من بنت جبيل إلى أفضل مئة معلمة على منصة IXL العالمية
ديربورن هايتس ذ إبتسام خنافر
هناك أشخاص، بمجرد أن تجلس أمامهم، تشعر بأن الحديث معهم لا يحتاج إلى مقدمات. يكفي تبادل النظرات الأولى أو سماع نبرة الصوت، لتدرك أنك أمام إنسان يحمل في داخله شيئاً مختلفاً، شيئاً يشبه الطمأنينة. هكذا كان اللقاء مع نادين شامي بزي، المعلمة المتميزة في مدرسة استار إنترناشونال أكاديميب بديربورن هايتس، والتي تم اختيارها مؤخراً ضمن قائمة IXL الدولية لأفضل مئة معلمة على مستوى العالم للسنة الدراسية الماضية 2024ذ2025.
وIXL هي منصة تعليمية يستخدمها أكثر من مليون معلم ومعلمة حول العالم لتحسين أداء الطلاب وقياس تقدمهم في مختلف الصفوف الدراسية، من مرحلة ما قبل الحضانة حتى الصف الثاني عشر ثانوي.
وقد قررت المنصة التي يستخدمها أكثر من 17 مليون طالب في أكثر من 190 دولة، تكريم نادين في قائمتها السنوية بناء على نتائج طلابها في الصف الخامس بمدرسة استار إنترناشونال أكاديميب التابعة لمدارس احمادةب.
الأطفال أولاً
دخلت بخطوات هادئة، وابتسامة لطيفة ليست من النوع الذي يُصطنع من أجل الصور. جلست، وضعت حقيبتها الصغيرة إلى جانبها، وبدأت تتحدث بصوت منخفض لكنه ثابت، كأنها تعوّدت أن تُسمِع دون أن ترفع صوتها، وأن تُفهِم دون تكلّف.
نادين ليست معلمة تُعرّف نفسها بالإنجازات والجوائز، فهي قبل كل شيء أمّ لثلاث فتيات، تحمل معها إلى الفصل الدراسي خبرة الأمومة بكل ما فيها من صبر وحنان وقدرة على الإصغاء لما يُقال… وما لا يُقال. إنسانيتها لا تأتي بعد مهنتها، بل تسبقها، وتفسّرها، وتمنحها معناها الحقيقي.
في حديثها، لا تتكلم عن المناهج بقدر ما تتحدث عن الأطفال، عن التفاصيل الصغيرة التي لا تُكتب في التقارير، ولكنها تصنع فرقاً حقيقياً في حياة الطفل.
بالنسبة لها، المعلّمة ليست من يشرح الدرس فحسب، وإنما من تعرف متى تصمت لتصغي، ومتى تكون أمّاً ثانية، أو صديقة، أو كتفاً يستند إليه طفل في يوم صعب.
تقول نادين، التي هاجرت من لبنان إلى الولايات المتحدة وهي في سن المراهقة، إن التعليم بالنسبة لها اعلاقة إنسانية، لا مجرد وظيفةب وامسؤولية أخلاقية قبل أن يكون مهنةب، مؤكدة أنها لا ترى طلابها كمتلقّين للمعلومة، ابل كأطفال يحملون قصصهم ومشاعرهمب، وأن االمعلّمة يجب أن تكون مساحة أمان، لأن الطفل لا يتعلّم فعلاً إلا إذا شعر بأنه مفهوم ومحترَمب.
وأوضحت: اأحياناً، كلمة واحدة تُقال في لحظة مناسبة تغيّر مسار طفل، وأحياناً برهة صمتٍ قصيرة تفتح باباً للبوح. التعليم ليس تلقيناً… بل إصغاءب.
عالم صغير مليء بالقصص
تشرح نادين قائلة: اكل طفل يدخل الصف ومعه عالم كامل. هناك من يعاني من انفصال والديه، أو فقد أحدهما… هناك من يعاني خوفاً أو قلقاً أو صعوبة في التعلّم. الصف ليس جدراناً… بل حياة مصغرةب.
تتابع مبتسمة: اأحياناً ألاحظ طفلاً يجلس في الصف الأخير، ينظر إلى طاولته أكثر مما ينظر إليّ. أعرف أن هناك شيئاً ما. لا أسأله مباشرة، بل أقترب منه في وقت الاستراحة، أسأله عن يومه أو عن لعبته المفضلة. شيئاً بسيطاً… وفجأة يبدأ بالكلام. هنا يبدأ التعليم الحقيقيب.
تأثير الأمومة
وحول تأثير أمومتها على أسلوبها التربوي، أفصحت نادين لـاصدى الوطنب بأن أمومتها لثلاث بنات غيّرتها جذرياً: اعلّمتني الصبر الحقيقي، وأن لكل طفل إيقاعه الخاص. ما أعيشه مع بناتي أحمله معي إلى الصف. أرى الطالب كطفل قبل أن أراه كتلميذب.
وأضافت: ابناتي الثلاث مختلفات تماماً: واحدة حساسة جداً، الثانية عملية، والثالثة مرحة. تعلّمت من كل واحدة منهن درساً، وهذه الدروس ترافقني في عملي كل يومب.
وبخصوص صعوبة الموازنة بين الأمومة والتعليم، تقرّ نادين بأن الأمر لم يكن سهلاً على الإطلاق خصوصاً خلال جائحة كورونا. تقول. اكنت أعلّم طلابي عبر الشاشة، وأتابع بناتي في الوقت نفسه. كان الأمر مرهقاً، لكن دعم زوجي، وعائلتي وخصوصاً والدتي، كان سندي اليوميب.
من بنت جبيل إلى ميشيغن
عن جذورها اللبنانية تقول نادين:اأنا من بنت جبيل، وهذا جزء كبير من هويتي. كبرت في بيت يحب العلم والكلمة. والدي كان يملك صيدلية، لكنه كان شاعراً في قلبه. كان يحب اللغة العربية والموسيقى والشعر، وكان يجلس معي لأكتب الإنشاء، لا ليصحّح فقط، بل ليعلّمني أن الكلمة مسؤوليةب.
أما والدتها، افكانت عماد البيت وروحه. منها تعلّمت الصبر، والاحتواء، والقدرة على الوقوف بثبات حتى في أصعب اللحظاتب. وأضافت اكانت تؤمن بي بهدوء، وتدعمني دون ضجيج، وتعلّمني أن العطاء لا يحتاج إلى صوت عالٍ كي يكون عميقاً. حضورها في حياتي شكّل توازني، ومنحني القوة التي أحتاجها لأكمل طريقيب.
تنهدت قليلاً ثم تابعت: اعندما انتقلت إلى الولايات المتحدة، حملت معي دفء الجنوب وإصرار أهلي. درست البكالوريوس والماجستير في التعليم من جامعة ميشيغن، ثم بدأت عملي في مدرسة ستار إنترناشونال أكاديمي منذ سبعة عشر عاماًب، مؤكدة أنها لم تشعر قط أنها مجرد مدرسة، بل هي ابيتها الثانيب.
لحظة الإنجاز
حول الشعور الذي انتابها لحظة معرفتها بتكريم IXL، تقول نادين اوصلني الخبر فجأة عبر البريد الإلكتروني، وشعرت أن الوقت توقف. كانت لحظة صافية جداً، إحساس بأن كل تعب السنوات لم يذهب سدىب، مستدركة بأن االلحظات الأجملب كانت عندما لمست فرح طلابها وعائلتها وزملائها. اكان الأمر يشبه دعاء الأم حين يتحققب.
وأسهبت نادين بالقول: اشعرت أن الصف أضاء. وكان الفرح في عيون الطلاب أكبر من أي كلمة تهنئة، أصبحوا أكثر اهتماماً وزادت ثقتهم بأنفسهم. وهنا فهمت أن الإنجاز الحقيقي هو أن يرى الطفل نفسه قادراًب.
أما من منظورها الشخصي، فتقول: الا أرى مسيرتي التربوية كأرقام وجوائز، بل كوجوه، ثمانية عشر عاماً من القصصب، موضحة أن استخدامها لبيانات منصة IXL ساهم في تطويرها شخصياً فضلاً عن مساعدتها اعلى فهم كل طالب بعمق أكبرب، الا لتصنيفه، بل لدعمهب.
تختصر نادين فلسفتها قائلة: االطالب لا يسمعك… إلا إذا شعر أنك ترينهب.
رسالة ختامية
لدى سؤالها عن رسالتها إلى زملائها المعلمين والراغبين في دخول هذه المهنة. تؤكد نادين بأن االتعليم يحتاج إلى قلب كبيرب. اابنوا الثقة قبل المعرفة، والإنسان قبل الدرس. استخدموا الأدوات الحديثة، لكن لا تنسوا أن أعظم أداة تبقى الكلمة الطيبة. ولا تخافوا من التعب… فالتعب في طريق الرسالة يتحول نوراًب.
وفي الختام توجهت نادين بالشكر لصحيفة اصدى الوطنب لأنها كانت بين أول من أضاؤوا على إنجازها. وقالت اأنتم دائماً قريبون من الجالية وتنقلون قصصها بصدق، وأنا ممتنة لإعطاء مساحة للقصص التي تستحق أن تُروىب.





Leave a Reply