«إننا نقاتلهم في العراق، كي لا نضطر الى قتالهم هنا في ارضنا». تلك هي المعادلة التي خرج بها الرئيس الاميركي جورج بوش الاسبوع الماضي، خلال حديثه امام قدامى المحاربين الاميركيين في نيفادا. يستبق هذا التحذير للاميركيين التقرير الذي سيرفعه قائد القوات الاميركية والسفير في بغداد في الحادي عشر من سبتمبر القادم، ويمهد لمواصلة السياسة الهجومية الاميركية في العراق وسائر مناطق الشرق الاوسط موجهاً تحذيراً موازياً الى العالم برمته الذي «سيتأثر بشكل حاسم بالاوضاع في العراق». يخرج بوش باستنتاج لا يقل خطورة مفاده «ان مستقبل العالم الحر سيتحدد في الشرق الاوسط الذي يتوسطه العراق..».
بوش |
معظم دول المنطقة. لقد هيأ خطاب بوش مسرح المنطقة لقراراته الدراماتيكية وبات التشدد الاقصى فيما خص كل الملفات من العراق الى ايران فلبنان وسوريا وفلسطين عنوان المرحلة الفاصلة بين مغادرة البيت الابيض وكتابة الفصل الثاني من التاريخ الشخصي لرئيس جاهر بايحاءات الهية تهبط عليه وتوجه خطوه في «الحرب المقدسة» على الارهاب. وما يضاعف من القلق على مصير المنطقة برمتها هو ما يشبه الصمت العالمي ازاء صرخات الحرب الاميركية والغياب المدوي لأي مبادرات دولية لاحتواء اخطر ازمة كونية منذ الحرب العالمية الثانية. وعندما يطلق الرئيس الاميركي التحذير من ان «امن العالم برمته وامن الولايات المتحدة بالتحديد سيتأثر بشكل حاسم بالاوضاع في العراق» فليس من المغامرة في شيء الاستنتاج ان «الحرب العالمية الثالثة» التي تتخذ عنوان مكافحة الارهاب والقضاء عليه، تقبع في خلفية التفكير الاستراتيجي للادارة الاميركية التي ما انفكت تشهد عملية تطهير ذاتي من كل الاصوات «العاقلة» وآخرها خروج ابرز واقوى مستشاري بوش كارل روف من دائرة صناعة القرار الاميركي مخلية الساحة لابرز الصقور واكثرها صموداً وعناداً في هذه الادارة بعد خروج وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، الا وهو نائب الرئيس ديك تشيني. هل يعني ما سلف ان الادارة الاميركية ستتورط اكثر في المستنقع العراقي؟. ليس بالضرورة، فالخطورة لم تعد تكمن في البقاء المكلف فوق الرمال العراقية المتحركة، بل في تقليص هذا البقاء الى حدوده الدنيا وترك العراق ساحة لصراعات دموية طائفية اشد فتكاً وضراوة، من الحرب القائمة ضد الاحتلال الاميركي، من اجل التفرغ لحرب اشمل في اكثر من بقعة من العالم انطلاقاً من الجوار العراقي ومن ايران تحديداً نحو افغانستان وباكستان ودول آسيا الوسطى، ووصولاً الى غرب القارة الافريقية وشمالها، فضلاً عن لبنان وسوريا وفلسطين. ان حربا اخرى، اذا اندلعت لن تقف عند حدود ايران ومنطقة الخليج والمشرق العربي وقد يجد اكثر من طرف دولي مصلحة في خوضها وراء القوة العظمى التي باتت تحرس بقواتها واساطيلها منابع النفط في الخليج وتتحكم باقتصاديات الدول الصناعية الكبرى. ولم يعد الحديث عن تغيير جذري في خارطة الشرق الاوسط مجرد تكهنات او اوهام بعدما ادركت القوة العظمى ان التقسيمات التي افرزتها الحرب الكونية الثانية باتت بحاجة الى مراجعة شاملة وان الكيانات التي صنعتها تلك التقسيمات في غفلة عن القطب الاميركي الصاعد آنذاك لم تعد قادرة على توفير الاستقرار الامني والاقتصادي للقطب الاميركي الاوحد وملحقاته الاوروربية ولربما لم تكن هجمات 11 ايلول الارهابية على العصب الاقتصادي والامني لاميركا سوى القشة التي قصمت ظهر بعير الانتظار وسرعت من حركة التغيير لوجه تلك المنطقة التي لم يطلق الغرب عليها عبثاً اسم «الشرق الاوسط» كدلالة على محورتيها وحيويتها في ذلك الصراع المزمن بين الشرق والغرب. ثمة رئيس في واشنطن يتحدث الى «الرب» وآخر في طهران «ينوب عن الله» .. وحده التفاوض في السماء قد ينجي اهل الارض مما يحيق بهم من اهوال!.
Leave a Reply