التقرير الأسبوعي
دون أي اكتراث بحقوق الإنسان أو المجتمع الدولي أو حتى بأرواح الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، يمعن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في حربه الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، مستنداً إلى حالة الوهن والارتهان العربي، و«التطنيش» الأميركي الذي أصبح السمة الطاغية على موقف الرئيس دونالد ترامب من حرب الإبادة المتصاعدة، منذ عودة نتنياهو من زيارته الأخيرة إلى البيت الأبيض في تموز (يوليو) الماضي.
وتأكيداً على رغبته الجامحة بمواصلة العدوان، صادق نتنياهو الأسبوع الماضي على خطط جيش الاحتلال للسيطرة على مدينة غزة، ضارباً بعرض الحائط موافقة حركة «حماس» على مقترح مصري–قطري بوقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 60 يوماً وتبادل الأسرى في إطار صفقة جزئية.
وفي ظل تصاعد الاحتجاجات الداخلية ضد الحرب وانحدار سمعة إسرائيل إلى الحضيض في العالم، أرفق نتنياهو قرار احتلال غزة بتصريح قال فيه إنه أصدر أوامر «بالبدء الفوري» في مفاوضات لإطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة وإنهاء الحرب «بشروط مقبولة لإسرائيل».
وأجمعت وسائل إعلام عبرية على أن تصريح نتنياهو، هو بمثابة تأكيد لمواصلة حرب غزة وتوسيع دائرتها، ومواصلة المراوغة بشأن إبرام الصفقة، بعدما تجاهل المقترح الذي سلمه الوسطاء منذ الاثنين الماضي بخصوص التهدئة ووقف إطلاق النار.
ويأتي ذلك بينما أمر نتنياهو، الأربعاء الماضي، باحتلال غزة بشكل أسرع مما كان مخططاً له سابقاً. وفي تدوينة على حسابه بمنصة سزكس»، أشار مكتب نتنياهو إلى أن الأخير، وقبيل الموافقة على خطط احتلال مدينة غزة، «وجه بتقليص الجداول الزمنية» للخطط بدعوى السيطرة على «معاقل حماس الأخيرة وهزيمتها».
وينظر نتنياهو إلى احتلال غزة كوسيلة ضغط قد تدفع «حماس» إلى الموافقة على اتفاق شامل يقضي بنزع سلاح المقاومة، واستعادة جميع المحتجزين، الأحياء منهم والقتلى، وفرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع وصولاً إلى إقامة حكم مدني بديل لا يتبع لحماس ولا للسلطة الفلسطينية.
من جانبها، قالت «حماس»، إن «حكومة الإرهاب الصهيونية مصرّة على المضي في حربها الوحشية ضد المدنيين الأبرياء، بتصعيد عملياتها الإجرامية في مدينة غزة، بهدف تدميرها وتهجير أهلها، في جريمة حرب مكتملة الأركان»، مؤكدة أن «تجاهل نتنياهو مقترح الوسطاء وعدم رده عليه يثبت أنه المعطّل الحقيقي لأي اتفاق، وأنه لا يأبه لحياة أسراه وغير جاد في استعادتهم».
ووافق وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في وقت سابق من الأسبوع المنصرم، على استدعاء نحو 60 ألف جندي احتياطي إضافي للسيطرة على مدينة غزة في إطار عملية موسعة اختار لها الاحتلال اسم «عربات جدعون 2». وذكرت تقارير إعلامية أنه من المقرر تهجير سكان المدينة إلى مخيمات للاجئين في وسط القطاع المحاصر بحلول مطلع تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
وبينما يسعى نتنياهو إلى شراء مزيد من الوقت لإخضاع «حماس»، تتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية داخل إسرائيل لمطالبة الحكومة بالتوصل إلى صفقة لإطلاق سراح المحتجزين.
وشهدت إسرائيل، الأحد الماضي، مظاهرات حاشدة وإضراباً شل مفاصل الحياة بدعوة من عائلات الأسرى احتجاجا على توسيع العملية العسكرية في غزة.
وجاء في بيان صادر عن عائلات المحتجزين: «كفى تضحية بالمختطفين والمختطفات، كفى تضحية بالجنود والمجندات في الخدمة النظامية والاحتياط، وكفى تضحية بالنازحين» الإسرائيليين الذين لم يعودوا الى منازلهم بعد منذ بداية الحرب. وأشار المنتدى إلى رد «حماس» على المقترح الأخير، الذي وصفه الوسطاء بأنه إيجابي، وقال في بيانه: «من اختار على مدار ثلاثة أيام عدم الرد على اقتراح جرت الموافقة عليه بالفعل في الحكومة (أي في مرحلة سابقة)، ولم يدعُ لانعقاد الكابنيت أو الحكومة، فقد اختار فعلياً التضحية بالمختطفين».
وبالفعل، تدور مواجهات ضارية بين فصائل المقاومة والقوات الإسرائيلية التي تواصل التوغل في أطراف مدينة غزة في إطار المراحل الأولى لعملية احتلال المدينة.
ونفذت المقاومة الفلسطينية عمليات قصف وقنص وتفجير عبوات في الأطراف الشرقية والجنوبية لمدينة غزة، بينما قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير إن القوات تعمل على مشارف المدينة وستنضم إليها قوات إضافية لاحقاً، مؤكداً أن «العملية ستواجه تحديات، وتحتاج نفساً طويلاً»، حيث من المتوقع سقوط عدد كبير من القتلى والمصابين في صفوف الجيش.
ومنذ أكتوبر 2023، تواصل فصائل المقاومة التصدي للعدوان الإسرائيلي بشتى الأساليب والإمكانيات المتوفرة، بينما تمعن حكومة الاحتلال في إبادة سكان القطاع بالقصف والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية لوقف الحرب وأوامر محكمة العدل الدولية بهذا الصدد.
وتغلق سلطات الاحتلال منذ 2 آذار (مارس) الماضي جميع المعابر مع القطاع، وتمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع، في حين يتم الاكتفاء بإلقاء معونات محدودة عبر إسقاطات جوية. وخلفت الإبادة حتى الأسبوع الماضي أكثر من 62 ألف شهيد و157 ألف مصاب، كما استشهد جراء التجويع 271 فلسطينياً، بينهم 112 طفلاً، وفق أحدث إحصاءات وزارة الصحة في القطاع الذي أصبح رمزاً للخذلان العالمي، والتخلي الصارخ عن أبسط حقوق الإنسان.
ويأتي التغول الإسرائيلي في غزة، وسط طموحات حكومة نتنياهو بالتمهيد لإنشاء «إسرائيل الكبرى»، حيث تبدو الساحة السورية مستباحة للاحتلال في ظل ضعف سلطة دمشق، فيما تتكثف الضغوط الخارجية والداخلية على حكومة بيروت لنزع سلاح «حزب الله».
ففي سوريا، أكدت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) نفسها، أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني التقى في باريس وفداً إسرائيلياً لبحث عدد من الملفات المتعلقة «بخفض التصعيد وتعزيز الاستقرار في المنطقة»، في اجتماع تمّ برعاية أميركية.
ويعد هذا اللقاء امتداداً لمسار التطبيع السري الذي بدأته دمشق منذ وصول أحمد الشرع (الجولاني) إلى السلطة، حيث عقد اجتماع مماثل استضافته باريس أواخر يوليو الماضي بين الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمير، في وقت تحدثت مصادر دبلوماسية عن لقاءات مباشرة أخرى جرت بين الطرفين في العاصمة الأذربيجانية باكو، بحضور الشرع نفسه.
ويأتي تطور العلاقة بين تل أبيب ودمشق، في وقت تسعى فيه دولة الاحتلال لبسط سلطتها على الجنوب السوري، تحت عنوان فتح ممر إنساني إلى محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية التي تعرضت لأعمال عنف طائفية، برعاية دمشق في أواسط يوليو الماضي، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1,600 شخص، معظمهم من المدنيين الدروز، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي سياق الأطماع الإسرائيلية في الجنوب السوري، عبرت مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين، الاثنين الماضي، السياج الأمني في الجولان السوري المحتل، وقاموا بوضع حجر الأساس لأول مستوطنة خلف السياج ضمن المنطقة المنزوعة السلاح داخل الأراضي السورية، في قرية جويزة المهجّرة في ريف القنيطرة.
وأُطلق على المستوطنة الجديدة اسم «نافي هباشان»، في إشارة رمزية إلى ما يزعم الإسرائيليون أنه اسم توراتي يعود إلى منطقة واسعة شرقي نهر الأردن، تشمل أجزاء من هضبة الجولان والجنوب الغربي من سوريا، ويُصوَّر بأنها أرض خصبة وغنية.
أما في لبنان حيث نقل موقع «أكسيوس» أن واشنطن تخطط لإنشاء منطقة اقتصادية في أجزاء من جنوب لبنان بالقرب من الحدود الإسرائيلية، فتنتظر حكومة نواف سلام، نهاية شهر أغسطس الحالي، لتلقي خطة الجيش لنزع سلاح «حزب الله»، بينما تقف البلاد على حافة أزمة داخلية خانقة وسط مخاوف من اندلاع صدام أهلي، واتهامات للحكومة وبعض قوى الداخل بالانخراط في المشروع الأميركي–الإسرائيلي–السعودي في المنطقة.
وفي سياق التمهيد لنزع سلاح المقاومة، رحب سلام، يوم الخميس الماضي، بانطلاق عملية تسليم السلاح الفلسطيني في مخيم برج البراجنة في بيروت، لافتاً إلى أن العملية التي تمت بالاتفاق مع سلطة رام الله، ستستكمل بـ«تسليم دفعات اخرى في الأسابيع المقبلة من مخيم برج البراجنة وباقي المخيمات».
يأتي ذلك في وقت يناقش فيه مجلس الأمن دور القوات الدولية العاملة جنوبي لبنان (يونيفيل)، وسط تباين المواقف الأميركية والأوروبية بشأن تجديد تفويضها.
Leave a Reply