ليس صحيحاً القول أن الحل كان منجزاً وجاهزاً وينتظر وضع اللمسات الأخيرة وجاء حادث إغتيال النائب انطوان غانم ليطيح بهذا الحل. فحتى لحظة الإغتيال كانت الأمور لم تزل على التعقيد ذاته الذي هي عليه الآن وأتت عملية الإغتيال تتويجاً لهذا التعقيد وتجسيداً للحالة المستعصية التي وصلت إليها الأوضاع.فالتقدم لم يحصل أبداً بالرغم من الدينامية السياسية التي أظهرها الرئيس بري والتي تمثلت بحملة إحتوائية، استطاع من خلالها الإلتفاف مرة أخرى على رفض قوى الموالاة لمبادرة بعلبك. فالجهة القادرة على التفجير أياً تكن تستطيع أن تعرقل أي تسوية أو حل مباشرة من خلال المفاوضات. في الأصل، لا يمكن تصور حل في لبنان من دون موافقة الأطراف الإقليمية والدولية بدءاً بالولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والسعودية وسوريا وليس انتهاءاً بإيران. لا يعني ذلك تجريد حادث الإغتيال عن المعطى السياسي، إنما يحتم على المراقب وضعه في خانة أخرى وتصريفه سياسياً وفقاً للأداء الذي حكم تعاطي مختلف الأفرقاء مع الإغتيال. وفي هذا السياق يأتي التعجيل في تشكيل هيكلية المحكمة الدولية وإنجازها في أسابيع بعد أن كان الكلام عن مدة تصل إلى سنة أو أكثر. هذا التأكيد نقله النائب سعد الحريري مباشرة بعد الإغتيال عن مصادر في الأمم المتحدة! كذلك الأمر بالنسبة لمطالبة الموالاة بحماية الإستحقاق الرئاسي دولياً مع ما يتضمن هذا الأمر من أشكال الحماية التي يمكن للأمم المتحدة أن تقدمها لفريق السلطة كمقدمة لنقل الإستحقاق الرئاسي إلى أروقة الأمم المتحدة وإدراجه بنداً على جدول المجلس.ويترافق ذلك مع حملة متصلبة ومتشددة من فريق السلطة، في مسعى لاستغلال اللحظة السياسية المؤاتية وإيصال الأمور إلى درجة الغليان حيث يمكن للأمم المتحدة أن تتدخل في تلك اللحظة بعد أن تكون قوى السلطة قد أدت واجبها في هذا المضمار، وهو ما يمهد لشرعنة دولية لما تنوي الإقدام عليه وانتخاب الرئيس كيف ما كان وأين ما كان! وهذا ما ترجحه مصادر الأكثرية وهو عدم توفر نية التنازل في الموضوع الرئاسي في أي شكل من الأشكال مع منح المعارضة حق الإختيار من عدة أسماء تطرحها السلطة وتنتقي منها المعارضة.هذا السيناريو الذي تضعه قوى 14 آذار حتماً سيوصل البلاد إلى «حد السكين»، لأن المعارضة لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هكذا انقلاب، وهي ستلجأ إلى خطوات متقدمة تمنع الأكثرية من توطيد انقلابها وتكريسه على الأرض، ولن تكون هذه الخطوات تقليدية كسابقاتها، بل ستأخذ طابعاً عملانياً يمسك بمرافق أساسية في البلاد ومنها قصر بعبدا بشكل أساسي على اعتباره المقر الرسمي الذي ستنطلق منه المعارضة في مواجهة السلطة، ما يجبر الأطراف المعنية الداخلية والإقليمية والدولية على النظر بموضوعية إلى حجم نفوذها في لبنان، والإنطلاق من هذا الواقع في التعامل مع الأزمة العاصفة به، وإلا فإن هناك من يقول بالإنفجار ثم الإنفراج لأنه عند ذلك سيعرف كل طرف وزنه الحقيقي على الأرض وستترتب موازين قوى جديدة وستتجسد أكثرية شعبية تطالب بحقوقها في الدولة ربما لن تقبل بعد الآن بالطائف دستوراً.وفي الجهة المقابلة ثمة من يعتقد أن الانفجار سيؤدي الى انزلاق طبيعي لسلاح المقاومة الى المستنقع الداخلي وتلويثه بالأوساخ الفئوية، الأمر الذي يضرب هذا السلاح بشرعيته وعلّة وجوده، ومن ثم تأتي التسوية الجديدة على أساس تجريد الأحزاب أو الميليشيات من سلاحها. وبالرغم من الصعوبة في أن تقع المقاومة في شرك كهذا، إلا أن هذا الاحتمال يبقى قائماً لناحية الانفجار بناءا على التوقع بإنزلاق السلاح، حيث أن المرحلة المقبلة هي مرحلة الأعلام الخضراء مع إنكفاء الإعلام الصفراء والمرابطة جنوباً.لكن إذا حصل الانفجار فمن يضمن الانفراج؟
Leave a Reply