عندما يبشر بان كي مون بـ«العقاب».. ذلك أقرب الى التنبؤ بـ«الإنفجار الكبير»
لم يكن الرفض الذي قوبل به طلب الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد زيارة موقع «غراونذ زيرو» في مدينة نيويورك الذي كان المسرح الرئيسي لاعتداءات الحادي عشر من ايلول سوى امعان في الحصار الاعلامي و«الاخلاقي» بعد الاقتصادي لجمهورية الثورة الاسلامية الايرانية، ولحرمانها من نافذة اعلامية هامة للاطلالة على الجمهور الاميركي الجريح جراء تلك الاعتداءات، بما قد يمنح الرئيس الايراني «وجهاً انسانياً» من خلال هذه المبادرة التي خنقت في المهد.ولم يعوض عن ذلك الرفض، قبول جامعة كولومبيا الشهيرة استضافة احمدي نجاد في محاضرة عن العلاقات الايرانية – الاميركية حيث نجحت مجموعات الضغط اليمينية من تحويل هذه المحاضرة الى محاكمة اعلامية واخلاقية للرئيس الايراني بتهمة انكار المحرقة اليهودية والحديث عن ازالة اسرائيل عن الخارطة وهو ما حظي بتغطية اعلامية وطنية حاولت ابراز الحرج الذي اوقع نجاد نفسه فيه عندما اعتلى منبر الجامعة ليتلقى سيلاً من الاسئلة بصيغة اتهامات خطيرة لدور بلاده في تأجيج الازمات الدولية و«الديكتاتورية» التي يحكم بها الشعب الإيراني.لم ينس مناهضو محاضرة احمدي نجاد ان يحضروا الى القاعة زوجة احد الجنديين اللذين اسرهما «حزب الله» في عملية «الوعد الصادق» التي اطلقت شرارة حرب تموز العام الماضي، والتي وقفت تطالب الرئيس الايراني بمعرفة مصير زوجها دون ان تلقى « الرد الشافي» منه في محاولة اعلامية لادانة ايران وتحميلها المسؤولية المباشرة عن انشطة الحزب اللبناني.يرتبط الحصار الذي ضربته الادارة الاميركية على زيارة الرئيس الايراني الى مقر الجمعية العامة للامم المتحدة بنوايا ما تبقى من صقورها الذهاب الى خيار الضربة العسكرية ضد ايران تحت ذريعة برنامجها النووي وهو خيار تزداد احتمالاته كلما اقتربنا من نهاية ولاية الرئيس بوش والتي تتحدث تقارير صحفية بريطانية واميركية عن سيناريوهات مختلفة لها يجري اعدادها لتنفيذ الضربة خلال الاشهر القليلة المقبلة وقبل ان تتحول الادارة الى «بطة عرجاء» خلال الحملات الانتخابية الرئاسية.ولقد جاء كلام الرئيس الايراني امام الجمعية العامة للامم المتحدة عن «اقفال الحديث» حول ملف إيران النووي واعتباره «شأناً عادياً» من اختصاص الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي نصح رئيسها محمد البرادعي بالصبر في التعاطي مع هذا الملف، ولم يلق نصحه ترحيباً من الادارة الاميركية التي «نصحته» بدورها على لسان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بالالتزام بعمله «التقني» و«الابتعاد عن الدبلوماسية» التي هي من شأن رجال السياسة في الدول المعنية بهذا الملف، جاء هذا الحديث الايراني ليرسم حدود الفصل المقبل من المواجهة الاميركية الايرانية ويبعث باشارات مقلقة حول ما ستحمله الاشهر المقبلة من تطورات حول هذه المواجهة التي يرى محللون كثر انها قد تتخذ طابع الحرب العالمية الثالثة نظراً للامتدادات الاقليمية والدولية لهذه الازمة والتي دخلت فيها روسيا على الخط في محاولة استعادة للدور السوفياتي خلال الحرب الباردة، لكن هذه المرة عبر حرب ساخنة تكون ساحتها الرئيسية منطقة الشرق الاوسط ولكن لا تسلم من شظاياها مناطق آسيا الوسطى الواقعة عند اقدام النفوذ الايراني، على غرار ما شهدته الحرب الكونية الثانية من امتدادات خارج بؤرة الصراع الرئيسية في القارة الاوروبية ودخول دول مثل الولايات المتحدة واليابان تلك الحرب ضمن خطوط التحالفات والمصالح التي فرضتها تلك الحرب، والتي اعطتها الطابع العالمي، رغم ان رحاها الاساسية دارت فوق القارة الاوروبية التي دفعت الثمن الاغلى لها انسانياً وعمرانياً اذ ذهب ضحيتها قرابة ستين مليون انسان وادت الى دمار بلدان بأكملها.ثمة ما هو ابعد من مسألة الملف النووي الايراني في المواجهة القائمة بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية الايرانية يتعلق بالمشروع الاميركي للامساك بمنطقة الشرق الاوسط برمتها في اطار المشروع الاميركي الاشمل للسيطرة على العالم عبر مفاصله الاساسية ووضع مصادر الطاقة وشبكة الطرق المؤدية اليها تحت السيطرة الاميركية التامة دون ازعاج مما تبقى من انظمة «الممانعة» لهذا المشروع الاميركي وابرزها نظاماً الثورة الاسلامية في ايران والنظام السوري اللذين بات يجمعهما حلف استراتيجي يتلقى دعماً وان ملتبساً من روسيا الخائفة على حديقتها الخلفية في اوروبا وآسيا الوسطى من مشروع الدرع الصاروخي الاميركي والتي تحاول اقامة منطقة عازلة امام النفوذ الاميركي الطامح الى التمدد نحو تلك الجمهوريات والانظمة السوفياتية السابقة.ويؤشر الى مدى الخطورة التي بلغتها ازمة المواجهة الاميركية – الايرانية، سلسلة الاحاديث التي ادلى بها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل لوسائل اعلام اميركية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة والتي حذر فيها ايران من التمادي في لعبة التدخل في الشؤون العربية في العراق ولبنان وفلسطين وتأكيده على رفض العرب لهذا التدخل في شؤون بلدانهم، وبلغ هذا التحذير ذروته عندما حذر من ان تقسيم العراق سيؤدي الى انفجار المنطقة برمتها. بما يوحي برسالة مزدوجة ارادت السعوية توجيهها للاميركيين والايرانيين من مغبة تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات طائفية وعرقية ومحاولته الايحاء بالتقاء «موضوعي» بين الادارة الاميركية والنظام الثوري الاسلامي في ايران على مخطط تقسيم العراق الذي بدأ يأخذ ابعاده القانونية عبر مشاريع قرارات «غير ملزمة» في الكونغرس الاميركي وعبر احاديث ايرانية سابقة عن استعداد ايران لـ«ملء الفراغ» في العراق في حال انسحاب القوات الاميركية منه ومن خلال احدث طرح تقدم به الرجل البارز في المجلس الأعلى الاسلامي العراقي بقيادة عبدالعزيز الحكيم والمقرب من إيران عادل عبد المهدي لاقامة «اتحاد امارات عراقية» على غرار الامارات العربية المتحدة، في تناغم واضح مع مشروع المرشح الديموقراطي للرئاسة الاميركية جوزيف بيدن.ويبدو جلياً ان الادارة الاميركية بالتنسيق الوثيق مع حليفها الاوروبي الجديد فرنسا الساركوزية التي الغى وزير خارجيتها برناد كوشنير لقاءً مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم بناء على تمنّ اميركي والذي كان حذر بدوره ايران من ضربة عسكرية لا مفر منها اذا استمرت في «عنادها» النووي، مشفوعاً بكلام الرئيس الفرنسي عن حتمية منع ايران من حيازة سلاح نووي.. يبدو ان «برميل البارود» الذي كان العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد حذر من انفجاره قبل اشهر قد بات مهيأً للانفجار الذي ستعيد شظاياه العظيمة المتطايرة تشكيل العديد من الكيانات الجيوسياسية في اكثر من منطقة داخل الشرق الاوسط وعلى تخومه الاسيوية والاوروبية.انها ارهاصات الحرب العالمية الثالثة التي سبق وتحدثنا عنها ولا تزيدها التطورات سوى تعزيز لاحتمالات اندلاعها لا فرق أكانت شرارتها ضربة عسكرية اميركية او اسرائيلية او مشتركة للمنشآت النووية الايرانية او لاهداف سورية او حتى حادث صغير على «بوابة فاطمة» على الحدود اللبنانية الاسرائيلية أو تفجير انتحاري في مدينة إسرائيلية أو لتنظيم القاعدة في مدينة أوروبية أو أميركية..، لان سخونة مواقع المواجهة من العراق الى فلسطين ولبنان لا تحتاج اكثر من شرارة حقيرة في ورقة صغيرة بالقرب من غابة الاحتقان او «برميل البارود».فهل تكون الدورة الحالية للجمعية العامة للامم المتحدة آخر الدورات التي تحتضن «امماً» بالقرب من موقع «غراوند زيرو» في نيويورك وتتحول الى «غراوند زيرو» سياسي يريده المحافظون الجدد الاميركيون شاهداً على الانتقام للجرح البليغ الذي اصاب القوة العظمى في صميم عزتها الاقتصادية والامنية؟ربما كان الهلع من الآتي هو ما دفع بالامين العام للامم المتحدة الكوري بان كي مون الى اطلاق تصريحه الناري اللافت في خطابه امام الامم المجتمعة تحت كنفه ومفاده: «لا احد يجب ان يفلت من العقاب بعد الآن!».بدا تصريح بان كي مون، قليل الكلام، اقرب الى النبوءة بـ«الانفجار الكبير».
Leave a Reply