واشنطن تضع مواصفات «مرشح حرب اهلية» «المرشح التوافقي» يتقدم اوروبياً .. وبري متفائل به ومتوافق مع صفير
لم تخرج المبادرات والمساعي الاقليمية والدولية باي حل للازمة اللبنانية، وتقريب وجهات النظر بين الاطراف المتنازعة على السلطة وعلى الشراكة في الحكم والقرار السياسي، اذ ان كل من الموالاة والمعارضة بقي على موقفه، ولم يتمكن الموفد الفرنسي جان كلود كوسران من كسر الحواجز بينهما، او تحقيق اختراق، يمهد لعودة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لاستئناف الحوار بين القوى السياسية اللبنانية، والذي لم ينجح حتى الان منذ ان بدأ في نهاية تموز الماضي في سان كلو قرب باريس.
بري |
ومثل هذه المواصفات تعطل الانتخابات الرئاسية، او تريدها الادارة الاميركية ان تحصل مهما كلف الامر وبمن حضر، كما جرت الانتخابات النيابية في ربيع عام 2005، وان واشنطن لا تريد ان تخسر مواقعها في لبنان، وهي ستغامر بحصول انتخابات رئاسة الجمهورية ولو خارج النصاب القانوني ، كما يعلن جنبلاط وسمير جعجع وكلاهما كما اميركا يخشون ان يخسروا السلطة، وهذا ما تم التعبير عنه بشكل مباشر من قبلهم، لا بل ان ادارة بوش تعيش حالة بلبلة وتناقض في المواقف من الاستحقاق الرئاسي لجهة النصاب القانوني وتفسير الدستور. فالادارة الاميركية تعمل على عدم خسارة لبنان، بعد ان بدأت تفقد مواقعها في المنطقة، وهي تريد ان تعوض خسائرها الاقليمية في العراق وفلسطين ومناطق اخرى، بابقاء الورقة اللبنانية بيدها تفاوض عليها خصومها لا سيما سوريا وايران، لتأخذ منهما في العراق وتخفيف خسائرها فيه، عشية التقريرين اللذين سيرفعهما كل من قائد القوات الاميركية والسفير الاميركي رايان كروكر، بعد ان طالب تقرير للمخابرات الاميركية بضرورة وضع برنامج زمني للانسحاب من العراق، وهو ما يطالب به الحزبان الديمقراطي والجمهوري. فلبنان بالنسبة لادارة بوش ساحة للتفاوض ورئاسة الجمهورية محطة في عملية التفاوض مع طهران ودمشق، بالرغم من كل الكلام الذي يصدر عن مسوؤلين اميركيين عن رفض المقايضة بين لبنان واي ملف اقليمي، لكن الوقائع على الارض تنفي الادعاء الاميركي، اذ ثمة مفاوضات لحصول تبادل مصالح، وقد عرضت الادارة الاميركية في اثناء المحادثات التي تمت في بغداد ودمشق بين دول الجوار للعراق، ان تساعد ايران وسوريا القوات الاميركية في العراق، مقابل التفاهم على الوضع في لبنان، لكن هذا العرض قوبل بالرفض الايراني والسوري، لانهما لا يريدان اعطاء ادارة بوش المنهارة مناعة، بل يريدانها ان تسقط. وامام التعثر الاقليمي والدولي في الوصول الى توافق حول الانتخابات الرئاسية، وعدم تمكن الاطراف اللبنانية من التفاهم عليها ايضاَ، فان القلق من حصول فراغ رئاسي ودستوري يتقدم على انتخاب رئيس للجمهورية، مما ترك البطريرك صفير يشدد على انه اذا تتطلب انقاذ لبنان تعديل الدستور ووصول قائد الجيش العماد ميشال سليمان الى رئاسة الجمهورية، فلا مانع لديه، لان الدستور وضع لخدمة لبنان وليس العكس، واذا تم الاختيار بين بقاء لبنان فان الانحياز سيكون مع لبنان، لان الدستور متحول ولبنان الثابت. وما اعلنه البطريرك صفير، حرّك قوى 14 شباط، وبدأت حملة تفسير كلامه، اضافة الى ما تعرض له قائد الجيش من حملة انتقادية، لانه سيقطع الطريق على الفريق الحاكم لايصال مرشح منه وفرض سيطرته على كل المؤسسات، وان وصول العماد سليمان او اي مرشح توافقي، على مسافة واحدة من الجميع، وليس من طرفي الصراع، سيسبب نكسة لقوى السلطة التي اكد رموزها لا سيما جنبلاط اننا لا نقبل ان نفقد ما حصلنا عليه في «ثورة الارز» وتضييع نضالاتها واهدافها. وقد تعارضت مواقف «الشباطيين» كما تصفهم اوساط المعارضة مع تطلعات صفير، الذي مد جسور التواصل مع بري وتوافقا على العديد من النقاط المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي وتحديداً موضوع النصاب القانوني لجلسة الانتخاب، او لجهة المرشح التوافقي، وهذا ما دفع برئيس مجلس النواب ان يبدي تفاؤله بان الانتخابات ستحصل ولن يكون هناك فراغ رئاسي، ويستند بذلك الى ان اتصالاته الاقليمية والدولية شجعت على تبني المرشح التوافقي، وان بعض الدول لم يبد اعتراضاَ على اسم قائد الجيش، حيث ذكر ان الرئيسين السوري والايراني واثناء القمة التي عقدت بينهما في دمشق في تموز الماضي، لم يمانعا من وصول العماد سليمان الى رئاسة الجمهورية، وقد ازعج ذلك الولايات المتحدة التي لا تنظر اليه بإرتياح لعلاقته الوثيقة مع المقاومة وتنسيقه معها، واستمرار اتصالاته بالقيادة السورية، والتواصل القائم بين قيادتي الجيشين اللبناني والسوري تنفيذاً للمعاهدة العسكرية والامنية بينهما، وان القيادة السورية مدّت الجيش اللبناني بذخائر واسلحة في معاركه الدائرة مع تنتظيم «فتح الاسلام» في مخيم نهر البارد وهذا ما ترك قلقاً لدى حلفاء اميركا في لبنان. فالمرشح التوافقي يتقدم على مرشح التحدي الذي يحاول ان يفرضه الفريق الحاكم، وقد اعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انه يؤيد مواصفات مرشح على علاقة مع كل الاطراف السياسية والطوائف، ويحصل على توافقها.
ومواصفات ساركوزي تختلف عن تلك التي اعلنها ولش، مما يعني ان ثمة تباعد بين فرنسا واميركا حول الاستحقاق، الا ان مصادر دبلوماسية قرأت موقف الرئيس الفرنسي انه جاء بعد لقائه الرئيس الاميركي في مزرعته في تكساس، مما يشير الى اتفاقهما، الا ان مصادر سياسية ذكرت ان الخلاف قائم بينهما. وفي هذا الاطار فان المعلومات اشارت الى ان ثمة تقارب فرنسي-ايراني حول الاستحقاق الرئاسي، وتحديداً حول المرشح التوافقي، وان اتصالات فرنسية-سورية بدأت من اجل بلورة حل يساهم في اجراء الانتخابات الرئاسية بموعدها، وان دمشق ردت على ذلك، بأنها ليست معنية بها، وهي مع توافق اللبنانيين حولها. وكان الرئيس الفرنسي واضحاً في التوجه الى سوريا لتسهيل الانتخابات الرئاسية، مقابل فتح الحوار معها ولانفتاح عليها، مما يشير الى ان هناك اعتراف فرنسي واوروبي بالدور السوري في الحل، وهذا ما يقلق قوى 41 شباط من عودة التأثير السوري، في الاستحقاق الرئاسي، كما انه يزعج المملكة العربية السعودية التي تريد ان تكون صاحبة القرار الوحيد فيه، لكنها لم توفق، وهو ما ادى الى رفع التوتر والاشتباك السياسي والاعلامي بين دمشق والرياض على خلفية انتخابات رئاسة الجمهورية. والتجاذب الاقليمي والدولي حول هذه الانتخابات هو ما قد يمنع حصولها في موعدها، ويدخل لبنان في الفوضى الدستورية والسياسية، ويشرذم المؤسسات ويفقدها وحدتها، وبالتالي سقوط لبنان في حرب اهلية، تم التحذير منها من قبل مراجع عربية واقليمية ودولية، وعندها لاتضيع رئاسة الجمهورية بل الجمهورية كلها، ولن يفيد لا الموالاة والمعارضة في انتخاب رئيس من طرف واحد، لان الانتخابات الرئاسية الحالية مختلف كلياً عما سبقها، اذ هي قد تكون الاخيرة في لبنان، في ظل الكلام المتصاعد عن التقسيم، والخرائط الجغرا-سياسية الموضوعة للمنطقة والتي سيتم رسمها وفق مشروع «الشرق الاوسط الجديد»، ولن يكون لبنان بعيداً عنها، وهذا ما ترك البطريرك صفير يتحدث عن انقاذ لبنان، والعماد ميشال عون يؤكد انه يفضل بقاء الجمهورية على الرئاسة، والرئيس بري مصمم على مواصلة جهوده للوصول الى التوافق حتى اللحظة الاخيرة، والامين العامة لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله يدعو الى الشراكة والوحدة، حيث يقف جنبلاط وجعجع في معارضة التوافق، والدعوة الى مرشح من لون سياسي واحد ولو خارج لبنان ومن دون رئاسة بري للجلسة وبنصاب غير قانوني، وكل ذلك سوف يؤدي الى الدخول في النفق المظلم. لذلك فان لبنان امام خيار اما انتخاب رئيس بالتوافق، او الوصول الى الطلاق والفوضى والانهيار، وبين الخيارين، يحبس اللبنانيون انفاسهم حتى الموعد الدستوري، وانتظار القرار الاقليمي والدولي بترك بلدهم يقرر مصيره بنفسه، ولكن هل هم مؤهلون لذلك، طالما ان الخلاف بينهم بات على الثوابت الوطنية، وعلى الهوية والنظام، ويترك الاتفاق الداخلي بينهم مستبعداً، بعد ان حصل الفرز السياسي والوطني بين نهجين لا يلتقيان، وان اتفاق الطائف الذي كان منصة للسلم الاهلي ووقف الحرب الاهلية، بدأ الكلام حول تفسير بنوده يشكل نقاط خلاف داخلية، كما ان القرارات الدولية خلقت صداماً سياسياً حولها ايضاً، وان البعض اعتبر قرار مجلس الامن 1559 مدخلاً لحرب اهلية، وقد اقترب منها اللبنانيون بسببه، وكذلك القرار 1701 الذي يحاول البعض استخدامه ضد المقاومة، واستبدال الفصل السادس فيه نحو الفصل السابع. من هنا فان اختيار رئيس للجمهورية والتوافق عليه، لا يمكن ان يحصل، اذا لم يتوصل الاطراف المتناحرون الى قواسم سياسية مشتركة، وهذا ما سعت اليه فرنسا عبر اقتراحها عقد مؤتمر اقليمي-دولي حول لبنان، وافق عليه الرئيس بري، وكانت لديه الشجاعة للقول ان ازمة لبنان ليست لبنانية مئة بالمئة وقد وافقه ايضاً الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وكذلك وزير الخارجية الفرنسي برنلر كوشنير الذي كان صاحب اقتراح المؤتمر الذي رفضته اميركا، لانها لا ترغب مشاركة سوريا فيه، اذا لم تتم تلبية مطالبها في العراق. وهكذا يتجه الاستحقاق الرئاسي الذي تقدم على حكومة الوحدة الوطنية، اما الى التوافق او الانفجار، والسباق بين الخيارين هو الذي يجري بين عواصم القرار الاقليمي والدولي.
Leave a Reply