نيويورك
في انتصار انتخابي وصف بالزلزال السياسي، صوّت أكثر من مليون ناخب في مدينة نيويورك لصالح المرشح التقدمي الديمقراطي، زهران ممداني، الذي صنع التاريخ، يوم الثلاثاء الماضي، كأول مسلم ينتخب لرئاسة أكبر مدينة في الولايات المتحدة.
ورغم ضخ المال الانتخابي والحملات الدعائية المضادة، تفوق ممداني ذالذي فاز ببطاقة الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية الصيف الفائتذ على منافسه المستقل ذالمدعوم من الرئيس دونالد ترامب واللوبي الصهيونيذ حاكم ولاية نيويورك السابق أندرو كومو، والمرشح الجمهوري كورتيس سليوا.
وتصدر ممداني (34 عاماً)، والذي يصف نفسه بالديمقراطي الاشتراكي، السباق بحصوله على 50.4 بالمئة من أصوات الناخبين، متقدماً بأكثر من 100 ألف صوت على كومو الذي حصد 41.3 بالمئة من الأصوات الناخبة، والذي خاض السباق كمرشح مستقل بعد خسارته تصفيات الحزب الديمقراطي أمام ممداني، في حين حصل منافسه الجمهوري سليوا على 7 بالمئة فقط من الأصوات الناخبة.
الانتخابات التي شارك فيها أكثر من مليوني ناخب، وهو أكبر عدد من الأصوات في سباق رئاسة بلدية نيويورك منذ عام 1969، عكست الصعود المذهل لممداني المناهض لجرائم الإبادة الجماعية التي نفذتها إسرائيل في قطاع غزة، وذلك في المدينة التي تضم أكبر تجمع لليهود خارج دولة الاحتلال، بما يعكس التحولات العميقة داخل المشهد السياسي الأميركي ويعزّز حضور الخطاب المؤيّد لفلسطين في قواعد الحزب الديمقراطي وعموم المجتمع الأميركي.
وتمثّل مدينة نيويورك مركز المال والإعلام والثقافة، والأهمّ أنها قلب الجالية اليهودية الأميركية. وقد نال ممداني، الذي رفعت حملته شعار احقبة جديدةب تأييد شريحة لافتة من اليهود قُدّرت بأكثر من 30 بالمئة رغم مواقفه المناهضة لإسرائيل، والمُطالبة بوقف الدعم الأميركي لها.
وخلال خطاب النصر الذي ألقاه وسط الآلاف من أنصاره الثلاثاء المنصرم، قال ممداني إنه يتطلع إلى أداء القسم رسمياً في بداية كانون الثاني (يناير) المقبل لكي يباشر الوفاء بوعود حملته الانتخابية التي تتركز حول تخفيف أعباء المعيشة، وتجميد الإيجارات وتوفير السكن الميسور، وتحسين وسائل النقل العام، وتقديم خدمات الحضانة للأطفال ما قبل سن المدرسة مجاناً، فضلاً عن زيادة الضرائب على الأغنياء والشركات الكبرى.
وأضاف ممداني: القد منحتموني تفويضاً من أجل التغيير ومن أجل سياسة جديدةب، مؤكداً العمل على تحسين أوضاع مدينة نيويورك، ومهاجماً جشع أثرياء كبرى المدن الأميركية، بالقول: امعاً، سندخل جيلاً جديداً في الحكم، وإذا اعتنقنا هذا المسار الجديد الشجاع، بدلاً من الهرب منه، يمكننا الرد على الأوليغارشية والاستبداد بالقوة التي تخشاها، وليس الاسترضاء الذي تتوق إليهب.
ويطالب ممداني بفرض ضرائب مرتفعة على الشركات والأثرياء لدفع تكاليف السياسات الاشتراكية الطموحة مثل تجميد الإيجارات ورعاية الأطفال المجانية والحافلات المجانية، وهو ما دفع العديد من المدراء التنفيذيين في وول ستريت إلى التعبير عن قلقهم من اوصول اشتراكي ديمقراطي إلى رأس العاصمة المالية للعالمب.
وفي خطابه، فتح ممداني النار على الرئيس ترامب، قائلاً: اإذا كان بإمكان أية جهة أن تُظهر لأمة خانها دونالد ترامب كيفية هزيمته، فهي المدينة التي أنجبتهب، في إشارة إلى مدينة نيويورك، مضيفاً: اهذه ليست فقط الطريقة التي نوقف بها ترامب، بل هي الطريقة التي نوقف بها: ترامب التاليب.
ممداني، الذي واجه انتقادات حادة خلال حملته الانتخابية بسبب عمره ودينه وأصوله الإثنية وسياساته الاشتراكية، أكد أنه يرفض الاعتذار عن هويته، وقال: ايُقال إنني لست المرشح المثالي.. أنا شاب رغم كل ما بذلته من جهد لأصبح أكبر سناً، وأنا مسلم، وأنا اشتراكي ديمقراطي، والأهم من ذلك كله، أنني أرفض الاعتذار عن أيٍّ من هذاب.
وسارع ترامب الذي يصف ممداني بأنه اشيوعيب إلى الردّ على خطاب المهاجر الهندي الأصل عبر منشور له على منصة اتروث سوشيالب قال فيه: افليبدأ التحدي إذن!ب، علماً بأن الرئيس الأميركي كان قد هدّد سابقاً بقطع التمويل عن مدينة نيويورك ردّاً على انتخابه.
ويذكر أن ممداني المتزوج من الفنانة السورية الأميركية راما دوجي، قد ركّز خلال حملته الانتخابية على جذب مختلف المكونات العرقية في مدينة نيويورك، بما فيها المجتمعات العربية واللاتينية والإفريقية، وقال باللغة العربية في خطابه: اأنا منكم وإليكمب، كما يقال في حي ستاينواي، بمنطقة كوينز ذات الكثافة العربية المرتفعة.
وأحدث فوز ممداني حالة قلق واسعة في الإعلام الإسرائيلي، عبرت عنها صحيفة امعاريفب بعنوان جاء فيه: ابدءاً من نيويورك ذ هل يتحقّق سيناريو الكابوس الإسرائيلي بالفعل؟ب، مشيرةً إلى أن اانتخابات نيويورك شكلت إشارة موجّهة إلى إسرائيل. على عكس انتخابات سابقة، حيث أصبح موضوع العلاقات مع إسرائيل تدريجيّاً قضيّة داخلية أميركية، فإذا كان الدعم قبل وقت قصير يُعدّ شبه مسلَّم به، فإن هذا الموقف اليوم بات موضع نقاشٍ عامٍّ حقيقيب.
ويتقاطع هذا القلق مع تحذيرات شبه رسمية أشد وضوحاً؛ منها، ورقة سياسات صدرت، عن امركز دراسات الأمن القوميب في تل أبيب، بعنوان: االيوم الذي بعد ترامب: كيف يجب على إسرائيل أن تعدّ نفسها للزلزال القادمب، موصية صراحة باستغلال نافذة الفرصة الحالية لترسيخ اتفاقات استراتيجية لا رجعة عنها، من قَبيل شراكات تكنولوجية عميقة، واندماج في شبكات الدفاع والأمن الأميركية، ومفاوضات مباشرة مع دول المنطقة تحت مظلّة واشنطن. ويرى المعهد أن على إسرائيل أن تسارع بلا إبطاء إلى استغلال اندفاعة ترامب وتعاطفه معها، للتقليل لاحقاً من تداعيات المتغيّرات الداخلية في أميركا، سواء عبر تحصيل المزيد من المكاسب، أو تثبيت ما جرى الاستحصال عليه بالفعل.
وزهران من مواليد مدينة كامبالا في أوغندا عام 1991، وهو الابن الوحيد لمحمد ممداني، وهو أستاذ جامعي متخصص في الدراسات الأفريقية والأنثروبولوجيا. أما والدته ميرا ناير، فهي مخرجة سينمائية حاصلة على ترشيحات جوائز عالمية. وينتسب والداه إلى أصول هندية وقد هاجر معهما من أوغندا إلى كيب تاون في جنوب أفريقيا، قبل انتقال العائلة إلى مدينة نيويورك وهو في سنّ السابعة من عمره.
تلقى ممداني تعليمه المدرسي في نيويورك وحصل على شهادة جامعية في الدراسات الأفريقية من كلية بودوين بولاية ماين عام 2014.، ودخل الحياة السياسية لأول مرة كعضو في مجلس نواب ولاية نيويورك عن منطقة كوينز، قبل أن يقود حملته الناجحة لمنصب رئيس البلدية قبل نحو عام واحد تقريباً.
انتخابات فرجينيا ونيوجيرزي
بالإضافة إلى سباقات رئاسة البلدية في معظم المدن الأميركية الكبرى، شهدت انتخابات الثلاثاء الماضي، سباقين على حاكمية ولايتي فيرجينيا ونيوجيرزي.
ففي فيرجينيا، انتُخبت الديمقراطية، العميلة السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي)، أبيغيل سبانبرغر لمنصب الحاكم بحصولها على 57.6 بالمئة من الأصوات مقابل 42.4 في المئة لمنافستها الجمهورية وينسوم إيرل سيرز، التي تشغل حالياً منصب نائب حاكم الولاية.
كذلك، أسفرت النتائج عن سابقة تاريخية جديدة بانتخاب، عضوة مجلس شيوخ فيرجينيا، الديمقراطية غزالة هاشمي، كأول مسلمة تتولى منصب نائبة حاكم الولاية. وهاشمي من مواليد مدينة حيدر آباد بالهند، وتمثل حالياً مقاطعة تشيسترفيلد في مجلس شيوخ ولاية فرجينيا. وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب الأميركي من اجامعة إيموريب.
وكانت هاشمي قد ركزت، في حملتها، على قضايا تغير المناخ وحماية البيئة وتوفير مساكن بأسعار معقولة، ووجَّهت انتقادات إلى الرئيس دونالد ترمب عبر وصفها ولايته الثانية بأنها اأسوأ من ولايته الأولىب، وذكرت أنه أحاط نفسه بـاأشرارب.
أما في نيوجيرزي فاختار الناخبون، الديمقراطية ميكي شيريل لقيادة الولاية للسنوات الأربع القادمة بنيلها 56 بالمئة من الأصوات مقابل 43 بالمئة لمنافسها الجمهوري جاك شيتاريلي.
وتعتبر سباقات نيويورك وفيرجينيا ونيوجيرزي بمثابة مؤشر أولي لتوجهات الناخبين الأميركيين بعد مرور سنة على انتخاب ترامب، حيث منحت سباقات الثلاثاء الماضي، الحزب الديمقراطي، فرصة اختبار مختلف أساليب الحملات الانتخابية قبل سباق الكونغرس لعام 2026، الذي سيعيد تشكيل موازين السلطة التشريعية التي يسيطر عليها الجمهوريون حالياً، بينما يسعى الحزب الأزرق إلى شق طريقه للخروج من حالة الجمود السياسي التي يعاني منها منذ فوز ترامب والجمهوريين في انتخابات 2024.
وفي أول رد فعل له على نتائج اليوم الانتخابي، قال ترامب ذعبر منصة اتروث سوشيالبذ إن عدم وجود اسمه على ورقة الاقتراع والإغلاق الحكومي كانا سبب خسارة الجمهوريين للانتخابات.






Leave a Reply