ديربورن
صدى الفوز العريض الذي حققه المرشح المسلم الأميركي في انتخابات رئاسة بلدية نيويورك، ظهران ممداني، أضفى أجواء من الحماسة والتفاؤل الواضحين، على حفل جمع التبرعات الذي أقيم في ديربورن، مساء الاثنين الماضي، لدعم حملة المرشح المصري الأصل عبدول (عبدالرحمن) السيد في سباق مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ميشيغن لعام 2026.
الحفل الذي أقيم في مطعم «لابيتا» بمدينة ديربورن بحضور فعاليات مجتمعية ومسؤولين حكوميين، من بينهم محافظ مقاطعة وين، وورن أفينز، ونائبه أسعد طرفة وعضو مجلس مفوضي مقاطعة وين سام بيضون ورئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود وآخرون، شهد التفافاً رسمياً وشعبياً لافتاً حول المرشح المنتمي للتيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، ،الذي سبق له أن كان أول مرشح مسلم لمنصب حاكم ولاية ميشيغن عام 2018.
وأعرب المتحدثون خلال الحفل عن ثقتهم بحظوظ المرشح الشاب في الفوز ببطاقة الحزب الأزرق في الانتخابات التمهيدية التي ستقام في شهر آب (أغسطس) 2026، بالإضافة إلى قدرته على حسم الجولة النهائية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، وهو ما قد يجعله أول مسلم يتولى عضوية مجلس الشيوخ الأميركي، خلفاً للسناتور الديمقراطي الحالي غاري بيترز الذي قرّر عدم الترشح للاحتفاظ بمنصبه لفترة ثالثة مدتها ست سنوات.
ولفت ناشر صحيفة «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني إلى أن فرصة السيد في تمثيل ميشيغن بمجلس الشيوخ الأميركي باتت «أكثر قابلية للتحقق في ضوء الفوز التاريخي الذي حققه ممداني في نيويورك»، وقال: «هذه المرة لدينا الفرصة كمجتمع عربي ومسلم لجعل هذا الأمر ممكناً»، مضيفاً: «إذا تمكن ممداني من الفوز في تمهيديات الديمقراطيين بسباق رئاسة بلدية نيويورك التي تضم زهاء 8.5 ملايين نسمة، فأنا على ثقة من أن عبدول السيد يمكنه أن يحقق فوزاً مماثلاً في ولاية ميشيغن التي يقطنها حوالي عشرة ملايين شخص».
وعلى غرار ممداني، يحظى السيد (41 عاماً) بدعم واسع من الأوساط التقدمية داخل الحزب الديمقراطي ويخوض حملته الانتخابية تحت شعار «لا ينبغي أن يكون العيش بهذه الصعوبة»، علماً بأن السيد استنكف عن مواصلة مسيرته المهنية كطبيب وقرر دخول المعترك السياسي مبكراً من أجل الإسهام في بناء «مؤسسات حكومية تعمل لصالح الناس»، و«ليس لأصحاب المليارات كإيلون ماسك ودونالد ترامب»، بحسب الموقع الإلكتروني لحملته الانتخابية.
وإلى جانب السيد، يتنافس (حتى الآن) على الفوز بترشيح الحزب الأزرق، كل من السناتورة الحالية في مجلس شيوخ ميشيغن مالوري مكمورو، وعضوة مجلس النواب الأميركي عن الولاية هايلي ستيفنز، ورئيس مجلس نواب ميشيغن السابق جو تايت، والمرشحة راشيل هاورد، فيما يتنافس على الجانب الجمهوري، كل من النائب السابق في مجلس النواب الأميركي مايك رودجرز، والمرشحة السابقة لمنصب حاكم ميشيغن تودور ديكسون والمرشحون فريدريك هيرتيبيز وكينت بنهام وجينيفيف سكوت.
روح جديدة
لفت رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود إلى الروح الجديدة التي تطبع حملات المرشحين العرب والمسلمين الأميركيين للمناصب الحكومية في عموم الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، وقال: «لم يعد مطلوباً أن نتخلى عن قيمنا ومبادئنا من أجل خوض الانتخابات والفوز بها، وهذا ما حصل تماماً في نيويورك خلال الآونة الأخيرة»، في إشارة إلى ممداني المعروف بتأييده القوي للقضية الفلسطينية ومواقفه المناوئة لسياسات إسرائيل وحربها الوحشية على قطاع غزة.
وأوضح رئيس البلدية اللبناني الأصل بأن السيد الذي خاض سباق حاكمية ميشيغن في عام 2018 تحت اسمه الصريح، «يتبنى بفخر، تلك القيم ويدافع عنها»، مهيباً بالناخبين العرب والمسلمين الأميركيين دعمه والتصويت له. وقال: «إن مسؤوليتنا لا تتمثل في دعمه فقط من أجل التأهل إلى الجولة النهائية، وإنما الاستمرار في تأييده حتى يربح الانتخابات العامة في نوفمبر 2026»، منوهاً بأهمية انخراط أكبر عدد ممكن من المتطوعين في حملته من أجل ضمان فوزه، أسوة بحملة ممداني التي لعب فيها العدد الضخم من المتطوعين دوراً حاسماً في فوزه المفاجئ.
وفي الإطار، أوضح رئيس محكمة ديربورن القاضي سالم سلامة بأن العرب والمسلمين في الولايات المتحدة يتشاركون مع بقية الأميركيين العديد من القيم الأساسية، كقيم العدالة والحرية والديمقراطية، مؤكداً على أهمية دعم المجتمعات العربية والإسلامية في ولاية ميشيغن للمرشح المصري الأصل بـ«الأموال والأصوات»، وقال: «لقد أثبت عبدول التزامه بتلك القيم والمبادئ، كما أثبت خلال مسيرته المهنية بأنه يمتلك الكفاءة والمؤهلات للخدمة العامة، ولذلك فنحن هنا للتعبير عن تأييد حملته وثقتنا بقدرته على الفوز وتمثيل ولايتنا في الكابيتول الأميركي».
من جانبها، أشادت محامية الاستئناف العام السابقة بميشيغن، فدوى حمود، بالصورة المشرقة التي أرساها السيد حول العرب الأميركيين خلال حملته لحاكمية ميشيغن عام 2018، والتي وصلت أصداؤها إلى عموم الولايات المتحدة بفضل النتائج الجيدة التي حققها كأول عربي وأول مسلم يخوض انتخابات حاكمية ولاية البحيرات العظمى، وقالت: «لقد أوصلت صورة مجتمعنا الجيدة إلى خارج ولايتنا، وقد عرف الناس في أميركا مجتمعنا من خلال حملتك الرائعة لحاكمية ميشيغن»، مستدركة بالتأكيد: «الآن وأكثر من أي وقت مضى، أنت أفضل من يمثلنا في سباق مجلس الشيوخ الأميركي، ونحن واثقون من قدرتك على الفوز».
ورغم خسارته للجولة التمهيدية في عام 2018، حصد السيد آنذاك، أكثر من 342 ألف صوت، بنسبة تزيد على 30 بالمئة من مجمل الأصوات الناخبة، ليحل في المرتبة الثانية خلف الحاكمة الحالية غريتشن ويتمر التي حسمت تصفيات الديمقراطيين لصالحها بنسبة تقارب 52 بالمئة من الأصوات.
وأثنى محافظ مقاطعة وين، على الدور الإيجابي الذي لعبه السيد أثناء قيادته لقسم الصحة العامة في كبرى مقاطعات الولاية، بين آذار (مارس) 2023 ولغاية نيسان (أبريل) 2025، ووصف أفينز، السيد بأنه «رجل أفعال لا أقوال»، وقال أفينز: «صحيح أننا خسرنا قائداً موهوباً» بسبب استقالته من رئاسة القسم لخوض سباق الشيوخ الأميركي، و«لكننا ربحنا مرشحاً كفوءاً لتمثيل ميشيغن تحت قبة الكابيتول»، مضيفاً بالقول: «سنقف إلى جانبك في هذه الانتخابات لأننا ندعم الرؤى والخدمات التي تعد بها، وإننا نتطلع إلى رؤية التغيير المأمول عندما تفوز بهذا السباق».
أما طرفة، فعبّر عن إيمانه العميق بقدرة السيد على حسم الانتخابات، وقال: «عندما ترشحت لحاكمية الولاية في 2018 لم أدعمك لأنني لم أكن أعرف من أنت، ولكن بعد عملنا معنا في المقاطعة، فأنا على يقين بأن المهارات التي تمتلكها والمبادئ التي تعتنقها تجعل منك المرشح الأفضل في هذا السباق».
وحثّ السبلاني الحضور على التبرع بسخاء للمرشح المصري الأصل، موضحاً بأن الترشح للمناصب العامة يشتمل على ركنين أساسيين، هما الأموال والأصوات، وقال: «عندما ترشح السيد لحاكمية الولاية لم نقدم له الأموال اللازمة لتنشيط حملته الانتخابية، العار علينا لأننا لم نفعل ذلك، صحيح أنه لا يعتمد علينا فقط، ولكن يجب أن نكون في مقدمة الداعمين له».
من الهامش.. إلى قلب المعادلة
وفي مقابلة مع «صدى الوطن»، أشار السيد إلى الدور المتنامي للعرب والمسلمين الأميركيين في ولاية البحيرات العظمى، لافتاً إلى التحولات السياسية التي أفرزتها حملة التصويت بـ«غير ملتزم» خلال الانتخابات الرئاسية العام المنصرم، وقال إن ميشيغن عموماً، والمجتمعات العربية والإسلامية فيها على وجه الخصوص، تمر بلحظة مفصلية تعكس الإحباط العميق من السياسات الحالية في الولايات المتحدة.
وأضاف السيد الذي يحظى بدعم السناتور التقدمي بيرني ساندرز: «الناخبون في جميع أنحاء ميشيغن سئموا من الاضطرار للاختيار بين رفاهيتهم والقرارات التي يتخذها السياسيون.. لقد شاهدنا في حملة التصويت بغير ملتزم تعبيراً صادقاً عن الغضب من استخدام أموال ضرائبنا لإسقاط القنابل في الخارج، بدلاً من الاستثمار في مدارسنا وبنيتنا التحتية وصحتنا».
وأوضح السيد بأن الجاليات العربية والمسلمة في ولاية ميشيغن شعرت بمرارة مزدوجة نتيجة لذلك التوجه، وأضاف: «لقد رأينا تهميشاً واضحاً هنا في الداخل، من المدارس المتدهورة وصولاً إلى الطرق المدمرة والجسور المتهالكة، وفي الوقت نفسه، تعرفنا على أشخاص فقدوا أقاربهم بسبب قنابل وصواريخ أميركية الصنع، وهذا الواقع جعل الكثيرين يقولون بوضوح: نحن لا نريد أن نُجبر على الاختيار بين مبادئنا ومستقبلنا بعد الآن».
وعند سؤاله عن تأثير التجارب التقدمية الأخرى على حملته، أشار السيد إلى فوز ظهران ممداني في نيويورك باعتباره لحظة فارقة وملهمة، وقال: «الناس يريدون الصدق والأصالة.. إنهم يتوقون إلى أمل جديد في السياسة، ومعمداني أثبت أنه من الممكن أن نبني حملات قائمة على ما نريده لمستقبلنا، لا على ماضينا».
ورغم كونه مسلماً يتحدر من عائلة مصرية مهاجرة، لا يرى السيد أن هويته تمثل عائقاً أمام حملته، بل فرصة لتعزيز تمثيل الفئات المهمشة. وقال: «لقد خضتُ حملة على مستوى الولاية سابقاً، وأنا ممتن لتكرار التجربة.. في كل مكان أذهب إليه، ألتقي بأشخاص يقولون لي إن حملتي في سباق الحاكمية كانت مصدر إلهام كبير لهم»، مضيفاً: «بلدنا يمكن ويجب أن يكون أفضل، والبداية تكون بالتركيز على القضايا التي تواجه الطبقة العاملة».
وتابع قائلاً: «هذا بلد رحّب بوالديّ المهاجرين قبل أكثر من أربعين عاماً ومع أن معظم الأميركيين يستقبلون الناس بحرارة، إلا أنهم يركزون على ما يمكن أن تقدمه لهم.. عندما تزورهم في بيوتهم وقاعات نقاباتهم ومجتمعاتهم، فإنهم يرحبون بك خاصة إذا كنتَ مستعداً للاستماع قبل أن تتحدث، وهذا بالضبط ما تقوم عليه حملتنا».
وحول الدور الذي يمكن أن تلعبه المجتمعات العربية والمسلمة في الانتخابات، عبّر السيد عن ثقته بقدرتها على التأثير الحقيقي، مؤكداً أن الوقت قد حان للانتقال من الهامش إلى قلب العملية السياسية. وقال: «لسنوات طويلة، شعر العرب والمسلمون وكأنهم خارج المعادلة السياسية، لكن هذه الحملة تبرهن أن قضاياهم، من أسعار الغذاء إلى الرعاية الصحية إلى إساءة استخدام أموال الضرائب، ليست هامشية، بل أساسية في جميع أنحاء الولاية».
وحذّر السيد من السلبية واللامبالاة قائلاً: «كثيراً ما نشتكي، لكن في يوم الانتخابات لا نشارك.. لدينا اليوم فرصة حقيقية للتأثير، وعددنا كافٍ لإحداث فرق ملموس، نحن نستطيع أن نختار نوع التمثيل الذي نريده، ليس فقط لمجتمعنا، بل لولايتنا وبلدنا بأسره».
وختم السيد بالتأكيد على الرابط الجوهري بين السياسة الخارجية والسياسات الاجتماعية الداخلية، وقال: «إذا أردنا أن نتوقف عن إسقاط القنابل في الخارج، وأن نوفر التعليم والرعاية الصحية لأطفالنا هنا، فعلينا أن نوضح ذلك من خلال صناديق الاقتراع، فكل دولار يُهدر على قنابل تُسقط على أطفال الآخرين، هو دولار لا نُنفقه على أطفالنا، وعلينا أن نتذكّر هذه الحقيقة، وأن نحملها معنا يوم الانتخابات».
نبذة شخصية
عبدول السيد –أو عبدالرحمن السيد– من مواليد ديترويت عام 1984 لأبوين مهاجرين من مصر. تخرج عام 2003 من ثانوية «أندوفر» في بلومفيلد هيلز ليلتحق بـ«جامعة ميشيغن»، حيث درس علم الأحياء وعلوم السياسة وتخرج بامتياز، ومنح شرف إلقاء كلمة الطلاب الخريجين أمام الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 2007.
حصل السيد الذي تميز بمهاراته الرياضية في لعبة «لاكروس»، على منحة دراسية كاملة للأطباء بكلية الطب في «جامعة ميشيغن»، قبل أن يتمرد على منصة الكلية التقليدية وينتقل إلى جامعة أوكسفورد، حيث أكمل درجة الماجستير في الصحة العامة عام 2011. وفي عام 2014، نال درجة الدكتوراه في الطب من كلية الطب والجراحة بـ«جامعة كولومبيا»، بتمويل من برنامج «زمالة سوروس للأميركيين الجدد»، لكنه لم يتابع الإقامة الطبية وبالتالي فهو غير مرخص لممارسة الطب.
وعمل السيد في القطاع الصحي وعلم الأوبئة قبل أن ينضم إلى القطاع الحكومي بتعيينه مديراً لدائرة الصحة العامة في بلدية ديترويت من عام 2015 حتى استقالته عام 2017، حين أعلن ترشحه لمنصب حاكم ميشيغن، قبل أن يؤسس لجنة «ساوثباو» للعمل السياسي، بهدف المساعدة في انتخاب المرشحين التقدميين في ميشيغن.
عين رئيساً لقسم الصحة العامة في مقاطعة وين في بدايات 2023، واستمر فيها حتى استقالته في نيسان (أبريل) الماضي، تمهيداً لخوض سباق مجلس الشيوخ الأميركي في ولاية ميشيغن.
Leave a Reply