بين واشنطن وحارة حريك طار التفاؤل!لبنان: معركة المحكمة لا معركة الرئاسة
احسن صنعاً امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، عندما فتح في خطابه الاخير بمناسبة «يوم القدس» ما ظل مستوراً لدى حزبه طوال السنوات الثلاث الماضية، حول نظرته الى الاغتيالات السياسية التي تشهدها البلاد منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانتهاءً باغتيال النائب الشهيد انطوان غانم.فالقنبلة الاعلامية التي فجرها سيد المقاومة، باتهامه، لاول مرة، اسرائيل مباشرة بتلك الاغتيالات، رسمت الخطوط الحقيقية، او هي بالاحرى، اعادت رسم الخطوط الحقيقية للمواجهة الداخلية المندلعة منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان بموجب القرار الدولي 1559، ووضعت اشارات للتائهين عن مجرى الازمة ومسارها تحمل تحذيراً حول وجود مخاطر محكمة دولية، ينصح القادة السياسيون بعدم سلوك طرقها لانها «طرق ممنوعة»، ويشتد خطر سلوكها كلما اقتربنا من انتخابات الرئاسة.انتخابات الرئاسة هذه كانت قد دخلت منذ اسابيع قليلة ما يشبه لعبة يانصيب اللوتو الذي يتراكم مقدار جائزته كل اسبوع الى درجة يشعر معها اللاعبون انهم يعيشون حلماً متواصلاً يتمنون لو ان النتائج لا تحمل اليه رابحاً لكي يستمر الامل بفوز، كلما تضخمت قيمته، قلت نسبة الظفر به.ولقد بدا مع خطاب السيد حسن نصرالله وسلسلة ردود الفعل عليه ان الاستراحة التي تمتع بها تلامذة المدارس السياسية اللبنانية قد انتهت ودوّى جرس الدعوة – الانذار للجميع بالعودة الى الصفوف مع دخول فصل الخريف الذي يمثل في بلادنا العودة من اللهو الصيفي الى جدّ الدراسة.كانت عيون القوى الاقليمية والدولية غير ساهية عن اللهو اللبناني في صيف اقتصرت حرارته هذه المرة على حرائق طبيعية سقط فيها «شهداء» من الثروة الحرجية الخضراء، وبكى اللبنانيون جمال بلادهم بما تبقى في مآقيهم من دموع استنزفها البكاء على شهداء العدوان الاسرائيلي في صيف 2006 وشهداء الاغتيالات والتفجيرات ومذبحة نهر البارد التي عمدت جيش البلاد بكوكبة من نحو مائة وستين شهيداً.لبت الطوائف اللبنانية مع حلول الخريف دعوة العودة الى متابعة مقرراتها في مجال تكريس لبنان – الساحة وتعزيز اختصاصات الطوائف في جلب التدخلات واستدراج العروض لها، بعدما تراءى لبعض السذج منّا ان ثمة شبحاً يلوح في افق الازمة اللبنانية يحمل معه بشائر «اللبننة»، التي لم تعد سبة كما في الحرب الاهلية، وذلك على يدي «مغامرين» بارزين من الطائفتين السنية والشيعية هما سعد الحريري ونبيه بري.كان بري والحريري قد نجحا في اعادة عربة او اكثر من عربات قطار الحوار الى سكة التعقل وتناولا افطاراً امتد ذات ليلة الى السحر فصام بعده كثيرون من «شعراء الهجاء» في فريقي 8 و 14 آذار عن الكلام المباح مداراة لجهود هذين الركنين الاساسيين من اركان الموالاة والمعارضة ومحاولاتهما اتقاء «فتنة كبرى» او «شر مستطير» شرعت نذرهما تلمع من تحت رماد الازمة وتهدد بهول كبير قادم لا يبقي من الدولة والكيان ما يستدعي الخلاف او الخصام كما حذر رئيس المجلس النيابي مراراً في الاسابيع الاخيرة.غادر نبيه بري الى جنيف في «زيارة خاصة» وتوجه سعد الحريري الى واشنطن في «زيارة رسمية» تاركين رهاناً مشتركاً لدى اللبنانيين على العمل من اجل انتاج رئيس توافقي للجمهورية المتصدعة، وبورصة للتفاؤل تأرجحت مؤشراتها بين صعود خجول وهبوط سريع الى حين ظهور الزعيم السني الشاب في البيت الابيض الى جانب زعيم «الدولة الشريرة» جورج بوش، وخروج الامين العام لحزب الله على تلك الشاشة العملاقة امام جماهير حزبه… وكان كلامان مختلفان، وداخ اللبنانيون في فهم ما يجري: في واشنطن لاح للحريري الشاب طيف محكمة «تمنعت» طويلاً ووقف الى جانب «سيد العالم» مشدود الازر يتفحص حلم معاقبة قتلة ابيه في عبارات تعاطف، لا تخلو من التحريض اطلقها الرئيس الاميركي محاطاً بآخر كتيبة من «مغاوير» المحافظين الجدد، مع محنة هذا الشاب» في فقد ابيه وبنبرة حازمة فهم منها ان المحكمة آتية لا ريب فيها!.في الضاحية الجنوبية لبيروت كان امين عام «حزب الله» يطنب في تثريب المحكمة ويرى «ان مئات مثلها لن توقف الاغتيالات» وان الهدف الكامن وراء خطب ود هذه العجوز الشمطاء هو «كسر آخر حلقات الممانعة العربية» المتمثلة بسوريا الاسد، ومقدماً وجبة غير «شهية» لخصوم حزبه وخطه الداخليين، في ان اسرائيل بـ«القرينة والمنطق» هي المسؤولة عن كل جرائم الاغتيال، وكفى الله اللبنانيين شر المحاكم.من هنا بدأت معركة الرئاسة الحقيقية ومن هنا انتهت!.يريد سعد الحريري وحلفاؤه في تجمع 14 آذار رئيساً يحمل قضية المحكمة في ضميره ويعمل على متابعتها وصولاً الى اكتمال عقدها وتوجيه الاتهام (الجنائي وليس السياسي) الى الطرف الذي انبرى السيد حسن نصرالله الى تبرئته «سياسياً» على رؤوس اشهاد «يوم القدس».كان التوقيت في بلاغ السيد حسن نصرالله اهم من البلاغ نفسه. فأبسط العارفين في شؤون الازمة اللبنانية المتجددة يدركون ان «حزب الله» لم يكن يوماً مع محكمة دولية يفضي قيامها الى محاكمة واحتمال، ادانة نظام عربي ارتبط معه الحزب برباط لا فكاك منه ويشكل بالنسبة اليه «حبل السرة» الاقليمي او رئة التنفس التي تحمل اليها دمشق اوكسجين الحياة من قلب طهران النابض بالمساعدات والمدد المادي والعسكري في صراعه المفتوح مع «عدو الامة» الذي لا ينفك الرئيس الايراني الثوري احمدي نجاد عن التبشير بالقضاء عليه اعتماداً على «شعوب المنطقة». صُدم «خصوم «حزب الله» اللبنانيون بهذه الجرأة التي حملها خطاب «يوم القدس» على قناعاتهم التي لم تهتز لحظة بأن النظام الذي انبرى سيد المقاومة لرد التهمة عنه هو المسؤول عن كل عمليات الاغتيال التي طالت رموزهم السياسية. بعضهم لجأ الى مخزون الذخيرة الاعلامية الهجومية علي عجل، مصوباً باتجاه نصرالله وحزبه والبعض ترنح تحت صدمة الخطاب فوجد نفسه «متفقاً» مع موقف السيد داعياً اياه، والحال هذه، ان يسعى الى اقامة تمثالين عملاقين لرفيق الحريري في كل من دمشق وطهران بصفته شهيد العروبة والاسلام على ايدي العدو الاسرائيلي او في اضعف الايمان في بقعة المربع الامني «لحزب الله» في الضاحية الجنوبية، للاسباب ذاتها (…).في جنيف كان يمكن تخيل رئيس المجلس النيابي نبيه بري وهو يضرب كفاً بكف وبعض سبابته اسفاً على التفاؤل الذي طار في لحظات بين واشنطن وحارة حريك وهو يتمتم: «تباً لهذا الحظ.. لقد انهار كل شيء.. مرة اخرى..».على ان الانهيار قد يهون في قادم الايام عندما يدخل لبنان بعد الرابع والعشرين من تشرين ثاني في «الغيبوبة الدستورية» ويستنفر اهل البيت المدربون او من هم تحت التدريب على السلاح حول السرير الرئاسي. والهول اذا اقبل لن يكون في حكومتين او رئيسين او جيشين، بل في تلك «الفتنة الكبرى» التي نامت دهوراً والتي ستبدو معها موقعتا «الجمل» و«صفين» «لعب عيال» على حد توصيف المفكر اللبناني احمد بيضون في ورقة له امام مؤتمر «مبادرة الاصلاح العربي» حملت عنوان: «اشياع السنة واسنان الشيعة: كيف حلّ بلبنان هذا البلاء»؟.
Leave a Reply