ديترويت
تحت شعار «غزة هي البوصلة»، انعقد «المؤتمر الشعبي من أجل فلسطين» في نسخته الثانية بمدينة ديترويت على مدار ثلاثة أيام امتدت من 29 ولغاية 31 آب (أغسطس) الفائت، بحضور ومشاركة مئات الشخصيات العامة والنشطاء المؤيدين للقضية الفلسطينية، الذين تقاطروا من مختلف أنحاء الولايات المتحدة لتشكيل منصة سياسية وإعلامية وحقوقية فعالة بمواجهة جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ ما يقرب من عامين.
المؤتمر الذي أقيم للعام الثاني على التوالي في مركز «هانتينغتون بليس» بوسط مدينة ديترويت، تمّ افتتاحه بالنشيد الوطني الفلسطيني (نشيد موطني) وتضمن برنامجاً سياسياً وفكرياً صاغه قادة ونشطاء فلسطينيون سعياً إلى بلورة رؤية جماعية تُعزز حضور القضية الفلسطينية في الخطاب الأميركي، وتحشد الأصوات المؤثرة لمواجهة التحديات الكارثية في غزة، بحسب المنظمين.
اللجنة التوجيهية «للمؤتمر الشعبي من أجل فلسطين»، أوضحت بأن الدورة الثانية للمؤتمر توخت تحقيق أربعة أهداف، وهي: الرد على الإبادة الجماعية وسياسات التجويع من خلال توثيق الإبادة الجماعية والمطالبة بالمحاسبة والتعبئة، وتسخير القدرات والإمكانيات لدعم الاحتياجات المادية وصمود الشعب الفلسطيني، وعزل الصهيونية وفضح محاولاتها لاستعادة صورتها الدولية المتأثرة بجرائم الإبادة، بالإضافة إلى تقديم الأدوات والموارد المتوافرة لإفادة المشاركين في مواصلة نضالهم من أجل حرية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
فعاليات المؤتمر التي استقطبت أكثر من 4,500 شخص على مدار أيامه الثلاثة، جاءت بتنظيم عدد من المؤسسات الفلسطينية والعربية الأميركية، من بينها حركة الشباب الفلسطيني PYM، الشبكة الفلسطينية الأميركية USPCN، منتدى الشعب TPF، ائتلاف العودة Al–Awda، التجمع النسوي الفلسطيني PFC، ائتلاف ANSWER، الحملة الأميركية من أجل حقوق الفلسطينيين USCPR، اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز ADC، مركز الشعب لفلسطين PCP، التجمع الطلابي الوطني للعدالة في فلسطين SJP، كتّاب ضد الحرب على غزة WAWOG، والمركز العربي لتنظيم الموارد AROC.
وشملت قائمة المتحدثين طيفاً واسعاً من الفعاليات السياسية والحقوقية والإعلامية من بينهم النائب الأميركية عن ولاية ميشيغن في الكونغرس الأميركي رشيدة طليب، والناشط الطلابي الفلسطيني الأصل محمود خليل، والجرّاح الميداني غسان أبو ستة، والناشط السياسي راجح عبدالحق، والشاعر الحائز على جائزة «بوليتزر» الأميركية مصعب أبو توهة، والناشطة الحقوقية هويدا عرّاف، والناشطة الحقوقية ليندا صرصور، والأسير المحرر عمر عساف، ورئيس المجلس الإسلامي بكاليفورنيا حاتم بازيان، ورئيسة مبادرة فنانون ضد الفصل العنصري هانا كريغ، ورئيس منظمة «أطباء ضد الإبادة» نضال جبور، ورئيس بلدية مدينة ريتشموند بولاية كاليفورنيا إدواردو مارتينيز، ورئيس اتحاد الطلبة في جامعة كولومبيا غرانت ماينر، ومصارع الفنون القتالية بلال محمد، بالإضافة إلى عشرات المشاركين الآخرين.
معارض وندوات
شهد المؤتمر خلال أيامه الثلاثة عدداً من الفعاليات والمعارض الفنية والثقافية المميزة، من بينها: معرض فوتوغرافي بعنوان: «غزة تُعلّمنا»، وهو معرض يوثّق لجرائم الإبادة الجماعية المستمرة في القطاع المنكوب عبر الصور والشهادات، مسلطاً الضوء على قصص الصمود والمقاومة، وداعياً الجمهور للمشاركة في فضح الجرائم والمساءلة، و«رحلة إلى غزة»، وهو عرض افتراضي حول الحياة اليومية والمعالم الثقافية في غزة من خلال صور ومقاطع فيديو بزاوية 360 درجة، إلى عرض فني لفرقتي «وشاح» و«بلدي» يجسد قصص التراث والصمود عبر الدبكة الشعبية، وكذلك «ليلة ثقافية» لفرقة الشباب الفلسطيني التي قدّمت أناشيد ثورية ومقطوعات موسيقية وغنائية تخلد ذكرى شهداء فلسطين.
وتميزت الدورة الثانية بإطلاق برنامج نوعي للأطفال، انطلاقاً من إيمان المنظّمين «بأن مستقبل النضال الفلسطيني يكمن في الأجيال القادمة»، حيث تم لهذا الغرض تخصيص برنامج تفاعلي وتعليمي للأطفال بين سنّ 6 و12 عاماً استمر لمدة يومين، وجمع بين المرح والمعرفة واستكشاف التاريخ والثقافة والمقاومة الفلسطينية بهدف غرس قيم الهوية الوطنية وروح المقاومة منذ الصغر، وتعزيز وعيهم بدورهم في صياغة مستقبل فلسطين.
كما شهد المؤتمر عقد العديد من الندوات المتخصصة التي غطت الأبعاد السياسية والطبية والحقوقية للعمليات الإسرائيلية المتواصلة للعام الثاني على التوالي في قطاع غزة، وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين والصحفيين والأطباء والأكاديميين، ما أضفى على الفعاليات المتنوعة عمقاً معرفياً ومصداقية عالية في معالجة القضايا المطروحة.
وفي الجانب السياسي، تناول المشاركون التحولات الإقليمية والدولية التي تؤثر على الوضع في غزة، وتحليل السياسات الإسرائيلية وتأثيرها على الحياة اليومية لسكان القطاع، بالإضافة إلى مناقشة دور المنظمات الدولية والإقليمية في تقديم الدعم والحماية للسكان المدنيين. أما الندوات الطبية، فقد ركزت على الأزمات الإنسانية والصحية في القطاع، بما في ذلك نقص الأدوية والمعدات الطبية، وتداعيات الحصار المتواصل على الصحة العامة، إضافة إلى تقديم توصيات للتدخل الطبي الطارئ وتحسين الرعاية الصحية في ظل سياسة التجويع الإسرائيلية واستهداف الأطفال ومتلقي المساعدات عند المراكز الإغاثية.
وتشير التقارير الإنسانية إلى أن قطاع غزة يشهد أزمة غذائية وإنسانية حادة، حيث يُقدّر أن نحو 400 ألف فلسطيني في شمال القطاع مهددون بالموت من الجوع والعطش وانعدام المتطلبات الأساسية نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر ومنع وصول المساعدات الإنسانية. وقد أعلنت وزارة الصحة في غزة عن وفاة مئات الأشخاص بسبب الجوع، بينهم أكثر من مئة طفل، منذ إطباق الحصار في شهر آذار (مارس) الفائت، محذرة من أن الوضع الإنساني والغذائي في القطاع وصل إلى مستويات خطيرة للغاية.
وفي الجانب الحقوقي، استعرض المشاركون الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وسلطوا الضوء على قضايا الحصار، والتهجير القسري، وحصار المعلومات، إلى جانب جهود المنظمات الحقوقية في توثيق الانتهاكات وتقديم الدعم القانوني للمتضررين.
وكانت تلك الندوات فرصة للتفاعل المباشر بين مختلف التخصصات، ما سمح بتبادل الخبرات والرؤى وتقديم مقترحات عملية لمواجهة التحديات التي تواجه غزة، لتشكل بذلك حلقة وصل فاعلة بين البحث الأكاديمي والتحليل الميداني والواقع على الأرض، مما جعل المؤتمر منصة حيوية للحوار البناء والتوعية الجماهيرية، بحسب المنظمين.
رسائل سياسية
عكست أجواء المؤتمر حالة الاستياء والغليان الشعبي في الأوساط المؤيدة لفلسطين بسبب عجز العالم ومؤسساته الأممية عن وقف الحرب وإغاثة سكان القطاع المحاصر، على الرغم من التقدم الذي تحرزه الأنشطة الطلابية والحقوقية الأميركية في صفوف الأميركيين، بحسب طليب التي ألقت خطاباً حماسياً بحضور الآلاف في اليوم الختامي من المؤتمر –الأحد المنصرم– مؤكدة بأن الأوضاع الحالية «تتجه نحو مسار لا عودة عنه.. فلسطين سوف تتحرر».
وقالت النائب الفلسطينية الأصل إن زملاءها في الكونغرس «يشعرون بالخوف» في مكاتبهم المحلية من الطلبة المتظاهرين والحقوقيين الذين يطالبون بوقف مبيعات الأسلحة الأميركية لإسرائيل، مؤكدة بأن النشطاء «ينتصرون» خارج العاصمة واشنطن، ومشجعة إياهم على مواصلة التحشيد من أجل حقوق الفلسطينيين، ومقاطعة الشركات الداعمة لدولة الاحتلال.
ودعت طليب إلى مواصلة الدفاع عن الشعب الفلسطيني، قائلة: «ظنوا أنهم يستطيعون قتلنا، واغتصابنا، وسجننا، واقتلاعنا من مزارع أشجار الزيتون، وتجويع أطفالنا حتى الموت، ظنوا أننا سوف نختفي. حسناً، خمنوا ماذا؟ الآن نحن في الكونغرس»، في إشارة إلى انتخابها كأول مشرعة فلسطينة في كابيتول واشنطن، رغم الحملات المناوئة من قبل الجماعات واللوبيات المؤيدة لإسرائيل.
وقرأت طليب أمام الحشود رسالة كتبتها امرأة فلسطينية حول تجربتها بتربية أطفالها وسط القصف وانعدام الأمن الغذائي والظروف المزرية في غزة، مشبّهة مبيعات الأسلحة الأميركية لإسرائيل بالتحركات الأخيرة التي اتخذها الكونغرس بقيادة الجمهوريين وإدارة ترامب لخفض الإنفاق على الرعاية الصحية وبرامج المساعدات الغذائية في أحدث ميزانية، ونشر عملاء فدراليين في بعض المدن الأميركية مثل لوس أنجيليس وكاليفورنيا وواشنطن العاصمة. وقالت طليب: «إن حكومة لا تُقدّر قيمة الحياة البشرية في غزة لن تُقدّر قيمة الحياة البشرية في بلدنا أيضاً».
من جانبه، أوضح الناشط الطلابي محمود خليل، الذي احتُجز لمدة 104 أيام لدى سلطات الهجرة الفدرالية لدوره في قيادة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين في جامعة كولومبيا، بأنه يواصل نشاطه علانية لدعم غزة رغم الخطر الذي يُشكله ذلك على حريته، لأن «الصمت ليس خياراً»، بحسب تعبيره، مضيفاً بالقول: «لن ألتزم الصمت في وجه الإبادة الجماعية، لن أصمت بينما يُجوّع الناس ويُذبحون يومياً».
وأوضح خليل بأنه تعلم مبادئ المقاومة والصمود خلال نشأته في مخيم للاجئين الفلسطينيين بسوريا، مؤكداً بأن استهدافه من قِبل وكالة الهجرة والجمارك الأميركية ICE يُظهر أن الحركة الطلابية المناهضة لإسرائيل تُحدث تأثيراً متزايداً في المجتمع الأميركي، ومعرباً عن يقينه بأن المزيد من الناس باتوا يحملون دولة الاحتلال مسؤولية إزهاق أرواح الأبرياء في القطاع المنكوب الذي شهد مقتل وإصابة أكثر من 225 ألف شخص منذ بداية العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023.
وقال : «يجب أن نبني حركة تحرر وطني. الحركة أكبر مني. إنها أكبر من أي واحد منا».
المصارع الفلسطيني بلال محمد، وهو مُقاتل فنون قتالية مُختلطة وبطل سابق في بطولة UFC للوزن المتوسط، وصف مُبارياته بأنها مُجرد لهو ولعب مُقارنةً بالقتال الذي يخوضه الفلسطينيون يومياً من أجل البقاء، موضحاً بأن «الشعب الفلسطيني هو أقوى شعوب العالم»، ومشجعاً الناس على رفع الأعلام الفلسطينية بفخر وارتداء الكوفية الفلسطينية اعتزازاً بالتراث الفلسطيني. وقال: «أروهم أننا نسير بفخر.. أروهم من نحن».
Leave a Reply