ما من مخلوق عاقل على وجه الارض إلا ويحمل فكراً ، أحياناُ يكون هذا الفكر يستند على قاعدة صلبة متجذرة في أعماق التاريخ ومتكئة على نصوص ثابته متفق عليها عند الأغلبية الساحقة من أتباع ذلك الفكر، كما هو حاصل لكل الأديان السماوية التي نزلت على أقوام من البشر على شكل رسائل وكتب جاء بها الأنبياء والرسل، وأحيانا أخرى يكون الفكر نابع من مسلمات موروثة عن الآباء والأجداد أو مفروضة على الناس من قبل قوة مهيمة كما هو الحال مع فرعون الذي فرض نفسه آله على قومه ، بين تلك النظريتين فإن كل إنسان يعتنق فكراً فإنه يعتقد أنه الأصوب والأمثل للتطبيق ، سواء كانت هذه القناعة دينية أو سياسية أو إجتماعية، ويتمنى صاحب القناعة فرداً أو جماعة أن يكون الناس على فكرته ودينه، لكن مقتضى الحال أن البشر منذ الأزل كانوا مختلفين في أشياء كثيرة، في الشكل واللون والمزاج والمعرفة يقول تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } 118هود وهذا هو السر الذي قامت عليه فلسفة الحياة والتي يحصل بها التدافع بين البشر وتستمر الحياة يقول الله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين} البقرة 215، ويقول سبحانه: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز} الحج 40. الاختلاف سنة طبيعية في الكون كله وبالتالي فإن الإنسان هو المرشح لإدارة هذا الإختلاف وللوصول الى أحسن الطرق لا بد من معرفة أسباب الإختلاف بين البشر وذلك لأن الاختلاف في الكون وما يدور في أفلاكه محسوم ومرسوم بدقة متناهية، وهي تصب في مصلحة الجنس البشري يقول تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق يفصل الايات لقوم يعلمون} يونس 5. اذاً لسنا مطالبين بدراسة ظواهر الإختلاف في الكون والطبيعة الا بقدر حاجة الانسان لما يدور حوله ليحمي وجوده من المخاطر ، أنما الحاجة الحقيقة هي دراسة ومعرفة أسباب الاختلاف بين البشر.
المحور الأول: أسباب الصراع ومبرراته من الواضح إن مبررات التنازع بين الناس يعود للأمور التالية: الأمر الأول : المسافة الفاصلة بين العلم والجهل فكلما أرتفع مستوى الفكر والإدراك عندى الإنسان بإكتساب المعارف والعلوم عند طريق التلقي كما هو الحال لدى الإنبياء والرسل أو بتراكم المعرفة وتقادم التجارب كما هو عندى المصلحين والمجددين ، فإن هؤلاء بالضرورة سوف يصطدمون مع أي واقع جامد فيحصل الصراع. بينما لا يوجد هذا النوع من الصراع عند أي قطيع من الحيوان لأصلاح شؤون حياتهم لعدم وجود نعمة الفهم والإدراك لتطوير حياتهم. وأبلغ مثال في إختلاف مستوى المعرفة لتشخيص المصلحة ما حصل بين رجلين عظيمين في قصة نبي الله موسى والخضر – عليهما السلام – الواردة في سورة الكهف إدى الى الفراق. {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} الكهف 78. الأمر الثاني: تأثير البيئة على قدرات الانسان العقلية والمعرفية، ومن الطبيعي تمايز وإختلاف العادات والتقاليد والتاريخ والثقافة لكل بيئة، كما يؤثر تغيير المناخ على طباع الانسان. الآمر الثالث: والأهم هو تفاوت المصالح وتباينها بين البشر وهذا الامر قائم منذا أن وضع الجنس البشري رجله على هذا الكوكب بدأ الصراع والتصفية الجسدية.أما الأن فالصراع قائم بين الأمم بإستخدام الردع النووي الذي لو حصل لا سمح الله فإنه يفني البشرية كل ذلك تحت شعار حماية المصالح ، وقد يأدي ذلك على سحق الشعوب وإهدار كرامة الانسان وسلب حقه في الحياة.
المحور الثاني: احترام العلاقات الإنسانية تُعدّ العلاقات الإنسانية الفكرية والعقدية من أصعب النظريات على المستوى التطبيقي كونها مرتبطه بقلب الانسان وفكره بالتالي فهي حساسة للغاية ، عكس العلاقات على المستوى المهني أو الشخصي ذات المصالح الخارجية التي تتبدل بسهولة وفق المصلحة إنما الإنسان القادر على جمع الحالتين ويستطيع التعايش ومد الجسور بين بني جنسة ، فذلك الشخص يتمتع بذكاء خارق وهو ما يطلق عليه مصطلح الحكيم، يقول تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} .ومن نافلة القول أن يثبت والانسان المنتمي لكل دين من الاديان السماوية ويبرهن على أهم عنصر لحماية ما يعتقد به هو فتح شبكة العلاقات الإنسانية، والدين الاسلامي كشف عن حقيقة إحترامه لمن ينتمون لغيره من الاديان وحث أتباعه الإلتزام بذلك في قوله تعالى {لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الممتحنة 8.ومع الأسف أننا نحن المسلمون لم نتمكن من ترجمة مقاصد الاسلام الحنيف وظهرت جماعات من المسلمين نسفت كل قواعد العلاقة الإنسانية مع البشر ورفعت راية العداء حتى في دائرتها الخاصة بعقلية منغلقة لا ترى الا فكرها وتسقط من الإعتبار من يختلف معها في الرأي وتنسب هذا الفكر الى الدين، وتحمل الدين خلاف مقاصده، فالآية تعبر عن العلاقة بين المسلم ومن يخالفه بِـ«البر»، وهي نفس اللفظة التي يستعملها القرآن الكريم في العلاقة التي يجب أن تقوم بين الإنسان ووالديه. ولا يجوز ظلم من يخالفة في الدين، والرسول كان يرشد المسلمين إلى هذه النقطة من خلال توجيهاته الشريفة، يروى عنه أنه قال: «من ظلم معاهدا أو كلَّفه فوق طاقته أو انتقصه شيئا من حقه كنتُ أنا حجيجه يوم القيامة». كما قال «من آذى ذميا فقد آذاني».والتعاليم الأخلاقية الخاصة بالتعامل مع الآخرين لم تكن تفرق بين مسلم وغير مسلم، فالبر بالوالدين واجب وإن كانا مشركين. والتعامل بالحسنى مع الجار والتواصي به مطلوب وإن كان غير مسلم، وكذلك الرحم، والمصاحب في السفر، والإحسان إلى الضعفاء من الناس، كل ذلك لا يميز الإسلام فيه بين المسلم وغير المسلم.
Leave a Reply