تزداد يوما بعد يوم القيود والسلاسل التي تفرضها الإدارة الأميركية على المواطن الأميركي وغير الأميركي وعلى المنظمات والدول. والتي تشل إلى حد كبير كل أنواع النشاط الإنساني، حتى أنه أصبح من المستحيل على أي كان وخاصة إن كان عربي أو له صلة بإنسان عربي أو مؤسسة عربية، إلا أن يضع أمام نصب عينيه تعرضه للمساءلة في يوم ما لسبب الله وحده يعرفه (بالطبع إضافة إلى سلطات الأمن الأميركية والسلطات المختصة بمكافحة الإرهاب). وصلنا إلى مرحلة اصبحنا نشك فيها بأنفسنا، وسيطر الخوف من المجهول على تفكيرنا ونشاطاتنا وعلى حياتنا العامة والخاصة، واصبحنا نحاكم جماعيا لجريمة وأفكار وتوجهات نحن بعيدين كل البعد عنها، حتى العمل الإنساني الذي من المفترض أن يكون لخدمة الإنسانية أصبح بمثابة نقمة على صاحبه وبدل أن يفكر القائمون على المؤسسات الخيرية بكيفية مساعدة المحتاجين، أصبح همهم الأول إيجاد الفريق القانوني المتمرس الذي من شأنه أن يحميهم ويكون سندا ومرشدا لهم لضمان عدم تعرضهم لأية مساءلة قانونية. لانعلم إن كانت صدفة انه وفي كل سنة قبل بدء شهر رمضان المبارك، شهر الزكاة والإحسان، أن تصدر قرارات وتغلق وتفتش مؤسسات أهلية، حتى يسود الخوف والرعب بين أبناء الجالية وغيرهم ممن يعطي فريضة الزكاة لمساعدة عائلات محتاجة وأيتام وأرامل، وينسى أو يتناسى هذا المتبرع نتيجة خوفه من نتائج التبرع بأن إنسان محتاج يحتاج إلى تبرعه هذا. هذا إذا لم نتحدث عن عدم الثقة التي أصبحت تطغى على تعامل الإنسان العادي مع المؤسسات والهيئات الخيرية، فأي إنسان ومهما كانت
ثقته كبيرة بعمل الخير لن يرضى أن يتبرع لمؤسسة رُبطت بالإرهاب عبر دعم أو تمويل المنظمات المتهمة بالارهاب أو ربما تلقي تبرعات منها أو حتى لعلاقتها مع مؤسسة أخرى يشك بإرتباطها بالإرهابيين أو الأصوليين أو أو أو… معضلة كبيرة يعاني منها العمل الخيري، وهي تهدد بالقضاء على عمل معظم هذه المؤسسات التي كانت تستفيد من التبرع الأميركي لمساعدة ملايين المحتاجين في شتى أصقاع الأرض وخاصة المؤسسات المعنية بمساعدة العرب والمسلمين، وللأسف حلها صعب وشبه مستحيل، وهو يتفاقم يوما بعد يوم. البرنامج الأخير الذي أصدرته الإدارة الأميركية لفحص بيانات نحو ألفي موظف في نحو 561 منظمة خيرية تتلقى مساعدات من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، للتأكد من خلو سجلاتها من موظفين لهم علاقات بمنظمات مدرجة على قائمتها للارهاب. هذا القرار الذي أثار جدلا واسعا وبدأ تطبيقه فعلا، سيطلب بموجبه من المنظمات الخيرية ان تقدم معلومات شاملة عن الافراد الرئيسيين بها بما في ذلك اسماؤهم وعناوينهم وتواريخ ميلادهم وجنسياتهم الأصلية والمكتسبة، وأرقام جوازات سفرهم وكذلك أرقام بطاقات الضمان الاجتماعي التابعة لهم فضلا عن أرقام هواتفهم وفاكساتهم وعناوينهم الإلكترونية، كي يسهل إدراجها في برنامج الرقابة للتأكد من ان هؤلاء الاشخاص لا علاقة لهم بالارهاب أو يمثلون خطرا على الأمن القومي الأميركي. ولكن هل ينتهي القرار عند هذا الحد؟ وهذا القرار الذي سيسري على المنظمات العاملة أيضا على النطاق العالمي ترى ماذا ستكون نتائجه؟ ولنفترض جدلا بان المؤسسات استطاعت التحري عن كل موظفيها قبل وبعد توظيفهم، فهل ستكون قادرة على الإستفسار والإستقصاء عن كل متبرع وخاصة أن بعض المؤسسات تأتيها تبرعات بالملايين ومن كافة بلدان العالم، وسيكون من المستحيل حصرها والتأكد من هويتها، والويل كل الويل إن ثبت يوما بأن هذه المؤسسة أو غيرها تلقت تبرعا ولو بسيطا من شخص أو مؤسسة ربما هو اليوم ليس على لائحة الإرهاب الأميركية ولكنه مرشح ليكون على اللائحة في يوم ما. وهل ستنطبق هذه القرارات والمعايير على المؤسسات والمنظمات والأفراد الداعمة والممولة لدولة اسرائيل ومؤسساتها الخيرية؟ أم أنهم خط احمر لا يمكن تجاوزه ويحق لهم ما لا يحق لغيرهم، ونحن كعرب علينا ان نعمل وندفع ضرائب، ولكن لا يحق لنا أن نساعد فقراءنا واطفالنا ولو بجزء بسيط من عائدات هذه الضرائب، بينما يحق لدولة اسرائيل «الطفل المدلل الأميركي» أن تستعمل عائدات هذه الضرائب لقتل أطفالنا وشيبنا وشبابنا…!! رسالة واضحة المعالم والحروف والقيم يجب أن نعمل جميعا لإيصالها لأصحاب القرار الأميركي، نحن أمة مسالمة محبة تفتخر بقيمها، ولا يمكن أن تعاقب وتضطهد أمة بكاملها بسبب تصرفات مجموعات غريبة في قيمها ومبادئها عن قيم إنساننا، نحن ضد العنف والقتل والإرهاب، نحن مع الحب والعدل والسلام، نحن مع مساعدة كل محتاج.
Leave a Reply