الاقتصاد الاميركي على حافة الانكماش بسبب تراجع إنفاق المستهلك

أزمة القروض العقارية في أميركا: هدوء ظاهري لا يبدد المخاوف من تراجع اقتصادي حاد

واشنطن – خاص «صدى الوطن»  صرح وزير الخزانة الاميركي السابق لاري سامرز مطلع الأسبوع الماضي انه من المبكر جدا الاعلان عن انتهاء الازمة المالية المتعلقة بالقروض العقارية، مشيرا الى ان احتمالات تراجع اقتصادي حاد في الولايات المتحدة، كبيرة.  ورغم الهدوء الظاهري لتداعيات أزمة القروض العقارية الأميركية العالية المخاطر على اقتصاد الولايات المتحدة وعلى أسواق العالم، فإن المخاوف لا تزال بادية لدى المراقبين والمستثمرين لأن آثار الأزمة لم تنجل بعد لمعرفة حجمها. وقال سامرز ان خطر حدوث انكماش في اعلى مستوى منذ المرحلة التي تلت اعتداءات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001 رغم تدخل الاحتياطي الفدرالي الاميركي عدة مرات للتعويض عن ضغط عمليات البيع الكبيرة سبب انهيار سوق الرهن العقاري.

احتمالات تراجع اقتصادي حاد في الولايات المتحدة،

وصرح سامرز لشبكة التلفزيون الاميركية «أي بي سي» انه «لاحظنا تحسنا وبعض العودة الى الوضع الطبيعي الاسبوع الماضي لكني اعتقد انه من المبكر جدا القول ان الازمة انتهت».  واضاف ان «السبب الاول لذلك هو اننا لا يمكننا ان نعرف هل ستحصل مفاجأة جديدة اخرى في القطاع المالي وثانيا لم يتح لنا الوقت لتقويم التأثير الذي سينجم على الاقتصاد الحقيقي وعملية خلق فرص عمل في اقتصادنا». ويشير لاري سامرز الذي تولى وزارة الخزانة من 1999 الى 2001 في عهد الرئيس بيل كلينتون، بذلك الى ضمور الاعتمادات الناجمة عن فقد الثقة وغياب المعرفة بالحجم الحقيقي لأزمة قروض الرهن العقاري البالغة الخطورة في الولايات المتحدة. وضخ البنك المركزي الاميركي على غرار نظيره الاوروبي، عشرات مليارات الدولارات واليورو لتمكين المصارف والمؤسسات الاخرى من الحصول على السيولة. واوضح سامرز الذي يعمل لحساب بنك «دي.اي شاو اند كمباني» للاستثمار «اعتقد انه لم تتوافر لنا العناصر الضرورية لتوقع انكماش لكنني اقول ان المخاطر هي الاعلى منذ اعتداءات 11 ايلول». واضاف «نعرف ان عددا كبيرا من الشركات التي كانت تعمل في القروض العقارية الخطرة خرجت من قطاع الاعمال الآن وعددا كبيرا من تلك التي بقيت تراجعت اسعار اسهمها بمقدار النصف ان لم يكن اكثر». وتابع «لكن التركيز يجب الا يقتصر على هذه الشركات بل على اصحاب المنازل، على الذين حصلوا على قروض ولا يستطيعون تسديدها».   مخاوف واتفق تشخيص سامرز مع آراء المحللين الاقتصاديين، إذ رأى ديف شيلوك في «فايننشال تايمز» أن هناك إشارات جديدة إلى عودة الشعور بالخطر إلى الأسواق المالية مجددا، وهو ما انعكس على سلوك مستثمرين باتوا يفضلون العمل في أصول واضحة ويتخذون مواقف جديدة بشأن أوضاعهم بالبورصات. وذكرت «إيكونومست» مطلع الأسبوع الماضي أنه رغم حجم الإغاثة التي نفذتها البنوك المركزية في العالم بضخ مليارات الدولارات في الأسواق لتوفير السيولة بعد الأزمة إضافة إلى تدخل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، فإنه لم يعرف بعد حجم الخسائر التي أصابت الأصول، الأمر الذي لا يزال يجعل المستثمرين محجمين عن استعادة نشاطهم السابق. وحسب المحللين الاقتصاديين فإن التراجع في القطاع العقاري الأميركي الضخم الذي تساهم فيه صناديق استثمار وبنوك عالمية في عدة قارات، يمكن أن يحدث أزمة ائتمان عالمية تبدأ من الولايات المتحدة. ويشير المحللون إلى أن التدخل السريع للبنوك المركزية والاحتياطي الفيدرالي الأميركي حال بالفعل دون تفاقم الأزمة. ولكن خبراء اقتصاديين توقعوا أن تمر الأزمة عموما بسلام خاصة مع ظهور إحصاء في تموز (يوليو) الماضي يفيد بزيادة الطلب على المساكن بالولايات المتحدة، وهو ما سجل انتعاشا أكثر من المتوقع، لكن ذلك لا يمنع توقع حدوث انكماش جزئي بالاقتصاد الأميركي خلال الربع الأخير من العام الحالي. ولكن مايكل ميتز كبير مسؤولي خطط الاستثمار في مؤسسة «أوبنهايمر» قال إنه يعتقد أن الولايات المتحدة تتجه خلال فصول قليلة إلى مرحلة من الكساد يقوده المستهلك الأميركي. ويعتقد معظم الاقتصاديين أن الانخفاض في سوق المساكن سوف يلقي بثقله على عامل الإنفاق في الولايات المتحدة لكن أغلب هؤلاء يرون أنه لا يزال بالإمكان تجنب الكساد.  ترددات الأزمة بالإضافة الى تراجع انفاق المستهلكين أظهر تقرير نشر الثلاثاء الماضي أن أسعار المساكن بالولايات المتحدة انخفضت 3.2 بالمئة بالربع الثاني بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، مما يمثل أسوأ انخفاض في 20 عاما منذ بدأت مؤسسة «ستاندرد أند بورز» مؤشرها لأسعار المساكن عام 1987. ويسود الاعتقاد بأن الأخطاء تسببت في خلق المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي هذه المرة. وقد امتدت أزمة الرهن العقاري إلى القطاع المالي وأثرت على القروض ابتعادا عن المخاطرة. وبالرغم من أن أسواق المال استطاعت التعافي من الهزة الأولى بداية الشهر الجاري فإن مخاوف اعترتها مرة أخرى الثلاثاء بسبب الاعتقاد بأن عددا من البنوك، أكبر مما كان يتوقع، قد تأثر بأزمة القروض العقارية. يشار إلى أن الأزمة أسفرت عن خروج عدد كبير من الشركات الأميركية التي كانت تعمل في القروض العقارية من قطاع الأعمال، في حين تراجعت أسهم عدد كبير بمقدار النصف أو يزيد. كما انعكست الأزمة سلبا على مئات آلاف الأميركيين الذين حصلوا على قروض ولا يستطيعون تسديدها بما يهدد بفقدهم منازلهم.  ويعتقد اقتصاديون أنه يجب على الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) خفض أسعار الفائدة لمنع حالة التدهور من الخروج عن السيطرة.

انخفاض ثقة المستهلكين الأميركيين  وبسبب تراجع أسعار المنازل في الربع الثاني من العام، فيما تلقي أزمة قروض الرهن العقاري بظلالها على الاقتصاد الفيدرالي، هوى مؤشر لقياس المستهلكين الأميركيين إلى أدنى مستوى له في 2007. وسجل مؤشر ثقة المستهلكين لمؤسسة «كونفرانس بورد» انخفاضا حادا بلغ سبع نقاط هذا الشهر إلى 105 نقاط. ويعتبر الانخفاض الأكبر منذ عصف إعصار كاترينا بسواحل خليج المكسيك عام 2005. ويعتمد المؤشر ثقة المستهلكين لمؤسسة «كونفرانس بورد» على استطلاع آراء خمسة آلاف أسرة أميركية لقياس مدى ثقة المستهلكين في الظروف الاقتصادية الحالية، وقياس احتمالات الإنفاق في الستة أشهر القادمة. وتعني الأرقام أن نمو اقتصاد الولايات المتحدة الذي يعتمد على المستهلكين في ثلثي الإنفاق سيظل مقيدا في المستقبل المنظور.