون طيار.
ويأتي تمويل «فيوسيس» في ديربورن، عبر 133 ألف دولار من صناديق المخدرات المصادرة ونظام العدالة الفدرالية، فيما ستغطّي «جامعة ميشيغن–ديربورن» جزءاً من قيمة العقد، في إطار شراكتها مع المدينة لتعزيز السلامة العامة.
وفي الإطار، قالت المتحدثة باسم «جامعة ميشيغن»، كريستين بالم، إن الجامعة «هي واحدة من عدة شركاء مجتمعيين يتعاونون مع مدينة ديربورن لمشاركة الوصول إلى الكاميرات في حوادث السلامة العامة»، مضيفة: «لقد تعلمنا على مرّ السنين، من العديد من المآسي التي شهدتها المؤسسات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك هنا في ميشيغن، مدى أهمية أن تتمكن الوكالات خلال الحوادث الخطيرة من تبادل المعلومات فوراً والعمل معاً عند حدوث أزمة».
وفي حين لا تزال بلدية ديربورن تعمل على تفاصيل التنفيذ، أوضح المسؤولون بأن نظام «فيوسيس» يتطلب مبادرة المؤسسات والأعمال التجارية، مثل محطات الوقود، للتسجيل وشراء الأجهزة المطلوبة، مقابل رسم مالي.
وأفادت «مؤسسة الحدود الإلكترونية»، المعنية بمكافحة المراقبة وحماية الخصوصية، أن التسجيل في البرنامج «قد يكلف مئات الدولارات شهرياً من تكاليف الأجهزة والاشتراك»، التي تُدفع مباشرةً لـ«فيوسيس».
مخاوف حقوقية
رغم إشادة مسؤولي إنفاذ القانون بنظام «فيوسيس»، إلا أن التقنية الجديدة أثارت جدلاً واسعاً في أوساط المدافعين عن الحريات المدنية، الذين أعربوا عن مخاوف تتعلق بالخصوصية واحتمال استخدامه لمراقبة المتظاهرين، خصوصاً في ظل حملة إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد المهاجرين والنشطاء المؤيدين للفلسطينيين، لاسيما وأن ديربورن –تعتبر على المستويين الرسمي والشعبي من أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية– وقد شهدت أكثر من 80 تظاهرة مؤيدة لفلسطين بين شهري تشرين الأول (أكتوبر) 2023 ولغاية أكتوبر 2024.
وكانت السلطات الفدرالية قد اعتقلت خلال الآونة الأخيرة عدداً من المهاجرين المؤيدين لفلسطين في إطار حملة تستهدف من يتهمون بالتعاطف مع «حماس»، وسط مخاوف حقوقيين محليين من أن يتم استخدام نظام «فيوسيس» لمراقبة الاحتجاجات السياسية وإلغاء التأشيرات والإقامات لمؤيدي القضية الفلسطينية.
وفي السياق، حذرت «مؤسسة الحدود الإلكترونية»، وكذلك بعض المسؤولين، من إمكانية استخدام النظام لاستهداف مجتمعات بعينها، على ضوء عديد التقارير الإعلامية التي سلطت الضوء على مخاطر استخدام البرنامج في مراقبة الاحتجاجات السياسية.
وكتبت بيريل ليبتون، الباحثة الاستقصائية البارزة في «مؤسسة الحدود الإلكترونية»، بأن: «فيوسيس جزء من جهد أوسع نطاقاً تبذله شركة أكسون لتكون مركزاً شاملاً لجهود المراقبة التي تبذلها دوائر الشرطة في الولايات المتحدة».
وأفادت ليبتون لصحيفة «ديترويت فري برس» بالقول: «إنهم يريدون حقاً ترسيخ مكانتهم كنظام متكامل لتكنولوجيا مراقبة الشرطة. وقد تمكنوا تاريخياً من الاستفادة من عقودهم وعلاقاتهم القائمة للدفع بأدوات مراقبة جديدة»، مرجحة أن يكون هناك اتجاه نحو اعتماد تقنيات مراقبة إضافية داخل المدن، «لأن هذه هي الطريقة التي تعمل بها هذه الشركة بشكل عام».
وأردفت أن «هناك قلقاً مبرراً بشأن إمكانية استخدام فيديوهات فيوسيس لاستهداف المتظاهرين».
في المقابل، جادل مسؤولو البلدية بأن حق الخصوصية لا يسري على الأماكن العامة، فيما أعرب عضو المجلس كين باريس عن قلقه من غياب الشفافية، رغم تصويته لصالح المشروع مع زملائه الستة في المجلس البلدي.
كما دعم رئيس مجلس المدينة، مايكل سرعيني، العقد مع «أكسون»، قائلاً في اجتماع المجلس يوم الثلاثاء الفائت: «نسعى لجعل سكاننا أكثر أماناً وحماية، وليس لدى المجرمين حقوق أكثر مما لدينا».
وأضاف: «أريد أن أوضح الأمر: لا أحد يتوقع الخصوصية في الأماكن العامة، فعندما تمشي في الشارع، لن تنعم بالخصوصية التي تتمتع بها داخل منزلك».
من جانبه، صرح عضو المجلس مصطفى حمود، الذي قدم مشروع قرار إبرام العقد مع «أكسون»، بأن الأمر يتعلق باتباع «نهج أكثر استباقية» لمساعدة الشرطة في حماية السلامة العامة.
وقال لصحيفة «ديترويت فري برس» إن هذه التقنية تمنح الشرطة، الأدوات اللازمة لأداء المهام المطلوبة منها بفعالية أكبر، لافتاً إلى أن أجهزة قراءة لوحات السيارات ساعدت الشرطة في القبض على المشتبه بمقتل العربي الأميركي حسن سلامة الذي أُردي بالرصاص خلال عملية سطو استهدفته إثر خروجه من أحد المطاعم في شرق المدينة في أيلول (سبتمبر) 2023.
وأضاف مصطفى حمود بأن رئيس البلدية وقائد الشرطة هما من أبرز الداعمين لحق السكان في التظاهر والاحتجاج، مؤكداً أن ديربورن باتت نموذجاً يُحتذى به في تنظيم الاحتجاجات وحماية حرية التعبير للمهاجرين والمتظاهرين المؤيدين لفلسطين، دون وقوع أية حوادث تذكر، مستدركاً بأن تقنية «فيوسيس» قد تسبب مشاكل في أماكن أخرى، «لكن ليس هنا في ديربورن».
Leave a Reply