التقرير الأسبوعي:
بعد أيام من المفاوضات في مدينة شرم الشيخ المصرية حول تفاصيل خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة –وبالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية لانطلاق حرب الإبادة الإسرائيلية رداً على عملية «طوفان الأقصى»– أعلنت مختلف الأطراف المعنية –وعلى رأسها حركة «حماس– عن التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار في غزّة، وانسحاب الاحتلال تدريجياً منها، ودخول المساعدات، وتبادل الأسرى، وذلك ضمن مرحلة أولى من تسويةٍ اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتشددة إلى تجرّعها، تحت ضغوط ترامب، الذي انتقل من موقف الشريك في التصعيد إلى موقع الضاغط على تل أبيب للقبول بإنهاء الحرب.
ومما لا شك فيه أن جزءاً من التغييرات التي حدثت في الموقف الأميركي تجاه إسرائيل مرتبط بالتحركات الدبلوماسية التي تمت في الأمم المتحدة خلال الاجتماعات الأخيرة وما لمسته واشنطن من عزلة دولية تجاه تل أبيب، في ظل تصاعد السخط الدولي تجاه جرائم الإبادة التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني. وهو ما عبّر عنه ترامب نفسه، بقوله لنتنياهو في مكالمة هاتفيه عقب الاتفاق على المرحلة الأولى من اتفاق السلام، الخميس الماضي، إنه «لا يمكنه أن يحارب العالم».
ويرى المراقبون أن ضغوط ترامب على نتنياهو لإنهاء حرب غزة جاءت نتيجة تراكمات سياسية وعسكرية واقتصادية، وضغوط شعبية ودولية غير مسبوقة وصلت الولايات المتحدة نفسها، ودفعت الرئيس الأميركي إلى مراجعة حساباته في الملف الفلسطيني، لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في شرم الشيخ يبقى مبهماً وهشّاً بانتظار البت ببقية بنود خطة ترامب المكوّنة من 20 بنداً، والتي تم الإعلان عنها في 29 سبتمبر المنصرم.
ومن غير المستبعد أن تأخذ الأمور منعطفاً دراماتيكياً خلال مفاوضات المرحلة الثانية من خطة ترامب، التي ستبحث استكمال الانسحاب وضمان وقف دائم للعدوان ونزع سلاح «حماس» التي نفت –من جانبها– أن تكون قد وافقت على تسليم السلاح أو التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني، رغم تصريحات ترامب بأن المرحلة المقبلة من الاتفاق ستشهد «نزع السلاح»، بقوله: «سيكون هناك نزع سلاح وانسحاب بعد إطلاق سراح الرهائن».
وقال ترامب إنه ينبغي إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة يوم الاثنين أو الثلاثاء من الأسبوع المقبل، وإنه يأمل حضور مراسم في مصر لتوقيع اتفاق يشمل هذه الخطوة إلى جانب وقف إطلاق النار في غزة. كما لفت إلى أنه من المرجح أن يزور إسرائيل في الأيام المقبلة ويلقي خطاباً في الكنيست.
ولكن رغم الأجواء الاحتفالية التي عمت أرجاء المعمورة بالإعلان عن الاتفاق، يرى المراقبون أن المرحلة الأولى من خطة ترامب، لا تعدو كونها اتفاقاً على تبادل الأسرى، وتخفيف حدّة الحصار المطبق على القطاع، و«وعود» بإطلاق مفاوضات لاحقة لإنهاء الحرب، وفق بنود «مطّاطة» وقابلة للتأويل قد لا يتردد نتنياهو في الالتفاف على بنودها غير المحسومة (الترتيبات الأمنية، الانتهاكات المحتملة، أو حتى طبيعة الحكم البديل) بمجرد تبدُّد الزخم الدولي.
تفاصيل الاتفاق
تنص المرحلة الأولى من الاتفاق على تسليم 20 محتجزاً إسرائيلياً أحياء دفعة واحدة ضمن المرحلة الأولى من التنفيذ، على أن تُستكمل عملية تبادل المحتجزين والجثامين تدريجياً بالتوازي مع مراحل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع. كما ستطلق إسرائيل سراح أكثر من ألفي أسير فلسطيني، هم 250 يقضون أحكاما بالسجن مدى الحياة و1,700 اعتُقلوا منذ بدء الحرب، إضافة إلى عودة النازحين من جنوب القطاع إلى مدينة غزة وشمال القطاع فور بدء تنفيذ الاتفاق.
كما ينص الاتّفاق، الذي تمّ بموافقة الفصائل الفلسطينية، على إدخال 400 شاحنة مساعدات كحدّ أدنى يومياً إلى قطاع غزة «خلال الأيام الخمسة الأولى بعد وقف إطلاق النار، وستتمّ زيادتها في الأيام المقبلة»، وذلك عبر خمسة معابر، بينها معبر رفح الحدودي مع مصر الذي سيُفتح في كلا الاتجاهين، حسبما أعلن رئيس حركة «حماس» في غزة، خليل الحية.
كذلك، تتعهّد إسرائيل –بموجب الاتفاق– بالانسحاب التدريجي من القطاع خلال 24 ساعة من توقيع الاتفاق، على أن تبقي 53 بالمئة من مساحة غزة تحت سيطرتها، حتى يُفرَج عن آخر رهينة.
ومن المتوقع وصول ترامب إلى مصر يوم الأحد القادم، لمتابعة التنفيذ والمشاركة في المراسيم الرسمية لتوقيع الاتفاق قبل توجهه إلى إسرائيل بالتزامن مع تنفيذ عملية التبادل رسمياً بإشراف مصر وتركيا وقطر وأميركا، علماً بأن المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية أكدت أن بلادها لا تعتزم إطلاق سراح القيادي في حركة «فتح» مروان البرغوثي، ضمن التبادل المرتقب يوم الإثنين المقبل.
وبحسب الجدول الزمني الذي تم الاستقرار عليه، صادقت حكومة الاحتلال على ما جرى التوصل إليه في شرم الشيخ، مع إعلان قوائم الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم، وكذلك خريطة الانسحاب للمرحلة الأولى، مع وقف أي عمليات عسكرية تستهدف قطاع غزة بشكل كامل، على يكون يوم السبت 11 أكتوبر الجاري، موعداً للانسحاب الإسرائيلي الكامل من المناطق المأهولة سكنياً في خطوة تهدف إلى منح المقاومة فرصة من أجل البدء بتجهيز الأسرى الأحياء وإخراجهم من أماكنهم بالإضافة إلى تحديد مواقع جثامين الجنود الذين قتلوا في القطاع، والمعروفة مواقعهم من أجل تسليمهم في عملية التبادل الأولى.
وبحسب المصادر الفلسطينية، نجح وفد «حماس» في إدخال تعديلات جوهرية على خريطة الانسحابات الإسرائيلية التي اقترحها ترامب، حيث تم إلزام إسرائيل بانسحاب أوسع، بالإضافة إلى فتح المعابر فوراً لدخول المساعدات الإنسانية، بما فيها معبر رفح الذي من المتوقع أن يُعاد فتحه بموجب نفس الشروط التي كان يعمل بها خلال اتفاق وقف إطلاق النار في يناير 2025، تحت إشراف السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي.
ووفق المصادر، فإن المرحلة الثانية من خطة ترامب تتضمن تصوراً لإنشاء لجنة فلسطينية فنية مستقلة بإشراف هيئة دولية انتقالية تُسمّى «مجلس السلام» برئاسة ترامب، وعضوية شخصيات دولية من بينها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير. غير أن القيادي في حركة «حماس»، أسامة حمدان، عبر عن رفض الفلسطينيين لهذا المقترح بقوله: «لا يقبل فلسطيني هذا، كل الفصائل بما فيها السلطة الفلسطينية لا تقبل ذلك».
وأكد أن «لا أحد يقبل أن نعود إلى عهد الانتداب والاستعمار»، مضيفاً: «إذا أرادوا مساعدتنا فعليهم أن يعينوا الشعب الفلسطيني على تحصيل حقوقه كاملة وليس محاولة فرض الوصاية عليه».
وتُناط بالهيئة المقترحة من ترامب، مهمة الإشراف على إعادة الإعمار إلى حين استكمال السلطة الفلسطينية «برنامج إصلاحاتها واستعادة السيطرة على القطاع».
وتتضمن بنود المرحلة الثانية أيضاً، إنشاء خطة تنمية اقتصادية يقودها خبراء شاركوا في تطوير مدن شرق أوسطية حديثة، واستحداث منطقة اقتصادية خاصة بتعريفات ورسوم مميزة بالتعاون مع دول عدّة، بهدف جذب الاستثمارات وخلق فرص عمل.
ضمانات؟
أكد رئيس «حماس» في غزة، خليل الحية، أن الحركة حصلت على ضمانات من الوسطاء والإدارة الأميركية بأن الحرب انتهت بشكل تام، مؤكداً مواصلة العمل لاستكمال باقي الخطوات. وقال الحية، في ما يشبه خطاب النصر، إن «العالم وقف مذهولاً أمام ما قدمه أهالي قطاع غزة من تضحيات وثبات وصبر»، لافتاً إلى أن أهالي القطاع «خاضوا حرباً لم يشهد لها العالم مثيلاً وتصدوا لطغيان العدو وبطش جيشه ومجازره، فوقفوا كالجبال لم تفتر لهم عزيمة في وجه القتل والنزوح والجوع وفقدان الأهل وخسارة البيوت».
وفي ذكرى 7 أكتوبر توجه الحية بالتحية إلى «شهدائنا من القادة مفجري الطوفان هنية والعاروري والسنوار والضيف»، وقال: «نقف أمام بطولات رجال المقاومة الذين قاتلوا من نقطة صفر وكانوا كالطود العظيم أمام دبابات الاحتلال». وتابع: «كما كنتم رجالاً في القتال، كان لإخوانكم رجال على طاولة المفاوضات، واضعين مصلحة شعبنا وحقن دمائه نصب أعيننا منذ اللحظة الأولى للمعركة، غير أن هذا العدو المجرم ماطل وارتكب المجازر تلو المجازر وأجهض جهود الوسطاء المحاولة تلو المحاولة».
وأكد الحية أن حركة «حماس» تعاملت «بمسؤولية عالية مع خطة الرئيس الأميركي وقدمنا رداً يحقق مصلحة شعبنا وحقوق شعبنا وحقن دمائه ويتضمن رؤيتنا لوقف الحرب.. وبما مكننا نحن وقوى المقاومة من إنجاز اتفاق نقدمه لشعبنا العزيز».
وحيا زعيم الحركة «شعبنا في كل أماكن تواجده، في الضفة وأراضي 48 والشتات بالتقدير العظيم»، متقدماً «بالتقدير العميق من الإخوة الوسطاء في جمهورية مصر العربية ودولة قطر والجمهورية التركية، ومن شاركنا الدم والمعركة من أمتنا في اليمن ولبنان والعراق والجمهورية الإسلامية في إيران»، و«كل من تضامن معنا في كل أنحاء المعمورة من أحرار العالم الذين خرجوا في مسيرات بمئات الآلاف بل بالملايين في الساحات يصدحون بالحق»، و«المتضامنين في قوافل الإسناد والحرية براً وبحراً وكل من ساهم معنا بكلمة حق أمام طغيان جائر متجبر في هذه الأرض».
وعمّت الاحتفالات مناطق قطاع غزة، كما ذوي الأسرى الإسرائيليين، بمجرد الإعلان عن التوصل لاتفاق إنهاء حرب الإبادة التي دخلت عامها الثالث قبل أيام. وشوهد الآلاف من أبناء القطاع، نساء ورجال وأطفال، تغمرهم الفرحة وهم يرددون هتافات في عدة مقاطع جرى تداولها على منصات التواصل الاجتماعي.
ترحيب شامل
لقي إعلان الوسطاء عن التوصل إلى اتفاق بشأن إنهاء حرب غزة ترحيباً عربياً وإسلامياً ودولياً واسعاً، وسط دعوات إلى تثبيت التوافق على المرحلة الأولى وإلى وقف نهائي للإبادة التي يشهدها القطاع منذ أكثر من عامين. وقال ترامب على حسابه في منصة «تروث سوشال» إن «إسرائيل وحماس وقّعتا على المرحلة الأولى من خطتنا للسلام»، مضيفاً أن الاتفاق «يعني إطلاق سراح جميع الرهائن قريباً جداً، وسحب إسرائيل قواتها إلى خط متفق عليه في خطوات أولى نحو سلام قوي ودائم».
وتابع: «ستُعامل جميع الأطراف بإنصاف. هذا يوم عظيم للعالمين العربي والإسلامي، ولإسرائيل، ولجميع الدول المحيطة، وللولايات المتحدة». وشكر ترامب الوسطاء من قطر ومصر وتركيا، «الذين عملوا معنا لإتمام هذا الحدث التاريخي وغير المسبوق. طوبى لصانعي السلام».
وتوالت ردود الفعل الدولية المرحبة باتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد 734 يوماً من بدء العدوان، الذي أدى إلى استشهاد وإصابة نحو 10 بالمئة من سكان القطاع الذي أتت آلة الحرب الإسرائيلية على أكثر من 80 بالمئة من مبانيه وبنيته التحتية.
بدوره، أمِل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أن «يشكل الاتفاق خطوة نحو حل سياسي دائم يفضي لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين»، مثمّناً «جهود الرئيس ترامب والوسطاء الدوليين ونؤكد استعدادنا للعمل مع الشركاء لإنجاح الاتفاق»، وشدد على «سيادة دولة فلسطين على غزة وربطها بالضفة يجب أن يتم عبر الجهات الأمنية الفلسطينية وبدعم عربي ودولي».
ومن جانبه، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بالإعلان عن الاتفاق في غزة، مشيداً بـ«الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا في التوسط لتحقيق هذا الإنجاز الذي تشتد الحاجة إليه»، وحث «جميع المعنيين على الامتثال الكامل لبنود الاتفاق».
على الصعيد الأوروبي، اعتبرت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، أن «الاتفاق على المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في غزة تقدم مهم، وإنجاز دبلوماسي كبير وفرصة حقيقية لإنهاء حرب مدمرة وإطلاق سراح جميع الرهائن»، مشددة على أن «الاتحاد سيبذل قصارى جهده لدعم تنفيذ الاتفاق».
وتوالت بيانات الترحيب من الدول الأوروبية والغربية، فضلاً عن الدول العربية والإسلامية، بما فيها إيران التي أكدت دعمها لأي جهد يفضي إلى إنهاء حرب الإبادة في غزة، عقب الإعلان عن وقف إطلاق النار بوساطة الولايات المتحدة، مطالبة المجتمع الدولي بضمان وفاء إسرائيل بالتزاماتها بموجب الاتفاق.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية، عبر منصة «أكس»: «لقد دعمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية باستمرار كل إجراء ومبادرة تهدف إلى وقف حرب الإبادة الجماعية، وضمان انسحاب القوات المحتلة، وتمكين دخول المساعدات الإنسانية، وتأمين إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، وتحقيق الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني».
أما عربياً، وفي محاولة واضحة للتغطية على التخاذل إلى حد التواطؤ مع العدوان، روّجت دول عربية وإسلامية لاتفاق غزة كإنجاز دبلوماسي لها.
وقدّمت الدول التي ساهمت في تغطية صفقة غزة، وهي السعودية ومصر وتركيا والأردن والإمارات وقطر وباكستان وإندونيسيا، ولا سيّما منها تلك المعنيّة مباشرة بالقضية، بحسب وسائل إعلامها، اتفاق وقف إطلاق النار، على أنه انتصار لمنطق الدبلوماسية في التوصّل إلى حلول، على حساب منطق المقاومة. ويأتي ذلك وسط إغفال لبنود الاتفاق التي تتضمّن إجحافاً كبيراً بحقّ الفلسطينيين في ما يخصّ مطالبهم المشروعة، بعدما تمكّنت إسرائيل من إيصال الأوضاع في قطاع غزة إلى درجة من السوء، بات معها إنهاء المذبحة مطلباً يتقدّم على أيّ مطلب سواه.
Leave a Reply