ديترويت
أظهرت دراسة جديدة نشرتها مجلة «نيتشر» العلمية أن أرض مدينة ديترويت، تهبط بوتيرة أسرع من بقية معظم المدن الأميركية الكبرى، مسجلة معدل هبوط بحوالي 1.52 مليمتر سنوياً، أي ما يعادل تقريباً سمك بطاقة ائتمان عادية.
وفحص باحثون في جامعتي «كولومبيا» و«فيرجينيا للتكنولوجيا» بيانات من أقمار صناعية خاصة ترسم خرائط الأرض وتقيسها باستخدام رادار الموجات الدقيقة، ثم درسوا كيفية تغير القياسات بين عامي 2015 و2021.
وأظهرت البيانات العلمية أن ظاهرة هبوط الأرض تحدث في 25 مدينة أميركية من أصل أكبر 28 مدينة في البلاد من حيث عدد السكان، بما فيها ديترويت، التي صنّفت بين المدن العشر الأكثر هبوطاً ضمن القائمة التي تصدرتها مدينة هيوستن في ولاية تكساس بمعدل هبوط 5.2 مليمتر سنوياً.
الدراسة التي حملت عنوان «خطر هبوط الأرض على البنية التحتية في المدن الأميركية الكبرى»، حذرت من أن الهبوط التدريجي للأرض، يمثّل مجموعةً كبيرة من التهديدات بعيدة الأمد، بدءاً من زعزعة استقرار البنية التحتية كالمباني والطرق والجسور، وصولاً إلى تفاقم مخاطر الفيضانات.
وبينما يعتبر استخراج المياه الجوفية والنفط من بين الأسباب الأكثر شيوعاً لهبوط القشرة الأرضية، تواجه ديترويت، ظاهرة طبيعية مختلفة تُسمّى بـ«الارتداد بعد الجليدي»، وهو مصطلح يُطلق على عملية ارتخاء الأرض بعد ذوبان الأنهار الجليدية التي كانت تثقلها قبل أكثر من 10 آلاف سنة، وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
وتصف الوكالة الفدرالية «الارتداد بعد الجليدي» بأنه يشبه «الاستلقاء على مرتبة ناعمة»، حيث يتسبب ثقل الجسم بانبعاج الفراش في مكان ما، مقابل انتفاخه على حواف الانبعاج»، موضحة أنه «بعد النهوض، تستغرق المرتبة بعض الوقت قبل أن تعود إلى شكلها الأصلي»، وهذا بالضبط ما يحدث في ديترويت.
فبحسب العلماء، فإن الأرض الذي بُنيت عليها ديترويت وضواحيها، كانت تقع على حافة أنهار الجليد وليس ضمن مجاريها، مما أدى إلى ارتفاعها نسبياً مقارنة بالمناطق المحيطة التي كانت تثقلها أطنان الجليد قبل حوالي 85,000 إلى 11,000 عام.
ويقدّر العلماء سماكة أنهار الجليد تلك، بعدة أميال، وهو ما ساهم في نحت التضاريس الحالية وتشكيل البحيرات العظمى من خلال جرف الصخور والأتربة.
ومع مرور الوقت، تواصل أرض ديترويت انخفا ضها في سياق «الارتداد بعد الجليدي»، على عكس المناطق «المنبعجة» تحت ثقل أنهار الجليد، كما هو الحال، في شمال ميشيغن وفي كندا، حيث يواصل مستوى الأرض ارتفاعه منذ انقشاع العصر الجليدي.
وقال مانوشهر شيرزاي، عالم الجيوفيزياء في جامعة «فرجينيا للتكنولوجيا» والمؤلف المشارك للدراسة التي نُشرت في 8 أيار (مايو) الجاري، إنه على الرغم من الانخفاض الضئيل، إلا أن التراكم على مر السنين سيؤثر في نهاية المطاف على المباني والطرق والجسور والبنية التحتية.
وأردف أن «الأمر قد يستغرق سنوات، أو حتى عقوداً، حتى يتسبب هبوط الأرض بمشاكل فعلية في ديترويت، إلا أن أسرع المجالات تأثراً ستكون شبكات الصرف التي قد تعجز عن تصريف الأمطار الغزيرة بسهولة، ما سيؤدي إلى ركود المياه في الشوارع لفترة طويلة».
وأضاف بأن ذلك يمكن أن يُسبب «ازدحاماً مرورياً وإغلاقاً للمدارس والشركات وأضراراً بالمنازل نتيجة الفيضانات، وغيرها من الآثار الاقتصادية».
بدوره، صرح ريتشارد دوهيرتي، مهندس بلدية ديترويت، بأن إدارته لم ترَ –حتى الان– أي دليل على تأثر البنية التحتية القائمة بسبب هبوط الأرض.
وطمأن دوهيرتي السكان بأنه «نظراً لبطء معدل الهبوط المشار إليه في الدراسة، سيستغرق الأمر عقوداً لرؤية أي آثار محتملة. فالطرق والجسور وغيرها من البنى التحتية مصممة بالفعل لتحمل تقلبات التربة، لاسيما في مناخ التجمّد والذوبان المستمر، مثل مناخنا»، في إشارة إلى تقلبات الطقس الحادة التي تشهدها ميشيغن خلال فصولها الأربعة.
والجدير بالذكر، أن الدراسة وجدت أن العديد من مدن ولاية تكساس –بما في ذلك هيوستن وفورت وورث ودالاس– تشهد أعلى معدلات هبوط مقارنة بالمدن الكبرى الأخرى، حيث يتجاوز متوسط معدلات الهبوط فيها 4 ملم سنوياً. ووفقاً للدراسة، فإن استخراج المياه الجوفية وحفر آبار النفط والغاز وغيرها من الأنشطة التكتونية من بين المسببات الرئيسية لهذا الانحفاض.
Leave a Reply