بعد اضطرارها سابقاً إلى إسقاط تهم عن المحتجين في جامعة آناربر
لانسنغ
رغم الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها في الآونة الأخيرة، تواصل المدعية العامة لولاية ميشيغن، دانا نسل، مطاردة النشطاء المؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني، باستخدام نمط من الترهيب والقمع، بحسب ائتلاف «التحرير»، الذي كشف عن زيارات قامت بها الشرطة وممثلون عن مكتب نسل لمنازل اثنين من الناشطين في وقت سابق من شهر تموز (يوليو) الجاري.
وبالفعل، صدرت أوامر استدعاء بحق الناشطَين للمثول أمام مكتب الادعاء العام في 30 يوليو الحالي، في إطار تحقيق جارٍ بشأن «أعمال تخريبية» استهدفت حرم «جامعة ميشيغن» ومكاتب ومنازل أعضاء في مجلس أمناء الجامعة، من داعمي دولة الاحتلال الإسرائيلي وعدوانها المستمر على قطاع غزة.
وجاءت مذكرات الاستدعاء عقب مداهمات وقعت في نيسان (أبريل) المنصرم واستهدفت منازل نشطاء بمدن آناربر وكانتون وإبسيلانتي، حيث قام عملاء من مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) ودوائر الشرطة المحلية بتوقيف تسعة أشخاص، ومصادرة أجهزة إلكترونية وممتلكات شخصية. وفي إحدى المداهمات، تم تحطيم باب أحد المنازل واقتحامه دون إبراز مذكرة تفتيش، وفقاً لائتلاف «التحرير» الذي يضم تجمعاً واسعاً من المنظمات الطلابية في «جامعة ميشيغن».
قمع وترهيب
تقول المدعية العامية اليهودية الأميركية إن مكتبها يواصل تحقيقاته لملاحقة النشطاء الذين يقفون وراء الكتابات الجدارية المؤيدة لفلسطين في مواقع متعددة، وذلك بعد أشهر من اضطرارها إلى إسقاط التهم التي وجهتها سابقاً إلى نشطاء آخرين تم اعتقالهم خلال الاحتجاجات ضد إسرائيل في حرم «جامعة ميشيغن» .
ولفت ائتلاف «التحرير» –الذي يتكون بشكل رئيسي من طلاب في «جامعة ميشيغن»– إلى تعمّد مكتب نسل، ترهيب النشطاء من خلال إرسال عناصر الشرطة إلى المنازل لإبلاغ مذكرات الاستدعاء.
وتسلم أحد أعضاء الائتلاف، في 17 يوليو الجاري، المذكرة من قِبل عناصر شرطة آناربر الذين حضروا إلى منزله في المدينة. وبعد ساعات قليلة، حضر «عملاء خاصون» تابعون لنسل –دون سابق إنذار– إلى منزل عائلة عضو آخر في وست بلومفيلد، رغم علمهم مسبقاً بأنه لا يقيم هناك، وتركوا رسالة تُحذّر من أن عدم تلقي أمر الاستدعاء قد يؤدي إلى «انتقام من القاضي».
وقال الائتلاف إن هذه الأساليب ما هي إلا جزء من جهد متواصل لإسكات المعارضة بعد أن أُجبرت نسل في وقت سابق من العام الجاري على إسقاط جميع التهم الموجهة ضد متظاهري «جامعة ميشيغن» الذين تم اعتقالهم في ربيع العام 2024.
ورغم ذلك، تبدي المسؤولة الديمقراطية إصراراً واضحاً على ملاحقة النشطاء والطلاب المؤيدين لفلسطين في «جامعة ميشيغن» متجاوزةً بذلك، مكاتب الادعاء المحلية في المدن والمقاطعات ذات الصلة.
ومازال أمام نسل، قرابة عام ونصف قبل مغادرة منصبها على رأس مكتب الادعاء العام في ولاية ميشيغن، فيما يكتنف الغموض مصير مستقبلها السياسي مع عدم إعلان ترشحها لأي منصب آخر حتى الآن.
وبحسب دستور ميشيغن، لا يحقّ لنسل الترشح للاحتفاظ بمنصب المدعي العام لفترة ثالثة، بعد فوزها في دورتي 2018 و2022.
وقالت ليز جاكوب، المحامية في مركز «شوغر» القانوني، الذي يمثل ائتلاف «التحرير» في عدد من الدعاوى القضائية ضد «جامعة ميشيغن»: «هذه المحاولات لترهيب واستهداف وإسكات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين، لها تداعيات خطيرة على كل مواطن في ميشيغن». وحذرت من أنه «إذا لم يتمكن الناس من التحدث بحرية ضد انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الإنسان والإبادة الجماعية والفصل العنصري، دون مواجهة قمع حكومي، فإن حرية التعبير لكل شخص في ميشيغن معرضة للخطر».
وفي بيان مشترك صدر يوم الاثنين الماضي، أكدت منظمة «طلاب متحالفون من أجل الحرية والمساواة» SAFE، وفرع «جامعة ميشيغن» من منظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين»، أن محاولات «عزل الأفراد عبر الترهيب هي حيلة واضحة لتفتيت الحركة الجماهيرية من أجل تحرير فلسطين، وسحب استثمارات الجامعات من دولة الاحتلال، والمطالبة بحظر شامل على بيع الأسلحة لإسرائيل».
وأضاف البيان: «لكن كما رأينا مراراً وتكراراً، بدءاً من إطلاق سراح محمود خليل من مركز احتجاز تابع لإدارة الهجرة والجمارك الأميركية، وصولاً إلى التهم التي أُجبرت نسل على إسقاطها سابقاً، فإن القمع لن يزيدنا إلا قوة»، مؤكداً أنه «طالما بقي شعب فلسطين ثابتاً في نضاله من أجل التحرير وحق العودة، فإننا نستمد عزيمتنا منه وسنواصل النضال».
الحركة الاحتجاجية مستمرة
تأتي الجولة الجديدة من أوامر الاستدعاء في أعقاب سلسلة من المواقف المحرجة التي تعرضت لها نسل وإدارة الجامعة التي استدعت الشرطة لقمع الاحتجاجات الطلابية ضد إسرائيل، في ربيع 2024.
ففي أيار (مايو) المنصرم –أي بعد عام كامل على فض المخيم التضامني مع غزة في حرم الجامعة المركزي بمدينة آناربر– أسقطت نسل قائمة تهم جنائية وجنح مدنية كانت قد وجهتها إلى 12 متظاهراً.
وجاء تراجع نسل «التكتيكي»، بعد أن انتقدت المحكمة، الملاحقات القضائية وسط شبهات بعلاقات سياسية ومالية تجمع نسل مع مجلس أمناء الجامعة، بحسب تقرير نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية. وتبين أن ستة من أصل ثمانية أعضاء في مجلس الأمناء قد تبرعوا سابقاً لحساب حملات نسل الانتخابية، كما كان أحدهم رئيساً مشاركاً في حملتها الانتخابية عام ٢٠١٨.
وكان أعضاء مجلس أمناء «جامعة ميشيغن» قد طالبوا بتشديد العقوبات على الطلاب المتظاهرين، وطلبوا تدخل الولاية بعد أن رفض المدعون المحليون في مقاطعة واشطنو توجيه أية اتهامات إلى المتظاهرين.
وجاء قرار إسقاط التهم عن المحتجين الذين تم اعتقالهم في حرم الجامعة، عقب أشهر من ردود الفعل الشاجبة التي أصدرتها جماعات الحقوق المدنية ومسؤولون منتخبون بحق المدعية العامة.
وبينما نفت نسل، أي دور للروابط السياسية، وأصرت على أن قراراتها استندت إلى سلوك إجرامي، وليس إلى الاحتجاجات المكفولة دستورياً، أكد محامون بارزون في مجال الحريات المدنية أن سلوك المدعية العامة يثير مخاوف بشأن الانتقائية في تطبيق القانون والتحيز السياسي.
وقد واجهت نسل خلال ظهورها في عدد من الفعاليات، احتجاجات عارمة وصيحات استهجان بسبب ملاحقة الطلاب والمحتجين ضد إسرائيل، بما في ذلك، خلال إلقاء كلمتها ضمن مؤتمر الحزب الديمقراطي بميشيغن الذي أقيم في مدينة ديترويت خلال شهر شباط (فبراير) الماضي، حيث اضطرت نسل إلى مغادرة المؤتمر غاضبة، وفقاً لصحيفة «ديترويت مترو تايمز».
سلسلة انتصارات
يقول النشطاء في «ائتلاف التحرير» إن أوامر الاستدعاء الجديدة، إلى جانب الإجراءات التأديبية المستمرة التي تتخذها «جامعة ميشيغن» ضد الطلاب المؤيدين لفلسطين، تُمثل تصعيداً مقلقاً في تعامل الولاية مع حركة الاحتجاج.
كما يؤكد نشطاء الائتلاف أن أساليب الولاية القمعية لن تثني عزيمتهم عن مواصلة الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، مشيرين إلى سلسلة الانتصارات الأخيرة التي تحققت مؤخراً، وفي مقدمتها، إسقاط التهم عن الطلاب المتظاهرين، واستقالة رئيس الجامعة سانتا أونو، فضلاً عن قرار الجامعة بإلغاء جميع عقودها مع الشركات الأمنية التي كانت تستعين بها لنشر مخبرين سريين بملابس مدنية لمراقبة الطلاب المؤيدين لفلسطين والتضييق عليهم، بحسب تقرير لصحيفة «الغارديان» أيضاً.
وقال ائتلاف «التحرير» في بيان: «ندين بشدة، هجوم مجلس أمناء جامعة ميشيغن ونسل على النضال الشعبي من أجل تحرير فلسطين، وسنظل ثابتين على مطالبنا، بغض النظر عن القمع والترهيب»، مجدداً نداءه إلى مقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
Leave a Reply