رؤى قاسم
منذ عام 2017، يشهد لبنان جدالاً مستمرّاً حول قانون الانتخابات النيابية وموقع المغتربين فيه. وكما كان الحال قبل الانتخابات النيابية الأخيرة في 2022، يعيش لبنان وجالياته المغتربة أياماً حاسمة، من المفترض أن تحدّد شكل البرلمان اللبناني للسنوات الأربع المقبلة.
ونظراً لأهمية المدّة المقبلة بالنسبة إلى لبنان، خصوصاً في ظلّ الحرب الإسرائيلية المستمرّة، والملفات الحسّاسة مثل نزع سلاح المقاومة والمفاوضات مع إسرائيل، بالتزامن مع تغيّرات إقليمية، تحاول بعض القوى السياسية داخل لبنان وخارجه استثمار ورقة المغتربين للضغط على الثنائي «حزب الله» وحركة «أمل»، والسعي إلى إحداث تأثير في الداخل عبر أصوات اللبنانيين في الخارج.
في هذا الإطار، أرسلت مجموعة من «الفاعليات والمؤسّسات والهيئات»، التي تمثّل «الشريحة الأوسع والأكبر من الجالية اللبنانية في ولاية ميشيغن»، طلباً إلى وزارة الخارجية اللبنانية، وإلى الرئاسات الثلاث، لاتّخاذ ما يلزم من إجراءات «في ما يتعلّق بضرورة اعتماد 6 نوّاب للاغتراب وفقاً لقانون الانتخابات النيابية لعام 2017» (إقرأ نص الرسالة كاملاً أدناه).
وأكّد البيان أنّ الموقّعين لن يسمحوا «لأيّ جهة كانت أن تتسلّق أو تتحدّث نيابةً عنهم لأغراض سياسية لا تعبّر عن إرادتهم أو تطلّعاتهم»، رافضين بشدّة «أي هجوم أو تجريح موجّه إلى شخصية وطنية تشكّل عماداً من أعمدة الاستقرار الوطني، وهي دولة الرئيس نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، الذي يُمثّل الحارس الأخير لجمهورية الطائف»، ومؤكّدين أنّ «احترام المؤسّسات والشخصيات الوطنية هو من صلب قيمنا وتطلّعاتنا».
وبناءً على ذلك، طالبت الرسالة وزارة الخارجية، بأن «تتولّى بالتنسيق مع الرئاسات الثلاث، تفعيل ما ورد في قانون 2017 واعتماد المقاعد الستّة للمغتربين كما نصّ عليه القانون، بما يعزّز تمثيل الجالية اللبنانية في الخارج ويحقّق المساواة والعدالة الانتخابية»، لافتين إلى أنّ مَن يمثّل ويرعى مصالح الجالية اللبنانيّة «هم نواب يترشّحون عن دول الاغتراب، وليس نواب يترشحون عن الدوائر الانتخابية في لبنان». كما طالبت بـ«أن تُجرى عملية تسجيل المغتربين الراغبين بالاقتراع في الخارج بالشفافية والنزاهة الكاملة المطلوبة، والبعيدة عن أي خلافات حزبية لبنانية داخلية».
وشدّدت الرسالة على أهمية «أن يُؤخذ في الحسبان موقف الجالية اللبنانية في ميشيغن، كمكوّن شرعي واسع، يُعَبّر عن مئات آلاف اللبنانيين المغتربين الذين يسعون إلى المساهمة في الوطن عبر حقوقهم السياسية والتمثيلية».
وأكّدت القنصلية اللبنانية في ولاية ديترويت، تسلّم هذه الرسالة في لقاء حضره نحو 31 لبنانياً مغترباً، بناءً على طلب منهم، وقد أُرسلت لوزارة الخارجية للمتابعة.
وأوضح رئيس «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك)، أسامة السبلاني، الذي ترأّس وفد فاعليات ميشيغن، إلى القنصلية، أنه «بعدما خرجت مجموعات تزعم أنها تمثّل الجالية اللبنانية في أميركا، في حين أنهم لا يشكّلون إلا جزءاً صغيراً منها، طلبنا الاجتماع مع القنصل اللبناني، إبراهيم شرارة، بشكل عاجل قبل الجلسات المقرّرة لمجلسَي النواب والوزراء في لبنان، للبتّ بمسألة انتخابات المغتربين».
وأشار السبلاني، في حديث إلى صحيفة «الأخبار» اللبنانية، إلى اللقاء الذي جمع سفيرة لبنان في واشنطن، ندى معوّض، مع أربعة أشخاص وُصِفوا بأنهم «ممثّلون عن ائتلاف منظمات الجالية اللبنانية»، وقد «سلّموا رسالة تدعو إلى مشاركة المواطنين اللبنانيين في الخارج في انتخاب 128 عضواً في البرلمان، كلٌّ ضمن دائرته الانتخابية»، مؤكّداً أنّ «هؤلاء على الأرض لا يُمثّلون الجزء الأكبر من الجالية اللبنانية في أميركا، بل إنهم غير معروفين في أوساطها».
وأوضح السبلاني، أنّ المجموعة التي التقت القنصل، «لا تزعم تمثيل كل الجالية اللبنانية في أميركا»، مقرّاً بوجود «أطراف وآراء أخرى تُحترم»، إلا أنه لفت إلى أنّ الوفد الذي ترأّسه «يُمثّل الشريحة الأكبر والأوسع من الجالية، والتي تضمّ اللبنانيين الموجودين في موقع القرار الرسمي والشعبي»، مشيراً إلى أنه في مدينتَي ديربون وديربون هايتس، والمدن المجاورة لهما في مقاطعة وين، يوجد نحو 80 ألف ناخب، ومن غير المقبول تجاوزهم بهذه السهولة. واستغرب تعامل السفيرة مع هذه الشريحة، لا سيّما أنها حضرت قبل مدّة إلى ديترويت، وعبّرت عن «ذهولها» بحجم الجالية اللبنانية وبنشاطها في هذه المدن.
وعن المطالب التي ذُكرت في الرسالة إلى الخارجية اللبنانية، أوضح رئيس «اللجنة العربية الأميركية» أنه «احتراماً للأهل في لبنان، يجب أن تُترك لهم حرّية اختيار الممثّلين الأفضل لهم»، مؤكّداً أنه «من غير المنصف أن يقرّر المغترب الذي يتمتّع بأحوال معيشية جيدة، نيابةً عن المواطن الموجود في البلاد والذي يكابد معاناة يومية قد لا يفهمها المغترب حتى وإن كان مطّلعاً ومراقباً للوضع الاقتصادي والسياسي والمعيشي في لبنان».
ولفت السبلاني، إلى أنّ اقتراع المغتربين للـ128 نائباً يواجه عقبات عدّة، أوّلها تخوّف الشريحة الأوسع من الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة، وتحديداً في ولاية ميشيغن، من أن تتمّ ملاحقتهم أو محاسبتهم في حال اقتراعهم لإحدى اللوائح أو المرشحين المدرجين على لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة. وأوضح أنه «حتى في حال تأمين مبدأَي الشفافية والسرّية التامّة في الاقتراع والتسجيل، تبقى هذه المخاوف مشروعة، لأنه، على سبيل المثال، فإنّ كلّ مَن سيقترع في الدوائر التي تُعرف بانتمائها للبيئة الحاضنة للمنظّمات التي تُصنّفها الولايات المتحدة إرهابية، قد يكون عرضةً للملاحقة أو للتضييق، بشكل مباشر أو غير مباشر».
والنقطة الثانية، أنّ اعتماد تصويت المغتربين لـ128 نائباً، يعني أنهم سيضطرّون للتصويت لنواب ووجوه ليسوا على معرفة جيدة بها إلا عبر وسائل الإعلام، في حين أنّ اقتراعهم لنواب ستّة مخصّصين للاغتراب سيمنحهم قدرة أكبر على اختيار المرشح الأنسب إليهم، والذي سيضمنون تواصلاً فاعلاً معه، خصوصاً أنه سيكون مستقلّاً وغير منتمٍ لأي جهة سياسية، ما يعطيه قدرة أكبر على خدمة المغتربين وأبناء الوطن على حدّ سواء، بعيداً عن أي عوائق تتعلّق بـ«لوائح الإرهاب» وغيرها.
وفي السياق نفسه، أشار السبلاني، إلى اختلاف الاهتمامات والمصالح بين المواطنين في لبنان والجالية في المغترب، لافتاً إلى أنّ القرارات التي يصوّت عليها المجلس النيابي في الغالب تتعلّق بشؤون محلّية، مثل الإنماء والتشريعات الداخلية وغيرها، في حين أنّ اهتمامات المغترب غالباً ما تنحصر بحسن سير العلاقة مع سفارة بلده ووزارة الخارجية، والعكس، لا سيّما بما يتعلّق ببعض المبادرات التي يقدّمها المغتربون لخدمة قراهم ووطنهم.
وفي حال عدم الأخذ بمطالب الرسالة التي أُرسلت إلى الخارجية اللبنانية، واعتماد اقتراع المغتربين لـ128 نائباً، يعيد السبلاني، التأكيد على مطلب أساسي، وهو تأمين الشفافية والسرّية التامّة في عملية التسجيل أولاً، ومن ثمّ في عملية الاقتراع، لضمان سير العملية الانتخابية بالشكل الديمقراطي المطلوب.
عن جريدة االأخبارب اللبنانية






Leave a Reply