بعد مطالبته بالاعتذار عن توبيخه لأحد السكان الممتعضين من تكريم ناشر «صدى الوطن»
ديربورن
بعد موجة انتقادات ممنهجة استغلت ردّه القاسي على أحد المعترضين على تسمية جزء من شارع وورن باسم ناشر «صدى الوطن» أسامة السبلاني، تصدّى رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود لحملة تشويه وتحريض ديني استهدفت المدينة على مدار الأسبوعين الماضيين.
وأكّد حمود خلال اجتماع مجلس المدينة، مساء الثلاثاء الماضي، أن ديربورن تجسد أفضل ما في أميركا من خلال قدرتها على جمع الناس من كافة الخلفيات والأديان والمعتقدات ليعيشوا بسلام واحترام كجيران وزملاء وأصحاب أعمال ومؤمنين، موضحاً بأن ديربورن التي لطالما تعرضت للتشويه لم تستسلم قط لمحاولات التفريق التي تسعى للنيل من نسيجها الاجتماعي.
تعليقات رئيس البلدية الذي يسعى لإعادة انتخابه في تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، جاءت في ختام فقرة المداخلات العمومية، التي شهدت تقدم عدد كبير من الحضور بمطالبته بالاعتذار على توبيخه لمبشر مسيحي متطرف يدعى تيد بارهام.
وكان حمود، الذي امتنع عن الاعتذار، قد وصف بارهام في جلسة سابقة بأنه «متعصب وعنصري وكاره للإسلام»، متعهداً بإطلاق مسيرة احتفالية كبيرة عندما ينتقل للعيش خارج المدينة.
وجاء انتقاد حمود القاسي لبارهام بسبب اعتراض الأخير على إطلاق اسم السبلاني على جزء من شارع وورن، بدعوى تعاطف الأخير مع حركات المقاومة مثل «حزب الله» و«حماس» المصنّفتين كمنظمتين إرهابيتين من قبل وزارة الخارجية الأميركية.
ولبارهام نشاط معروف في التحريض على الإسلام، والدعوة إلى اعتناق الدين المسيحي، حيث دأب في السنوات الماضية على زيارة المنتزهات العامة في شرق المدينة ذات الكثافة العربية، وتحديداً منتزه هملوك، لتبشير الأطفال بالمسيحية وتقديم الهدايا لهم.
وسرعان ما تصدرت تصريحات حمود بحق بارهام عناوين العديد من الصحف على المستويين المحلي والوطني، بالتوازي مع موجة بثوث ومقاطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لم تخلُ من التحيز والتحريض الطائفي، من حلال التركيز على ديانة حمود الإسلامية وديانة بارهام المسيحية.
وفي خضم السباق الانتخابي فتحت تصريحات حمود أيضاً، الباب على مصراعيه لموجة من الاستقطاب المحلي بين مؤيديه ومعارضيه، فمنهم من رأى في سلوكه تسرعاً وانعداماً للياقة السياسية، فيما وجد الآخرون في تصرّفه موقفاً مبدئياً يعكس حرصه على رفض خطاب الكراهية والدفاع عن صورة المدينة المتنوعة إثنياً ودينياً واجتماعياً.
جذور المشكلة
في اليوم التالي على قيام حكومة مقاطعة وين، يوم الاثنين 8 سبتمبر الجاري، بإزاحة الستار عن لوحة مرورية تحمل اسم السبلاني على جزء من شارع وورن، عبّر بارهام عن تبرّمه من الحدث واصفاً تلك الخطوة بـ«الاستفزازية»، وبأنها تشبه إعادة تسمية الشارع باسم حركة «حماس» أو «حزب الله».
وقال بارهام الذي قدّم نفسه خلال المداخلة على أنه مسيحي محب للسلام، بأن نصب اللافتات التي تحمل اسم السبلاني «استفزازي للغاية»، سارداً بعض الاقتباسات من تصريحات سابقة لناشر «صدى الوطن» يدعم فيها حركتي المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، والتي تبين لاحقاً بأنه نقلها عن مقاطع فيديو لـ«معهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط» (ميمري)، وهو منظمة مؤيدة لإسرائيل، تعنى –بحسب موقعها الإلكتروني– بمراقبة خطاب التطرف.
بارهام الذي أشار أيضاً إلى أنه عاش سابقاً في لبنان وإسرائيل وزار الأراضي الفلسطينية، زعم بأن السبلاني حرّض في أكثر من مناسبة على العنف، وهو ما فنّده عضو المجلس روبرت أبراهام الذي رد عليه بالقول: «إنه (السبلاني) ليس شخصاً عنيفاً، أخبرني أين حرّض على العنف في الاقتباسات التي ذكرتها، بالطبع يمكنك تأويل عباراته كما تشاء، ولكنني أؤكد لك بأنه لم يدع للعنف في تلك العبارات، كما أؤكد لك بأنه ليس في نيّته التحريض على العنف في أي مكان من العالم».
كذلك، أوضح رئيس المجلس مايك سرعيني بأن مدينة ديربورن ليست الجهة المسؤولة عن فعالية تكريم السبلاني التي جاءت بمبادرة من حكومة مقاطعة وين التي يتبع لها شارع وورن.
في الأثناء، طلب حمود التعليق مسجلاً رداً نارياً على بارهام، قال فيه: «أريدك أن تعلم بأنه غير مرحّب بك هنا، وفي اليوم الذي تنتقل فيه خارج المدينة سيكون اليوم الذي سأطلق فيه، وبصفتي رئيساً للبلدية، موكباً للاحتفال بخروجك، لأنك لست من الأشخاص الذين يؤمنون بالتعايش».
وطلب حمود من بارهام عدم المرور في شارع وورن أفينو إذا كانت تزعجه رؤية اسم السبلاني عند تقاطع الشارع مع طريقي تشايس وشايفر حيث وضعت اللافتات المرورية، وأن يغلق عينيه لتفادي رؤيتها إذا اضطر للمرور من هناك، واصفاً إياه بالتحيّز والكراهية.
وقال حمود: «من النفاق أن تأتي إلى هذا المنبر بينما لديك مقاطع فيديو على يوتيوب، تظهر أنك تقف أمام مسجدي وتقول عبارات قاسية عن المسلمين وعن الدين الإسلامي، لأنك متعصّب وعنصري وكاره للإسلام».
وتداولت الكثير من وسائل الإعلام المحلية والوطنية وقائع الحادثة، معيدة إبراز الصور النمطية عن المدينة ذات الكثافة العربية والإسلامية، والتي وصفت بأنها «عاصمة الجهاد في أميركا»، في مقال تحريضي كتبه المدير التنفيذي لمعهد «ميمري»، ستيفن ستالينسكي، ونشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» في نيسان (أبريل) عام 2024.
وفند السبلاني عبر العديد من الوسائل الإعلامية ادعاءات بارهام، مفيداً في مقابلة مع صحيفة «ديترويت فري برس» بأنه لا يعرفه على المستوى الشخصي وأنه «كان يقتبس كلامي بشكل مبتذل ومنتزع من سياقه، وهو ما يفعله معهد ميمري، الذي شارك في تأسيسه مسؤول استخبارات إسرائيلي سابق»، على حد تعبيره.
وعبّر السبلاني عن تمسكه بمواقفه المؤيدة للشعبين الفلسطيني واللبناني وحقهم في المقاومة، وقال في الإطار: «أُصرّ على كل ما قلته.. لستُ ممن يتجنبون ما يؤمنون به ولا أتحدث عما لا أؤمن به، وإنني أتحمل كامل المسؤولية في هذا الخصوص»، لافتاً إلى أن بعض التصريحات التي ذكرها بارهام نقلاً عن معهد «ميمري» كانت تتعلق بمهاجمة القوات الإسرائيلية للفلسطينيين عام 2002 في مدينة جنين بالضفة الغربية.
وأضاف السبلاني: «بموجب القانون الدولي، يحق للجماعات والشعوب مقاومة المحتلين والمضطهدين بكافة الوسائل، وإذ يمكن للبعض أن يستخدموا السلاح في أماكن كالأراضي المفلسطينية، فيمكن لمؤيديهم الاحتجاج سلمياً دعماً لهم وتضامناً معهم»، متابعاً بالقول: «وهنا في ميشيغن، يمكننا أن نرفع قبضتنا ونطالب بالحرية لفلسطين». وقال: «نعم.. لقد قلتها. لقد قلت: فلسطين حرة».
اجتماع الثلاثاء الماضي
فقرة المداخلات العمومية خلال اجتماع مجلس مدينة ديربورن الثلاثاء المنصرم، شهدت على مدار أكثر من ساعة تعليقات ساخطة من الحضور الذين جاء عدد كبير مهم من خارج المدينة للتضامن مع بارهام ومطالبة حمود بالاعتذار له، في حين أشاد البعض الآخر من المتداخلين بقيادة حمود وإسهاماته في ازدهار المدينة وتكريس العيش المشترك بين سكانها على مختلف إثنياتهم وعقائدهم الدينية.
وفي محاولة للعزف على الوتر الديني، أدلى بارهام خلال الجلسة بمداخلة عبر فيها عن شعوره بأن «المسيحيين يواجهون قمعاً في حرية التعبير حول العالم»، وقال إنهم يوصمون في الولايات المتحدة بكراهية الإسلام (إسلاموفوبيا)، مضيفاً: «لا يوجد في أي بقعة في العالم مكان يمكننا فيه التحدث بحرية كاملة كمسيحيين وأعتقد أن هناك الكثير من الكراهية في مجتمعنا في الوقت الحالي، ولكنني أريد أن أشجع على محبة من يكرهونك».
وتناوب على منبر التعليقات عديد المتداخلين المتضامنين مع «مظلومية» بارهام، بمن فيهم رجل مقيم في ديربورن، زعم بأن الأخير «يحب المسلمين»، وقال مخاطباً حمود: «كرئيس للبلدية، أنت تتولى أعلى منصب في المدينة، ويجب أن تكون موحداً لمختلف الجماعات هنا، وليس من يثير الانقسام»، لافتاً إلى أن بعض الأشخاص «غير العقلانيين أو العنيفين» قد يأخذون تصريحات حمود كدعوة لطرد بارهام من ديربورن.
وقال متداخل آخر إنه كان يدعم حمود ويعجب بأفكاره وطروحاته وبآرائه، إلا أن الإساءة الشخصية التي وجهها إلى بارهام والإصرار على أنه غير مرحب به في ديربورن لا يؤدي إلا إلى تقويض التعددية الثقافية التي تجعل المدينة مميزة للغاية، وإن ذلك التصرف «يدمر الجسور بدلاً من بنائها».
وقالت إحدى السيدات إنها مسيحية وتدعم رئيس البلدية، مشيرةً إلى أن تعليقات حمود أُخرجت عن سياقها، بينما قالت سيدة آخرى «نحتاج إلى رئيس بلدية لا يهاجم المسيحيين»، مضيفة: «إنني لا أطلب منكم الإيمان بعقائدنا، ولكنني أطلب منكم فقط أن تتحدثوا باحترام مع من تختلفون معهم».
أما شون ريف الذي جاء من مدينة غاردن سيتي للتضامن مع بارهام فأعرب عن «صدمته» من مشاركة حمود في إحدى الفعاليات التي وصف فيها السبلاني الأمين العام الأسبق لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بـ«البطل». وقال: «لدينا رئيس بلدية في الولايات المتحدة يتشارك المنصة مع شخصٍ ما، مع إرهابي! أين ولاؤكم؟ هل ولاؤكم للولايات المتحدة أم لحزب الله؟».
لكن القس ناثان هايز، من كنيسة «سوليد روك» في ديربورن، كانت له آراء أكثر إيجابية تجاه حمود، إذ قال: «أود أن أشكر رئيس البلدية على دوره الإيجابي والفعال في مدينتنا»، موضحاً بأن «مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تعكس صورة مضللة عن واقع الحال في ديربورن، وفي الأسبوع الماضي، نُشرت مقاطع لحمود وهو يُوبخ بارهام، استقطبت ملايين المشاهدات».
من ناحيته، أوضح رئيس المجلس مايكل سرعيني في رد على المداخلات العمومية، بأن حرية بارهام في التعبير عن آرائه وعقائده الدينية لم تُقمع، وقال: «حرية الدين مُنحت على مستوى أعلى بكثير من درجتنا الوظيفية، ولم يحدث أي قمع لتلك الحرية».
تعليق حمود
تصفيق المؤيدين امتزج بصيحات الاستهجان خلال كلمة حمود التي خلت من تقديم اعتذار مباشر لبارهام، والتي تطرقت برصانة واتزان إلى صورة مدينة ديربورن «التي تمثل أفضل ما في أميركا»، بحسب تعبير رئيس البلدية اللبناني الأصل.
وقال حمود «إننا نطبق مبدأ تعايش الناس من جميع الخلفيات والأديان والمعتقدات بسلام واحترام كجيران، وزملاء دراسة، وأصحاب أعمال، ومؤمنين»، مستدركاً بالتأكيد على أن التعايش السلمي بين كافة الشرائح المجتمعية «هو السبب تحديداً وراء المحاولات المستمرة لتشويه سمعة ديربورن.
وذكّر حمود بحملات التشهير والتشويه المتكررة التي تعرضت لها مدينة ديربورن على مدار العقود الأخيرة، بما فيها قدوم بعض المتعصبين المسيحيين لحرق المصاحف أمام المراكز الإسلامية، أو مضايقة العائلات المسلمة خلال فعاليات المهرجان العربي الأميركي. وقال: «إن تلك الأعمال لم تضعف الروح المجتمعية المتماسكة التي تتميز بها ديربورن»، مستدركاً بالتأكيد على أن: «البعض يشعرون بعدم الارتياح، بل وحتى بالانزعاج الصريح من رؤية أبراج الكنائس وقباب المساجد تتشارك نفس الأفق على طرقنا».
وأضاف: «في كل مرة حاول فيها أحدٌ ما تمزيق نسيج هذه المدينة العظيمة، كنا نقف في وجهه متحدين، يداً بيد وكتفاً بكتف»، مردفاً: «لعقود، دأب الناس على تقسيم مدينتنا وتشويه سمعتها ولكن لم تستسلم ديربورن قط لتلك المحاولات التفريقية، ومنذ ذلك الوقت ولغاية الآن اجتمع سكان ديربورن من كل حدب وصوب لنبذ الكراهية واقتلاعها من المكان الذي نفخر جميعاً بأن نعتبره موطننا».
استغلال انتخابي
تصريحات حمود وبارهام التي تم استثمارها للاستقطاب الديني على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تكن بمنأى عن الاستثمار الانتخابي أيضاً، حيث سارع المرشح في سباق رئاسة بلدية ديربورن، ناجي المدجحي، للدخول على الخط واصفاً سلوك حمود، في عديد المقابلات الإعلامية بـ«غير المبرر، وغير المهذب، والخاطئ بكافة المقاييس»، بحسب تعبيره.
المرشح اليمني الأصل الذي كشف عن برنامج حملته الانتخابية الأسبوع الماضي، أوضح بأن الولايات المتحدة «مبنية على مبادئ حرية التعبير وحرية الدين»، وقال: «لو كنت في مكان رئيس البلدية عبد الله حمود آنذاك، لما قلت أي شيء، فالرجل لديه الحق، كمواطن أميركي، أن يعبر عن رأيه، وقد فعل ذلك بطريقة محترمة وهادئة وكان على رئيس البلدية أن يتيح له تلك الفرصة بدلاً من اللجوء إلى الهجوم العنيف».
وحذّر المدجحي من أن تصريح حمود القائل بأن بارهام «غير مرحب به هنا» قد يساهم في خلق انطباع خاطئ بأن المسيحيين غير مقبولين في ديربورن، قائلاً: «قد يظن الناس، أو يُغذَّى لديهم شعور خاطئ بأن ديربورن مكان عنصري، أو أنه لا مكان للمسيحيين فيه، وهذا ما أعارضه تماماً»، مؤكداً دعمه التام لتيد بارهام.
Leave a Reply