هل تسلك سوريا مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؟
التقرير الأسبوعي
في ختام زيارة استمرت لأربعة أيام إلى واشنطن، وتخللتها مباحثات يومية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأركان إدارته، أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، موافقة ضمنية على اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل جزئي للأسرى مع «حماس»، مهدداً باستئناف حربه الوحشية، في حال لم توافق الحركة على نزع سلاحها والتخلي عن السلطة في القطاع المنكوب.
وجاء موقف نتنياهو، بالتزامن مع استمرار المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و«حماس» في الدوحة، كنتيجة مباشرة لضغوط الرئيس ترامب الذي طالب بالتوصل إلى اتفاق –في غضون الأسبوع القادم– استناداً إلى مسوّدة مدعومة من الولايات المتحدة، تنص على هدنة أولية مدّتها 60 يوماً وتشمل تبادلاً جزئياً للأسرى.
وإذ أبدى نتنياهو ليونة تجاه مفاوضات الهدنة المؤقتة، إلا أنه وضع شروطاً تعجيزية لعدم استئناف الحرب، مؤكداً أنه لا يمكن تحقيق صفقة شاملة لتبادل الأسرى حالياً، كما يرغب ترامب وأهالي الأسرى. وقال، يوم الخميس الماضي، إن مفاوضات إنهاء الحرب في غزة ستبدأ فور بداية الهدنة، محذراً من أنه «إذا لم يتم نزع سلاح حماس وتفكيك الحركة خلال فترة 60 يوماً، فسنعود للقتال».
وقال نتنياهو في تصريحات من الكونغرس إنه يريد اتفاقاً بشأن غزة، لكنه شدد على أن ذلك «لن يكون بأي ثمن»، موضحاً أنه يعمل مع ترامب لتحقيق المتطلبات الأمنية لإسرائيل.
وقال نتنياهو، في مقطع فيديو مسجّل نشره عبر منصة «أكس» قبيل مغادرة واشنطن، إنّ «أي اتفاق دائم يجب أن يتم وفق الشروط الدنيا التي وضعتها إسرائيل، والتي تتضمّن نزع سلاح حماس بالكامل، وإزالة أي قدرة عسكرية أو سلطوية للحركة في قطاع غزة»، مشيراً إلى أنّ «إسرائيل نجحت في تفكيك معظم القدرات العسكرية لحماس، لكن ليس جميعها»، علماً بأنه خلال زيارة نتنياهو إلى واشنطن، شهدت قوات الاحتلال خسائر كبيرة في صفوفها نتيجة لكمائن المقاومة الفلسطينية، لاسيما في بيت حانون، التي من المفترض أنها تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي بالكامل.
وأضاف نتنياهو، الذي لم يعقد مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع ترامب، أنّ حكومته «تبذل جهوداً مكثفة للتوصل إلى اتفاق يشمل إطلاق سراح عدد من الأسرى، سواء الأحياء أو جثامين القتلى، مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، على أن تُستأنف المفاوضات خلال هذه الفترة للتوصل إلى اتفاق دائم يُنهي الحرب الجارية».
وأكد نتنياهو أنّ إسرائيل «عازمة على إعادة جميع الأسرى»، مشدّداً على أنّ «هذا هو الالتزام» الذي قطعه لعائلاتهم. ورأى أنّه «إذا أمكن تحقيق هذه الشروط عبر المفاوضات، فذلك أمر إيجابي. أمّا إذا لم يتحقق خلال 60 يوماً، فسنعمل على تحقيقه بوسائل أخرى، في مقدّمتها القوة العسكرية».
وأشار نتنياهو إلى أنّ «الأمر نفسه ينطبق على إيران… فإذا تمّ التوصل إلى اتفاق بشأن ملفها النووي، خلال 60 يوماً من المفاوضات بين واشنطن وطهران، فهذا جيد. وإن لم يتحقق، فسنعمل على تحقيقه بطريقة أخرى».
في غضون ذلك، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو تفاؤل واشنطن بشأن التوصل إلى اتفاق، وأشار إلى أن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف متفائل أيضاً. وأضاف روبيو «أعتقد أننا بتنا أقرب مما كنا عليه قبل مدة، ما زالت هناك تحديات، ومن التحديات الأساسية عدم رغبة حماس في نزع السلاح، يجب ألا تكون هناك أي رهينة، يجب الإفراج عن كل الرهائن، إذا أفرجوا عن الرهائن ونزعوا سلاحهم ينتهي كل شيء».
ورداً على نتنياهو، قالت حركة «حماس» إن تصريحاته التي أبلغ فيها عائلات الأسرى بعدم إمكانية التوصّل إلى صفقة شاملة تؤكّد «نواياه الخبيثة والسيئة».
وفي بيان لها، قالت الحركة إن «مجرم الحرب نتنياهو يضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق يُفضي إلى إطلاق سراح الأسرى ووقف العدوان على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة». وأضاف البيان أن حماس «عرضت في وقت سابق التوصل إلى صفقة تبادل شاملة، يتمّ خلالها الإفراج عن جميع الأسرى دفعة واحدة، مقابل اتفاق يُحقق وقفاً دائماً للعدوان، وانسحاباً شاملاً لجيش الاحتلال، وتدفقاً حرّاً للمساعدات، لكن نتنياهو رفض هذا العرض في حينه، وما يزال يراوغ ويضع المزيد من العراقيل».
وختمت الحركة بيانها بأنها «تواصل تعاملها الإيجابي والمسؤول في المفاوضات، للتوصل إلى اتفاق يُفضي إلى وقف العدوان، وانسحاب جيش الاحتلال، وتدفّق المساعدات دون عوائق، حتى يتمكن شعبُنا من إعادة الإعمار والحياة بكرامة، مقابل إطلاق سراح أسرى متبادل».
ونقلت وكالة «فرانس برس»، بأنّ الوسطاء في الدوحة «يتنقّلون بين الطرفين لتبادل الأفكار، بهدف سدّ الفجوات المتبقية والحفاظ على الزخم للتوصل إلى الاتفاق».
وكانت «حماس» قد أعلنت، معارضتها لاتفاق هدنة يُبقي على الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة، مع موافقتها على الإفراج عن عشرة أسرى محتجزين في القطاع. ومن بين 251 أسيراً إسرائيلياً من عملية «طوفان الأقصى، لا يزال 49 محتجزين في غزة، بينهم 27 أعلنت إسرائيل أنهم قُتلوا.
وبانتظار الصيغة النهائية المرتقبة من محادثات الدوحة، ومقابل نبرة التهدئة التي حاول نتنياهو اعتمادها، واصل وزراء اليمين المتطرف دعواتهم لرفض التفاوض، إذ قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير «إنه كلما ازداد التفاوض على صفقات متهورة تزداد دوافع حماس لتنفيذ مزيد من عمليات الخطف».
ودعا بن غفير إلى وقف السعي نحو صفقة، قائلاً إن حياة الجنود الإسرائيليين وسكان الجنوب أهم من أي تطبيع أو اتفاقيات اقتصادية، مضيفاً «أقول لنتنياهو ممنوع التفاوض مع حماس، بل يجب سحقها».
وفي السياق نفسه، حذّر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش من أن الانسحاب من مناطق سيطر عليها الجيش الإسرائيلي في غزة يعد طعنة في ظهر الجنود وعائلات من سقطوا في المعارك.
وتحت ضغوط اليمين المتشدد، يخشى المراقبون من أن تتعثر مفاوضات الدوحة بسبب تمسّك الكيان الصهيوني باحتلال ثلث القطاع، وسط خلافات حادّة وتلاعب سياسي يهدّد بانهيار المسار التفاوضي.
ففي مقابل إصرار «حماس» على الانسحاب الكامل من القطاع، تسعى إسرائيل للاحتفاظ بالسيطرة على نحو ثلث القطاع، بما في ذلك محور موراغ بين مدينتي رفح وخان يونس، بالإضافة إلى الإبقاء على نظام توزيع المساعدات المثير للجدل، الذي تتولاه ما تدعى «مؤسسة غزة الإنسانية» وتدعمه الولايات المتحدة.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في غزة، تشمل قتلاً وتجويعاً وتدميراً وتهجيراً، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها. وقد خلّفت هذه الحرب أكثر من 195 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح –معظمهم أطفال ونساء– وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم أطفال، فيما تواصل المقاومة التصدي لقوات الاحتلال، منزلةً بها خسائر فادحة، لاسيما خلال الأسبوع الماضي.
وبحسب بيانات الجيش الإسرائيلي، قتل 888 ضابطاً وجندياً منذ بداية حرب غزة. كما أصيب 6,060 آخرين.
اليمن يصعّد
في موازاة تصعيد العمليات البحرية في البحر الأحمر، ومواصلة استهداف عمق الكيان بالصواريخ والمسيرات، شدّد قائد حركة «أنصار الله»، السيد عبدالملك الحوثي، على أن «قرار الحظر على العدو الإسرائيلي في الملاحة عبر البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب هو قرار مستمر في كل المراحل». وأشار في كلمة متلفزة، إلى أن «عملية الرصد مستمرة. وما استجدّ في البحر الأحمر يعود إلى مخالفة بعض الشركات قرار الحظر»، مؤكّداً أن قوات بلاده «لن تسمح بإعادة تشغيل ميناء أم الرشراش (إيلات)».
واعتبر الحوثي أن إغراق السفينتين «ماجيك سيز» و«إتيرنيتي سي» في عرض البحر الأحمر، الأسبوع الماضي، هو «رسالة ودرس واضح لكل شركات النقل البحري التي تتحرّك للنقل لصالح العدو الإسرائيلي. وعليها الإدراك أن أي شركة ملاحية سوف تتورّط في نقل البضائع والأسلحة إلى العدو ستواجه الردع»، لافتاً إلى أن «قوات صنعاء البحرية والجوية استخدمت 45 صاروخاً فرط صوتي وباليستياً وطائرة مُسيّرة وزورقاً حربية في عملياتها الأسبوع الماضي ضد أهداف في عمق فلسطين المحتلة، منها يافا (تل أبيب)، وأسدود، وعسقلان، وأم الرشراش».
وجدّدت قوات صنعاء، استهداف مطار «بن غوريون»، بصاروخ باليستي من طراز «ذو الفقار». ووفقاً لبيان المتحدّث باسم القوات اليمنية، العميد يحيى سريع، فإن العملية أوقفت الحركة الملاحية في المطار، ودفعت جبهة العدو الداخلية إلى تشغيل صفارات الإنذار في 300 مستوطنة في منطقة تل أبيب وأنحاء أخرى من فلسطين المحتلة. وخلافاً لمزاعم جيش الاحتلال عن اعتراضه الصاروخ اليمني، أكّد سريع أن الأخير حقّق هدفه بنجاح.
سوريا تطبّع؟
شطبت واشنطن «هيئة تحرير الشام»، من قوائم الإرهاب، فيما أعلنت بدء تواصل مباشر بين دمشق وتل أبيب، في تمهيد لمسار التطبيع بمباركة الرئيس ترامب، بينما تلتزم الإدارة السورية الجديدة الصمت حيال السيناريوهات التي يجري تسريبها حول ما يمكن التوصّل إليه من اتفاقات أمنية واستخباراتية مع إسرائيل، كمرحلة أولى.
وبالتزامن مع شطب «هيئة تحرير الشام»، التي تحكم سوريا حالياً، من قوائم الإرهاب، وتأكيد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، من بيروت، بدء المحادثات المباشرة بين الإدارة السورية الجديدة وتل أبيب، قصد الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، الإمارات العربية المتحدة، في زيارة هي الثانية من نوعها منذ اعتلائه الحكم، في مؤشر إضافي على هندسة اتفاق يفضي إلى انضمام سوريا إلى ما يُعرف بـ«اتفاقات آبراهام» التي رعاها ترامب، في ولايته السابقة، وأفضت إلى أكبر موجة تطبيع عربية، شملت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
وفي مرحلته الأولى، يهدف الحوار إلى التوصّل إلى اتفاقات أمنية تتم خلالها حلحلة بعض المشكلات بين الطرفين، في ظل إعلان إسرائيل تمسّكها بالجولان السوري، ومساعيها لتجذير وجود عسكري طويل الأمد في المناطق التي احتلّتها بعيد سقوط نظام بشار الأسد، والتي تشمل مساحات واسعة من القنيطرة وريفَي دمشق ودرعا، بما فيها من مرتفعات جبلية استراتيجية، ومنابع المياه العذبة.
وفي وقت تلتزم فيه الإدارة الجديدة في سوريا، الصمت، بدا قرار الولايات المتحدة شطب «هيئة تحرير الشام» من قوائم الإرهاب بالتزامن مع زيارة مبعوثها إلى بيروت وإعلانه بدء التواصل بين الإدارة السورية وتل أبيب، بمثابة دفعة أميركية لمسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً أن القرار موقّع بتاريخ 23 من حزيران الماضي.
كما قدّمت واشنطن مسوّدة قرار تقضي بشطب اسم الشرع وجماعته من قوائم الإرهاب الأممية، على أن يتم تنفيذ هذا الإجراء قبل شهر أيلول المقبل، والذي سيشهد مشاركة الرئيس الانتقالي في اجتماعات الأمم المتحدة، باعتباره أول رئيس سوري يتحدّث من على منبر الأمم المتحدة في نيويورك منذ نحو ستين عاماً.
ولم تستبعد «القناة 24» الإسرائيلية، الثلاثاء الماضي، عقد لقاء بين نتنياهو والشرع في واشنطن، قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.
من جهته، كشف موقع «إسرائيل هيوم» نقلاً عن مصادر مقربة من البيت الأبيض، أن مبعوث ترامب توجه إلى العاصمة دمشق بهدف استكمال الاتفاق بين إسرائيل وسوريا خلال أيام بضمانة أميركية. وأشار الموقع إلى أن ترامب يقايض نتنياهو باتفاق بين إسرائيل وسوريا مقابل الموافقة على اتفاق ينهي الحرب في غزة.
لبنان ينتظر
وجّهت واشنطن رسالتها الأوضح إلى لبنان منذ سنوات عبر الموفد الرئاسي توم باراك، الذي حمل ورقة شروط سياسية وأمنية تحت غطاء التسوية، عنوانها: نزع سلاح «حزب الله» خلال خمسة أشهر، مقابل انسحاب إسرائيلي متدرج، وإطلاق مسار اقتصادي ومالي مشروط بالإصلاحات.
هذه النقاط ليست جديدة بالكامل، لكنها مركّبة بطريقة تحمّل الدولة اللبنانية مسؤولية التنفيذ ضمن مهلة قصيرة، بلا ضمانات، وبلا خطة واضحة لتفادي الانهيار السياسي أو الأمني، وهو ما قوبل بتحفظات لبنانية. وبعد أن تسلّم المبعوث الأميركي، الرد اللبناني خلال زيارته إلى بيروت الأسبوع الماضي، ينتظر اللبنانيون خطوة واشنطن التالية، في ظل تمسك «حزب الله» بسلاحه كعنصر قوة للبنان بمواجهة الخطر الإسرائيلي جنوباً، والتهديدات المستجدة على الجانب السوري شرقاً وشمالاً.
وفي الملف الإيراني، حيث لوح نتنياهو من واشنطن بإمكانية شن عدوان جديد على طهران، في حال قررت إعادة تفعيل برنامجها النووي، أكد وزير الخارجية الإيراني استعداد بلاده للحوار النووي مع الولايات المتحدة، مشدداً على أن القدرة الصاروخية الإيرانية غير قابلة للتفاوض باعتبارعا «قوة دفاعية ورادعة» حسبما أكدت مجريات الحرب الأخيرة ضد إسرائيل.
وأكد الوزير عباس عراقجي، في مقابلة مع مجلة «لوموند» الفرنسية، أن إيران لا تزال منفتحة على الحوار مع الولايات المتحدة بشأن الملف النووي، لكنها «تشترط حصول طهران على ضمانات واضحة ضد أي عدوان، إلى جانب التزام واشنطن بالاحترام المتبادل والاعتراف بأخطائها السابقة». وكان ترامب قد تحدث عن رغبة طهران بالتفاوض، متوقعاً استئناف المحادثات في غضون أسبوعين، وفق تعبيره.
Leave a Reply