مالك العقار الملاصق يسعى لإقامة مبنى مكوّن من طابقين على قطعة أرض شاغرة
هامترامك
في اجتماعه المقبل يوم 26 آب (أغسطس) الجاري، سيحسم مجلس بلدية هامترامك، مصير لوحة جدارية عملاقة تمثّل الثقافة اليمنية على شارع جوزيف كامبو الرئيسي، مع تقدّم مالك العقار المجاور بخطة تشييد مبنى جديد على قطعة الأرض الخالية، ما من شأنه أن يغطي الجدارية التي تتمتع بمكانة خاصة في قلوب أهالي هامترامك، لاسيما من ذوي الأصول اليمنية الذين يشكلون النسبة الأكبر من السكان.
وتقع الجدارية، التي تُعرف بشكل غير رسمي باسم «جدارية اليمن»، على الحائط الجانبي لمطعم «سبأ» على شارع جوزيف كامبو. وتُصوّر التحفة الفنية جزيرة سقطرى اليمنية الواقعة في بحر العرب، والتي تشتهر بجغرافيتها الفريدة وشجرة دم التنين. كما تتضمن اللوحة تفاصيل عديدة عن الثقافة وفن العمارة اليمنية.
وكان رسم الجدارية الذي أبدعه الفنان التشيلي المقيم في نيويورك داسيتش فرنانديز، قد استغرق حوالي سنتين بتكلفة ناهزت 20 ألف دولار. وكان الهدف من الجدارية هو تمثيل تزايد عدد سكان هامترامك اليمنيين والإضاءة على هويتهم الثقافية بعد سنوات من التهميش، بحسب بيل ماير، المدير التنفيذي السابق لمنظمة «وان هامترامك»، التي تكلفت برسم الجدارية عام 2013.
وقال ماير لصحيفة «ديترويت نيوز»: «شعرنا أن بعض المكونات العرقية في المدينة مُهمَلة ومستبعدة من الحكومة ومن منطقة الداونتاون ومن الأعمال التجارية ومن كل شيء تقريباً». وأضاف «كما تعلمون، كانوا معزولين تماماً، ولذلك رأينا أن الوقت قد حان للاهتمام بهذة الشريحة من سكان المدينة».
وتابع بأن الجدارية سرعان ما تحوّلت إلى معلم «عالمي مشهور» في هامترامك، لافتاً إلى أنها جذبت اهتمام الناس بالمدينة من جميع أنحاء البلاد، لاسيما وأنها الجدارية الوحيدة التي ترمز إلى الثقافة اليمنية في الولايات المتحدة، حسب تعبيره.
لكن الآن، يخطط مالك قطعة أرض خالية بجوار الجدارية لتشييد مبنى جديد سيحجب العمل الفني برمته، علماً بأن المباني التجارية المطلة على شارع جوزيف كامبو، لديها جدر متلاصقة مما سيحول دون إنقاذ الجدارية في حال موافقة مجلس المدينة على خطة البناء.
وكان مالك العقار الملاصق لمطعم «سبأ»، والذي يستخدم حالياً كموقف للسيارات قد سعى لإنشاء مبنى تجاري من طابقين في الموقع نفسه عام 2020، إلا أن عدة منظمات مجتمعية، من بينها «وان هامترامك» و«أنقذوا الجدارية» اللتين تم حلهما الآن، سارعت –آنذاك– إلى منع حدوث ذلك عبر التفاوض مع المالك لتأجير الأرض إلى «المركز الإسلامي في هامترامك» لمدة 20 عاماً لبناء حديقة عامة صغيرة فوقها باسم «منتزه اليمن»، غير أن ذلك لم يتحقق قط.
ولأجل عدم الالتزام ببناء الحديقة الصغيرة، قرر صاحب العقار فسخ عقد الإيجار في العام الماضي، كما تم حلّ اللجنة الأهلية التي تشكلت تحت مسمى «لجنة حديقة اليمن»، بهدف إنشاء المنتزه الذي لم يبصر النور.
وقال عضو مجلس مدينة هامترامك، محمد السميري، مالك المبنى الذي يحمل الجدارية، وهو من أصل يمني، إنه يخطط لإنقاذ الجدارية، ويدرس حالياً خططاً لذلك، لكن لم يفصح عن تفاصيل إضافية.
وتتلخص خيارات إنقاذ الجدارية إما في العودة إلى الاتفاق السابق، أو إعادة التفاوض مع المالك وإيجاد جهة أخرى مستعدة لاستئجار الأرض منه، أو مطالبة المجلس البلدي بعدم الموافقة على خطة البناء باعتبار الجدارية معلماً تاريخياً لا يمكن حجبه.
واستدرك ماير بالقول إن المدافعين عن الجدارية يريدون التوصل إلى حل وسط لا يؤثر سلباً على مالك الأرض ويحرمه من المزايا العديدة لعقاره المطل على أكثر الشوارع حيوية في هامترامك، لافتاً إلى أنه في حال موافقة مجلس المدينة على خطة البناء المقترحة، لا يتبقى سوى خيار أخير لتخليد الجدارية يتمثل في التقاط صورة عالية الدقة لها بغرض طباعتها على لافتات كبيرة ونشرها في أرجاء المدينة. وأضاف ماير: «إنه عمل فني جميل ومهم للسكان اليمنيين الذين يشكلون أغلبية سكان المدينة… وهذا بحدّ ذاته سبب رئيسي يدفعنا إلى محاولة إنقاذ الجدارية».
بدوره، اعتبر كريستوفر شنايدر، مدير معرض «هاتش آرت» الفني في هامترامك، أن الجدارية تعكس التنوع لثقافي في المدينة، و«تكرّم بشكل خاص السكان اليمنيين والبنغاليين» لدورهم الحيوي في نهضة هامترامك، مذكراً بأن المدينة كانت تعج بالعقارات المهجورة قبل قدوم موجات المهاجرين من هذين البلدين.
وأضاف: «أما اليوم، لم تعد هناك منازل فارغة، فقد بذل هؤلاء جهوداً كبيرة لإحياء هامترامك. وما الجدارية إلا مجرد طريقة للاعتراف بهم والاحتفاء بجمال ثقافتهم».
وبحسب أحدث التقديرات الرسمية، تضم هامترامك حاليا ما يقرب من 28 ألف نسمة أغلبيتهم الساحقة من أصول يمنية وبنغالية، علماً بأن المدينة التي بلغت ذروتها السكانية خلال النصف الأول من القرن العشرين عند أكثر من 55 ألف نسمة، تميزت خلال القرن الماضي بكثافة سكانها من أصول بولونية وأوروبية شرقية، قبل أن تشهد موجات نزوح كبيرة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، لينخفض عدد سكانها إلى الحضيض في تسعينيات القرن الماضي عند حوالي 18 ألف نسمة فقط.
من جانبه، صرح رئيس بلدية هامترامك، اليمني الأصل، آمر غالب بأن الجدارية «تمثل الهوية الثقافية للمجتمع اليمني، وتضفي على المدينة حيوية خاصة»، مؤكداً أنه سيسعى لإنقاذها رغم «الخيارات المحدودة».
وأوضح غالب لصحيفة «ديترويت نيوز» أنه لا يمكن للبلدية منع المالك من البناء على أرضه من دون مبرر قانوني، مشيراً إلى أن مجلس المدينة أجل البت بمقترح المبنى إلى اجتماعه الدوري في الأسبوع القادم، «على أمل إجراء المزيد من النقاش».
وأضاف رئيس البلدية الذي سيغادر منصبه فور المصادقة على تعيينه سفيراً للولايات المتحدة لدى دولة الكويت: «في النهاية لا تستطيع البلدية منع المالك من تطوير أرضه، لأن ذلك قد يحمل المدينة مسؤولية قانونية لعدم وجود عقد واضح يمنعه من البناء على قطعة الأرض تلك».
ولفت غالب إلى أن تكلفة إنشاء جدارية مماثلة قد يكلف اليوم، 100 ألف دولار، مقابل حوالي 15 ألف دولار قبل عدة سنوات، وفق تعبيره.
Leave a Reply