الشركة تخطط لهدم «البيت الزجاجي» التاريخي بحلول عام 2027
ديربورن
في خطوة تهدف إلى جمع القيادة والموظفين الإداريين وفرق تطوير المنتجات تحت سقف واحد، وجعل الشركة أكثر مرونة وفعالية في جذب المواهب واستبقائها، كشفت شركة «فورد» لصناعة السيارات، الاثنين الماضي، عن خططها لنقل مقرها الرئيسي العالمي في ديربورن، إلى مركز جديد قيد الإنشاء في غرب المدينة، متوقعةً إقامة حفل الافتتاح الكبير خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.
وتشمل خطة «فورد» التي تأتي في سياق تجديد جميع مبانيها في ديربورن، هدم مقرها العالمي الحالي الواقع بالقرب من تقاطع شارعي ساوثفيلد وميشيغن أفنيو، والمعروف باسم «البيت الزجاجي»، الذي كان مقراً عالمياً للشركة منذ عام 1956. كذلك، سيتم هدم مبنى «فورد كريديت» المجاور له، حيث من المتوقع أن يغادر الموظفون المبنيَين بنهاية الربع الثاني من عام 2026، على أن تُنجز أعمال هدم المبنيين بين نهاية عام 2027 ومنتصف عام 2028.
وتأتي هذه الخطوة في خضم تحول تاريخي في قطاع السيارات، بدءاً من التحول إلى السيارات الكهربائية، مروراً بالسيارات ذاتية القيادة، وانتهاءً بالخدمات الرقمية وجمع البيانات. وتريد «فورد» لمركزها الجديد أن يكون عنصر جذب للمواهب في هذه المجالات، وسط منافسة شرسة من شركات صناعة السيارات، مثل «جنرال موتورز»، وشركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، وغيرها من الشركات العالمية المبتكرة.
وجاء الإعلان عن الخطوة برسالة مشتركة وجهها رئيس مجلس إدارة الشركة بيل فورد والرئيس التنفيذي جيم فارلي إلى الموظفين، عبر البريد الإلكتروني يوم الاثنين الماضي. وقال بيل فورد خلال إحاطة صحفية عبر الإنترنت إن المركز العصري الجديد يأتي في سياق توجه الشركة نحو تشكيل بيئة جاذبة «لأفضل المواهب»، لافتاً إلى أن «فورد» بات لديها أماكن عمل رائعة لاستقطابهم.
ويقع المقر الجديد، الذي صممته شركة الهندسة المعمارية العالمية «سنوهيتا» بالتعاون مع شركة الاستشارات الهندسية والتصميمية العالمية «أركاديس»، على بُعد ميل تقريباً من المقر الحالي.
ومن شأن المقر الجديد، الذي سيتم افتتاحه رسمياً في نوفمبر القادم، بمساحة 2.1 مليون قدم مربع على عقار حجمه 320 أيكر، أن يستوعب ما يصل إلى 4,000 موظف عند اكتماله. ويتميز المبنى المكون من أربعة طوابق بواجهات زجاجية كاملة، ويقع على الجانب الغربي من شارع أوكوود قبالة «متحف هنري فورد».
وبحسب الشركة، سيعمل 10,000 موظف آخرين في مواقع لا تبعد أكثر من 15 دقيقة سيراً على الأقدام من المبنى الجديد. كما سيكون 9,000 موظف إضافي على بُعد 15 دقيقة بالسيارة، مما يسمح للمقر المستحدث بأن يكون ملتقىً مركزياً لمختلف الإدارات والأقسام، بما في ذلك «مركز تطوير المنتجات»، الذي شُيّد المبنى الجديد في موقعه.
وقال بيل فورد إنه في الوقت الراهن يشعر بأنه خارج «العمل» بسبب بعد المسافة بين المكاتب التنفيذية الحالية في «البيت الزجاجي» وقسم تطوير المنتجات، موضحاً أن اجتماعاً لمدة ساعة لمناقشة منتج ما، «يتحول بسهولة إلى ساعتين بسبب الوقت الذي يستغرقه التنقل بين المباني وإيجاد موقف للسيارات».
وأعرب فورد عن أمله في أن يكون المركز الجديد مكاناً يرغب الناس بالعمل فيه، مشبهاً إياه بمقر شركة «آبل» في كاليفورنيا.
وقال: «لم يتغير مركز تطوير المنتجات لدينا منذ أن بدأت العمل هناك عام 1979. وعندما نوظف موظفين، كنا نريهم كل شيء باستثناء مكان عملهم»، مشيراً إلى أن «الوضع كان سيئاً للغاية»، مشيداً بجهود تحديث مختلف مكاتب الشركة خلال السنوات القليلة الماضية.
وأوضح دوبلسكي أن المقر العالمي الحالي الذي تبلغ مساحته 950,000 قدم مربع، «لم يعد يُناسب أسلوب عمل الناس اليوم»، مؤكداً حاجة الشركة إلى جمع الفرق متعددة الوظائف –بمن فيهم، المهندسون والمصممون والمسؤولون الماليون وفريق التسويق– «ليتمكنوا من التواجد معاً عند الحاجة، مما يعزّز التعاون ويحسّن فعالية العمل».
وأضاف أن المقر الجديد يوفر للموظفين، الخصوصية، ولكنه يسمح أيضاً لمختلف الفرق بالتجمع بسرعة عند الحاجة، سواءً لمدة ساعة أو أسبوع أو شهر، ثم العودة إلى أماكن عملهم»، مشدّداً على أن المقر الجديد «سيُدار بشكل مختلف تماماً عن مقرنا العالمي الحالي».
ويتيح المركز الجديد نقل مركبة من أحد طرفي الموقع إلى الطرف الآخر في حوالي ثلاث دقائق فقط، مقارنةً بـ36 دقيقة كانت تفصل المسؤولين التنفيذيين عن مركز تطوير المنتجات السابق. كما يمكن لضعف عدد الأشخاص تقريباً العمل تحت سقف واحد.
وكانت «فورد» قد بدأت النظر في مشروع بناء مقر رئيسي جديد أوائل عام 2021، استجابة لتغير توقعات واستخدامات مساحات العمل بسبب جائحة كوفيد–19، بحسب جيم دوبلسكي، الرئيس التنفيذي لشركة «فورد لاند»، الجهة المسؤولة عن إدارة عقارات «فورد».
وكما هو الحال في معظم مباني مكاتب «فورد» الجديدة، سيعتمد المركز العالمي المستحدث، نموذج عمل مشترك حيث لا يُخصص للموظفين مقعد محدد –وهو هيكل عمل أثار بعض القلق، حيث يجب على موظفي المكاتب، اعتباراً من هذا الشهر، العمل في مواقعهم الوظيفية لأربعة أيام على الأقل في الأسبوع، بعد إلغاء سياسات العمل عن بعد التي تم اعتمادها خلال جائحة كورونا.
وبحلول عام 2027، سيعمل 90 بالمئة من موظفي «فورد» المكتبيين في مساحات جديدة أو مُجددة. بما في ذلك المكاتب التجارية والتصنيعية، علماً بأن الشركة العملاقة تمتلك أكثر من 300 مليون قدم مربع من المساحات المكتبية حول العالم.
مستقبل «البيت الزجاجي»
حول مستقبل المقر العالمي الحالي المكون من 12 طابقاً، أفاد دوبلسكي، بأن «فورد» ستحتفظ بالعقار الكائن عند الزاوية الشمالية الشرقية من تقاطع طريقي ساوثفيلد وميشيغن أفنيو، على عكس عقار مبنى «ريجنت كورت» الذي باعته الشركة عام 2022 لرجل الأعمال العربي الأميركي مايك شحادة الذي يقوم حالياً بتحويل العقار إلى مجمع سكني–تجاري بعد هدم المبنى المكتبي العملاق قرب تقاطع طريقي ساوثفيلد وفورد.
وقال دوبلسكي إن «فورد» ستحتفظ بملكية العقار، للحفاظ عليه في حال الحاجة لاستخدامه مستقبلاً، موضحاً أن الشركة لا تزال في المراحل الأولى من العمل مع بلدية ديربورن لتحويل الموقع إلى «بيئة أشبه بالمنتزهات»، بعد أن خلصت إلى أن استمرار المبنى غير مستدام مالياً.
وسيؤدي الهدم إلى إتاحة حوالي 100 أيكر للاستخدام العام من الموقع الذي تبلغ مساحته الإجمالية 212 أيكر، حيث ستحتفظ «فورد» بمرآب «مركز أبحاث الخدمة» و«مركز البيانات» الكائنين إلى الشمال من «البيت الزجاجي».
مميزات المقر الجديد
بدأت شركة «فورد» أعمال البناء في المقر الجديد عام 2020. وستنتهي المرحلة الأولى من البناء بنهاية العام الجاري، مما يسمح بانتقال حوالي نصف شاغليه إلى مكاتبهم، أي حوالي ألفي موظف، علماً بأن الموقع يضم حالياً نحو خمسمائة موظف بالفعل، وستصل الدفعة التالية في أواخر أكتوبر القادم وأوائل نوفمبر التالي، حيث سيقام حفل الافتتاح الكبير.
وسيتم الانتهاء من الجزء المتبقي من المشروع بنهاية عام 2027، مع هدم ما تبقى من «مركز تطوير المنتجات»، الذي تم افتتاحه عام 1953. وفي ذلك الوقت، سيتمكّن ألفا موظف إضافي من الانتقال للعمل في المقر العالمي الجديد الذي لم يتم الكشف عن كلفته الإجمالية حتى الآن.
ويضم المقر الجديد، ستة استوديوهات تصميم وصالة عرض تتيح لأول مرة استعراض المنتجات بالكامل في مساحة واحدة. كما يضم المبنى مساحات مكتبية متعددة الشاشات، وقاعات اجتماعات، وأكشاك هواتف، وأرائك، وبيئات عمل أخرى تلبي مختلف الاحتياجات، فضلاً عن قاعة طعام بمساحة 160,000 قدم مربع، تضم سبعة أجنحة للمأكولات والمشروبات، وقائمة طعام متنوعة ومتاحة لجميع موظفي «فورد».
كذلك، يضم المركز غرفاً للراحة، وغرفاً للأمهات، وأكثر من 300 غرفة اجتماعات مزودة بأحدث التقنيات. ويحتوي المركز أيضاً ساحات خارجية و12 أيكر من المساحات الخضراء.
وصُمم المبنى ليكون خالياً من الانبعاثات الملوثة بنسبة 100 بالمئة، حيث سيتم الاعتماد على الكهرباء المتجددة بالكامل عبر محطة الطاقة المركزية التابعة لـ«فورد». كما سيتم تحويل 95 بالمئة من المواد المستخدمة لمرة واحدة إلى سماد أو إعادة تدويرها أو إعادة استخدامها. ويقلل التصميم الجديد أيضاَ من الحاجة إلى نقل المواد بنسبة تزيد عن 83 بالمئة.
العلاقة بالمجتمع المحلي
بعد هدم مبنى «ريجنت كورت» والاستعداد لهدم «البيت الزجاجي» تفقد ديربورن، معلماً جديداً من معالمها العمرانية، غير أنها في المقابل تستفيد بشكل واضح من استثمارات «فورد» المستمرة في المدينة.
وعلى الرغم من توفر مختلف الموارد المتاحة في مباني «فورد» بمدينة ديربورن، بما فيها المقر العالمي الجديد، أكد دوبلسكي أن هيكلية العمل الجديدة سوف تعزز التكامل مع المجتمع المحلي المحيط. وأضاف: «نعتقد أن العمل الذي قمنا به في حرمنا، عبر تجديد مبانينا الـ29 في ديربورن بمساحة 14 مليون قدم مربع، «سيخلق بيئة مناسبة للمشي، ليس فقط داخل حرم الشركة، بل أيضاً على امتداد شارع ميشيغن أفنيو لضمان مشاركة أعضاء فريقنا في المطاعم والمتاجر والتسوق وكل شيء آخر».
قوبل إعلان «فورد» بترحيب واسع من مسؤولي بلدية ديربورن الذين اعتبروا الخطوة دليلاً على التزام الشركة المستمر بالمدينة المعروفة بأنها موطن رائد صناعة السيارات الأميركية، هنري فورد.
وقال رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود: «ستظل مدينة ديربورن دائماً موطناً لشركة فورد، سواءً كانت في نهاية الشارع أو على الجانب الآخر من الطريق».
بدوره، قال مايكل سرعيني، رئيس مجلس مدينة ديربورن الذي يعمل أيضاً في وكالة لبيع سيارات «فورد»: «ستعمل بلدية ديربورن ومجلس المدينة جنباً إلى جنب مع شركة فورد لضمان امتلاكها الأدوات اللازمة لتصبح شركة صناعة السيارات الأكثر تنافسية في البلاد».
كما أشار عضو المجلس البلدي، مصطفى حمود، وهو مهندس في قسم تطوير المنتجات بشركة «فورد»، إن ديربورن تتمتع بإرث عريق في الابتكار وتجميع السيارات، مما سمح لشركة فورد بمواصلة اعتمادها على المجتمع المحلي كموطن لها.
Leave a Reply