ستة عشر عاما من المفاوضات بين منظمة التحرير وإسرائيل، لم يستطع الفلسطينيون فيها التقدم ولو بوصة واحدة باتجاه المعضلات المركزية التي يواجهونها القدس والسيادة وعودة اللاجئين، فكل ما أنتجته تلك المفاوضات سلطة وطنية أفضت إلى شطر المجتمع الفلسطيني إلى نصفين، كل يصارع لإثبات قدرته على الحكم، وكلاهما تنتظره مفاجآت عسكرية ودبلوماسية في غضون بضعة أشهر.فالرئيس محمود عباس أعدّت له مفاجأة في واشنطن، لن يكشف عن سترها إلا بعد أن يجلس في قاعة مؤتمر دولي ينتظر عقده أواخر العام، وحينها سيرى أن ما طبخ في القدر لم يكن سوى حبات من الحصى لا تسمن الفلسطينيين ولا تغني عن جوعهم، وسيكتشف عباس حينئذ أن ما يعرض عليه سلام في مقابل فتات معونات دولية لكيان هزيل لا يأخذ من الدولة إلا إسمها، دولة مخابراتية هدفها حماية الأمن الإسرائيلي وقمع المقاومة، وتنشئة جيل من الفلسطينيين مقتلعة جذوره التاريخية والجغرافية والثقافية مثله في ذلك كمثل الهنود الحمر في أميركا، هذا هو أقصى ما تعتبره إسرائيل تنازلا، أن تسمح للفلسطينيين بالبقاء في أرضهم يأكلون ويعملون وينامون، دون أن يكون لهم أدنى متطلبات الكيانات البشرية من سيادة وكرامة وانتماء لأمتهم العربية وتراثهم المسيحي والإسلامي.مواصفات الدولة العتيدة بحسب المنطق الإسرائيلي الأميركي، كيان يرتبط إقتصاده باقتصاد العدو وهذه انتكاسة بحد ذاتها، أنظر كيف أن إسرائيل تقطع عن غزة إمدادات الماء والكهرباء والوقود متى شاءت ولأسباب واهية، وهي باستطاعتها إقفال المعابر الحدودية مع القطاع ومنع وصول المواد الغذائية، حتى الأموال والمساعدات العربية والدولية يمكن لإسرائيل أن توقفها وقد فعلت ولا تزال.دولة فلسطينية في الضفة أو غزة أو كلاهما معا ستكون ولا شك ساقطة عسكريا، بمعنى قدرة إسرائيل على إجتياحها وإعادة إحتلالها في أية لحظة، وهذا ما تنوي فعله في غزة قريبا، وتلك هي المفاجأة العسكرية التي تحدثنا عنها في بداية المقال. القيادة الإسرائيلية اعتبرت غزة كياناً معاديا، وهذا معناه من وجهة نظر القانون الدولي حقها في مهاجمة هذا الكيان وتدميره، ووزير الدفاع أيهود باراك يتحين الفرصة الملائمة لبدء الهجوم، لكن الذي يمنعه حتى اللحظة إنتظار ما يرشح عن مؤتمر السلام الدولي، فإن نجح المؤتمرون في توقيع معاهدة صلح وهذا غير متوقع فستلجأ إسرائيل إلى توجيه ضربة عسكرية للمقاومة الفلسطينية في غزة ولن يكون بمقدور القيادة في رام الله عندئذ توجيه مجرد إنتقاد أو حتى التباكي على الأطفال والشيوخ والنساء وهم يذبحون، وإن فشل المؤتمر فستطال المذبحة الفلسطينيين جميعا المتطرفين منهم والمعتدلين في عموم الأرض المحتلة، مثلما جرى حين عاد عرفات من كامب ديفيد عقب إنهيار المحادثات مع كلينتون وباراك، حينها اندلعت إنتفاضة ثانية، فهل أننا بانتظار مؤتمر يفضي إلى صلح أم إنتفاضة ثالثة؟
Leave a Reply