ديربورن
في لفتة مؤثرة تعكس عمق التقدير والعرفان لأول امرأة عربية أميركية مُنتخبة في تاريخ المدينة، قامت بلدية ديربورن –الخميس الفائت– بإعادة تسمية أحد مبانيها العامة باسم عضوة المجلس البلدي السابقة سوزان سرعيني، في حفل ضم عديد المسؤولين المحليين والفعاليات الأهلية.
وكان مجلس مدينة ديربورن قد صادق بالإجماع على تغيير تسمية مبنى «هابرد مانور إيست»، المخصص لإسكان المسنين في شرقي ديربورن، ليحمل «سوزان سرعيني» تكريماً للمسؤولة اللبنانية الأصل التي انتخبت لعضوية مجلس مدينة ديربورن لست مرات متتالية ابتداء من عام 1989، والتي «خدمت على مدار 24 عاماً مجتمعها بإخلاص وتفانٍ ونزاهة»، بحسب مسؤولي المدينة.
وخلال الحفل، أشاد رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود بإرث «سوزان سرعيني العظيم» والدور الملهم الذي لعبته في تشجيع الأجيال الجديدة من العرب الأميركيين على الانخراط في الخدمة العامة، وقال: «إنه ليوم جميل ومناسبة رائعة أن نجتمع هنا اليوم لإعادة تسمية هذا المبنى باسم شخص قدّم الكثير، ليس فقط للمجتمع، بل لعدد كبير من الحاضرين هنا، ممن استلهموا مسيرتها لدخول مجال الخدمة العامة»، في إشارة إلى المسؤولين والمنتخبين العرب الأميركيين الذين حضروا فعالية التكريم.
وأضاف رئيس البلدية اللبناني الأصل، ممازحاً: «بالطبع، لولا سوزان سرعيني لم يكن لدينا اليوم مايك سرعيني»، في إشارة إلى نجلها الذي يترأس مجلس المدينة حالياً، متابعاً بأنه «لولا سوزان سرعيني أيضاً لما كنتُ أنا لأتحدث اليوم من على هذا المنبر».
وذكّر حمود بالإنجاز التاريخي الذي حققته سوزان عندما تم انتخابها لعضوية مجلس مدينة ديربورن لأول مرة أواخر ثمانينيات القرن الماضي، مشيراً إلى مكانتها الريادية في تاريخ العرب الأميركيين في عموم منطقة ديترويت، وقال: «لقد كانت أول عربية أميركية يتم انتخابها في الولاية، وهو ما ألهم الكثيرين منا للسير في هذا الطريق»، مستدركاً بالتأكيد على أن سرعيني لم تكن مجرد مسؤولة منتخبة، وإنما كانت رائدة ومبتكرة مهدت الطريق أمام الأجيال العربية الأميركية المتعاقبة لدخول عالم السياسة والخدمة العامة.
كما أشاد حمود بالتزام سرعيني وتفانيها وإخلاصها في العمل العام خلال عضويتها الطويلة بمجلس مدينة ديربورن، وقال: «يا لها من بركة أنك مازلت ناشطة ومنخرطة في فعالياتنا المجتمعية حتى الآن؟»، مشيراً إلى أن تكريم الشخصيات العظيمة غالباً ما يتم بعد رحيلهم بعقود لتخليد إرثهم، ومستدركاً بالقول: «لكننا ارتأينا تكريمك اليوم.. إذ لا شيء أجمل من أن تكوني بيننا، وأن تحضر عائلتك إلى هنا لنفاجئك بإطلاق اسمك على هذا المبنى».
من جانبه، عبّر رئيس مجلس مدينة ديربورن، مايك سرعيني، عن شكره العميق لأعضاء المجلس الذين وافقوا بالإجماع على إعادة تسمية مبنى «هابرد مانور إيست» باسم والدته، وقال ممازحاً: «هذا الأمر ليس سيئاً بالنسبة لفتاة نشأت في منطقة الساوث أند، وانتهى المطاف بها كأول عضوة عربية أميركية بمجلس مدينة ديربورن».
واستعرض مايك جانباً من المسيرة السياسية لوالدته التي ترشحت لأول مرة في سباق مجلس المدينة في 1985 دونما نجاح، ولكنها أعادت المحاولة في عام 1989 حيث تمكنت من الفوز في السباق، لتصبح حينها نائبة رئيس المجلس، لافتاً إلى أن عدد الناخبين العرب الأميركيين لم يتجاوز حاجز الأربعة آلاف ناخب في ذلك الوقت.
ونوّه مايك بالدور الحيوي الذي لعبته والدته خلال خدمتها في مجلس المدينة في دعم الأعمال التجارية في منطقة الساوث أند، وفي عموم المدينة، والتي ساهمت في إطلاق «المهرجان العربي الأميركي» في مدينة ديربورن في عام 1995، وازدهاره لعدة سنوات قبل توقفه نهائياً في عام 2013.
وختم مايك كلمته بشكر مسؤولي المدينة على تكريمهم لوالدته، وقال: «إنه لشرف عظيم لي ولكافة أفراد عائلتي أن يُسمى هذا المبنى باسم والدتي، وأنا ممتن لجميع المسؤولين ولرئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود لجعل هذا الأمر ممكناً»، متوجهاً لوالدته بالقول: «أمي، نحن نحبك كثيراً، وهذا أقل ما يمكن أن نفعله لك».
وفي كلمة مؤثرة، شكرت سوزان سرعيني حكومة المدينة على تكريمها «الجميل والمفاجئ»، وقالت: «في الحقيقة، لم أكن مستعدة لهذا الأمر، لم يكن لدي أدنى فكرة بأن هذا سيحصل، ولذلك شكراً لكم جميعاً»، مضيفة: «لديكم في مدينة ديربورن رئيس بلدية عظيم، فكونوا ممتنين لذلك».
وأعربت سوزان عن امتنانها لمبادرة بلدية ديربورن بإطلاق اسمها على مبنى إسكان المسنين بشرقي المدينة، وقالت: «هذا الأمر يعني الكثير بالنسبة لي وبالنسبة لعائلتي».
واستذكرت سوزان مرحلة الترشح لأول مرة في ثمانينيات القرن المنصرم، وقالت: «في بداية الأمر، لم أتخيل مطلقاً بأنني سأخوض تلك الانتخابات وأنني سأفوز بها، ولكن عندما خطرت الفكرة ببالي، بدأت العمل حتى تم انتخابي في نهاية المطاف»، مضيفة: «عندما ترشحت في تلك الأيام، كان الأمر مختلفاً تماماً بالنسبة لمرأة تسعى للخدمة العامة، ناهيك عن كوني عربية ومسلمة… وكافة المواصفات التي لا تنسجم مع مرشح مثلي لمنصب حكومي».
وأضافت: «لكن، الحمد لله، لقد اتخذت القرار وقررت مواصلة العمل، وقد ساعدني المجتمع العربي الأميركي بكافة مؤسساته وفعالياته، بما فيها النادي اللبناني الأميركي حينها، وكامل مجتمع الساوث إند الذي اعتبره عائلتي الكبيرة». وقالت: «شكراً لهم جميعاً وشكراً لجميع من ساعدني في الوصول إلى المقعد الذي شغلته طيلة 24 عاماً في المجلس البلدي، والشكر موصول اليوم لجميع المسؤولين والفعاليات الذين عملوا على تسمية هذا المبنى باسمي»، مهيبة بمجتمع المدينة التصويت لكل من رئيس البلدية ورئيس المجلس البلدي في انتخابات العام الجاري.
وفي ختام الحفل، قام رئيس البلدية بقص الشريط الحريري أمام اللافتة الجديدة التي حملت اسم «سوزان سرعيني» أمام مبنى إسكان المسنين الواقع على العنوان: 5500 شارع كالهون في شرق مدينة ديربورن، وسط أجواء من الفرح والامتنان تخللها التقاط الصور التذكارية مع سرعيني التي باتت تمثل إحدى العلامات الفارقة في تاريخ العرب الأميركيين بمنطقة ديترويت.
Leave a Reply