واشنطن
مع بداية السنة المالية الجديدة صباح الأربعاء الماضي، دخلت الحكومة الأميركية إغلاقاً جزئياً يطال أكثر من 750 ألف موظف فدرالي، وسط مخاوف من أن يستمر الإغلاق لفترة طويلة وشاقة في ظل تعثر مفاوضات الموازنة بين المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين، وتهديد الرئيس الأميركي باستغلال الفرصة لتسريح أعداد كبيرة من الموظفين الفدراليين.
وفي واحدة من أكبر الأزمات السياسية التي تشهدها واشنطن خلال ولاية ترامب الثانية، فشل مجلس الشيوخ الأميركي مساء الثلاثاء الماضي بتمرير مشروع إنفاق لتمديد سقف التمويل الفدرالي مؤقتاً وبالتالي تجنّب إغلاق عدد من الإدارات التابعة للحكومة الفدرالية اعتباراً من منتصف الليل.
وكان مشروع القرار الذي مرره مجلس النواب يحتاج إلى أغلبية 60 صوتاً في مجلس الشيوخ لاعتماده، لكنّ الجمهوريين فشلوا في الحصول على الأصوات القليلة اللازمة من المعسكر الديمقراطي لتمديد تمويل الحكومة لما بعد يوم الثلاثاء المنصرم الذي مثّل نهاية السنة المالية، علماً بأن إقرار تشريعات الميزانية يتطلب موافقة 60 من الأعضاء المئة في مجلس الشيوخ.
ورفض الديمقراطيون توفير الأصوات اللازمة لمواصلة تمويل عمليات الحكومة الفدرالية حتى 21 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بذريعة رفض الجمهوريين للتفاوض بشأن تمويل الرعاية الصحية، ما أدى إلى تعليق العمليات غير الأساسية في مختلف الإدارات الفدرالية وترك مئات آلاف الموظفين المدنيين مؤقتاً بدون أجر، حيث أشار تقرير نشرته وكالة «رويترز»، إلى أن الخطوة ستعلّق عمل 750 ألف موظف فدرالي بتكلفة يومية قدرها 400 مليون دولار.
وكان الجمهوريون قد أصرّوا خلال المناقشات في أروقة الكونغرس على أن الديمقراطيين بحاجة للموافقة ببساطة على تمديد التمويل الحالي سبعة أسابيع إضافية لتفادي إغلاق الحكومة، بينما اشترط الديمقراطيون أن يتضمن أي مشروع قانون للتمويل، تمديد فترة استحقاقات الرعاية الصحية لملايين الأميركيين والتي من المقرر أن تنتهي بنهاية العام. ويرى الجمهوريون أنه يجب التعامل مع هذه المسألة بشكل منفصل.
وبمجرد بدء إغلاق الحكومة الفدرالية لأول مرة منذ ست سنوات، سارع الجمهوريون والديمقراطيون فوراً إلى تبادل الاتهامات، فيما أعلن البيت الأبيض عبر موقعه الإلكتروني: »الديمقراطيون أغلقوا الحكومة الأميركية».
وهدد ترامب بمعاقبة الديمقراطيين وناخبيهم عبر استهداف البرامج الفدرالية التي تدعم أولوياتهم التقدّمية، والدفع باتّجاه خفض كبير في عدد الوظائف الفدرالية.
وقال ترامب للصحافيين «سنسرّح عدداً كبيراً من الأشخاص. هم ديمقراطيون، وسيكونون ديمقراطيين. الكثير من الأمور الجيدة يمكن أن تأتي من عمليات الإغلاق».
يأتي هذا بينما تمضي إدارة ترامب لإحداث تغيير جذري في الحكومة الفدرالية من خلال تسريح حوالي 300 ألف موظف بحلول كانون الأول (ديسمبر) القادم، وقد حذر ترامب بنفسه من أن إغلاق الحكومة سيسمح لإدارته باتخاذ إجراءات «لا رجعة فيها» تتضمن إنهاء برامج ووظائف مهمة للديمقراطيين.
وبعد بدء الإغلاق، كتب رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون على صفحته بموقع إكس أن «الديمقراطيين صوتوا رسمياً لصالح الإغلاق».
وأضاف: «نتائج ذلك: أمهات وأطفال محرومون الآن من التغذية التي يوفرها برنامج التغذية التكميلية الخاص للنساء والرضع والأطفال. المحاربون القدامى محرومون من الرعاية الصحية وبرامج الوقاية من الانتحار. الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ تعاني عجزاً في التمويل خلال موسم الأعاصير. الجنود وموظفو إدارة أمن النقل لا يتقاضون أجورهم».
من جهتهما، قال زعيما الأقلية الديمقراطية في مجلسي الشيوخ والنواب، تشاك شومر وحكيم جيفريز، في بيان مشترك إن «ترامب والجمهوريون أغلقوا الآن الحكومة الفدرالية لأنهم لا يريدون حماية الرعاية الصحية للشعب الأميركي… لقد أصبح الرئيس أكثر تقلباً واضطراباً».
بدوره، اتهم حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، المرشح الديمقراطي المحتمل للرئاسة في 2028: ترامب بإغلاق الحكومة، كما قالت كامالا هاريس نائبة الرئيس السابق على منصة «أكس»: أغلق ترامب والجمهوريون في الكونغرس، الحكومة لأنهم رفضوا وقف ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، مضيفة: «دعوني أوضح أن الجمهوريين يسيطرون على البيت الأبيض ومجلس النواب ومجلس الشيوخ».
واجتمع ترامب، يوم الخميس الماضي، مع مدير مكتب الميزانية في البيت الأبيض، راسل فاوت، لبحث إمكانية تقليص حجم القوى العاملة الفدرالية.
وذكر ترامب في منشور على منصة «تروث سوشيال» أن اللقاء سيحدد أياً من الوكالات سيتم تقليص القوى العاملة لديها، وما إذا كانت هذه التخفيضات مؤقتة أم دائمة. وأضاف: «الديمقراطيون منحوني هذه الفرصة غير المسبوقة، ربما تكون طريقتهم غير المباشرة لإعادة أميركا عظيمة مرة أخرى بسرعة وهدوء».
خسائر كبيرة
مع وصول الحزبين إلى طريق مسدود بشأن دعم الرعاية الصحية، فقد يطول أمد الإغلاق الحكومي وآثاره الاقتصادية. السلبية
وفي السياق، أقرّ وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت في مقابلة مع شبكة «سي أن بي سي» أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي قد يتضرر سلباً بسبب الإغلاق الحكومي. كما نشرت مجلة «بوليتيكو» مذكرة عن البيت الأبيض يحذر فيها المستشارين الاقتصاديين للرئيس ترامب من أن اقتصاد الولايات المتحدة قد يخسر 15 مليار دولار أسبوعياً حال استمرار الإغلاق الحكومي.
وحذر مجلس المستشارين الاقتصاديين في المذكرة من أنه في حال استمرار الإغلاق الحكومي لمده شهر سيزداد عدد العاطلين عن العمل بمقدار 43 ألف شخص.
وأوضحت المذكرة أن ذلك الضرر لا يشمل 1.9 مليون موظف مدني فدرالي متوقفين عن العمل بصورة مؤقتة أو يعملون دون أجر. وأضافت المذكرة أن استمرار الإغلاق لمدة شهر سيخفض إنفاق المستهلكين بمقدار 30 مليار دولار، وينتج نصف هذا الرقم من الآثار المباشرة على الموظفين الفدراليين، والنصف الآخر من التداعيات غير المباشرة على قطاعات أخرى.
كما أشارت إلى أن الإغلاق الحكومي قد يخلف آثاراً اقتصادية سلبية واسعة النطاق من خلال خفض النمو وارتفاع البطالة بالإضافة إلى إغلاق المنتزهات والمتاحف الفدرالية واضطرابات تتعلق بالسفر الجوي، وستزداد تلك التداعيات كلما طال أمد الإغلاق الحكومي.
ولن يؤثر الإغلاق على القطاعات الحيوية مثل خدمة البريد والجيش والوكالات الأمنية وبرامج الرعاية الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
يذكر أن الحكومة الفدرالية شهدت إغلاقاً أو فجوة تمويلية 21 مرة منذ العام 1976 عندما أقر الكونغرس العملية الحديثة لوضع الميزانية. وكان أطولها في أواخر 2018 عندما أغلقت الحكومة جزئياً لمدة خمسة أسابيع تقريباً وسط خلافات حول تمويل الجدار الحدودي الذي اقترحه ترامب –في ولايته الأولى– بين الولايات المتحدة والمكسيك.
Leave a Reply