لمحة عن ماضٍ غابر ومستقبل منشود
مدينتا ديترويت ووندسور، واحدة في اميركا والاخرى في كندا يفصلهُما نهر ديترويت بعرض لا يتجاوز الميل، ويربطهما جسرُ فوقه بإرتفاع مئة وخمسة وثلاثين قدماً، ونفق من تحته طوله ميلُ واحدُ ، ويعيش في وندسور مزيج من قوميات متعددة الثقافات ومن بينهم عرب أميركيون وكلدان، مسيحيون ومسلمون وآخرون ساهموا بشكل كبير ومستمر في تقوية وتمتين التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية والعمرانية في المدينة، فيما تتشكل اغلبية سكان ديترويت من الافارقة الاميركين.بدأت مدينتا ديترويت ووندسور في بدايات القرن الثامن عشر تستقبلان المهاجرين الجدد الفرنسين والبريطانيين وغيرهم من الاوروبيين الذين ساهموا معاً في وضع ملامح المدينتين اللتين تحتفظان لغاية الان بمجموعة من المعالم التاريخية التي يعود انشاؤها الى ما قبل فترة الاتحاد بين المستعمرات الاولى. وكمرفأ رئيسي مقابل لمرفأ ديترويت اكتسبت مدينة وندسور شهرة بسرعة فائقة بعد اختيارها في عام 1854 كمركز صناعي ومحطة رئيسية تنطلق منها قطارات السكك الحديدية. لكن وندسور لم تزدهر وتكتسب مكانة صناعية مميزة إلا حين قررت شركة فورد بناء مصنع للسيارات فيها تم انجازه عام 1904 مساهماً بتقدم وتطور حركة التنمية الصناعية فيها، وفي تلك الفترة وصل عدد سكان المدينة مئة الف نسمة بعد انضمام عدد من المدن والقرى الكندية المجاورة لها. فيما اعتبرت ديترويت احدى أهم واكبر المدن الصناعية الاميركية حتى اكتسبت اسم «عاصمة صناعة السيارات في العالم» لوجود ثلاثة من اهم واكبر واقدم شركات السيارات العالمية فيها، فورد وجنرال موتورز وكرايسلر، اضافة الى عدد من مصانع الصلب والحديد. في بداية القرن التاسع عشر اجتاحت القوات البريطانية ديترويت واحتلتها ، الا ان الجنرال الاميركي «وليم هاريسون» استطاع استرجاعها ومنذ ذلك التاريخ بدأت الحياة تدب فيها، وطور نظام المواصلات البرية والبحرية وشيدت مصانع بناء السفن والبواخر اضافة الى صناعات المعدات العسكرية الثقيلة والخفيفة، واستطاعت ديترويت استقطاب آلاف المهاجرين من ولايات الجنوب الاميركي، ومن دول كبولندا وايطاليا والمانيا والشرق الاوسط وذلك للعمل في مصانعها العملاقة والمتعددة.مباشرة بعد الحرب العالمية الاولى قدم مهندس أميركي مشهور يدعى «شارللز ايفيز» عرضا لمشروع بناء جسر يربط وندسور مع ديترويت، لتسهيل نقل البضائع والسيارات و التخفيف من حوادث التهريب المنظم التي بلغت اوجها في ذلك الحين، فقام هذا المهندس بأنشاء شركتين الاولى سميت الشركة الكندية للنقليات والاخرى الشركة الاميركية للنقليات، وحصل على موافقة الكونغرس الاميركي والبرلمان الكندي ودعم الرئيس الاميركي حيث تم بناء جسر عملاق تم تسميته بـ« امباسادور»، بأرتفاع 135 قدماً فوق نهر ديترويت. وعلى بعد أميال قليلة من الجسر كانت الجهود الهندسية والانشائية الخلاقة تتكثف وتسير على قدم وساق لانجاز مشروع ريادي فريد، مشروع «نفق ديترويت -وندسور» التي تم انجازه في الاول من تشرين ثاني (نوفمبر) عام 1930 بعد سنتين ونصف من العمل اليومي الخلاق والشاق بتكلفة مالية تعدت 30 مليون دولار. ومنذ ذلك الحين اصبح بمقدور الزائر الاميركي او الكندي وبأقل من دقائق زيارة اي من المدينتين والتمتع بما توفرانه من ميزات ثقافية وحضارية وتجارية.في وندسور مجموعة من المتاحف التي تتضمن آخر ما توصل اليه العلم الحديث من اكتشافات، اضافة الى اللوحات والصور التاريخية ونماذج للاسلحة والمعدات التي استخدمت في الحربين العالميتين الاولى والثانية، كما تضمُ صالات متاحف أخرى في المدينة مجموعات من السيارات الكلاسيكية التي انتجتها شركة فورد لصناعة السيارات في مصنعها الاول بداية القرن الماضي. وباستطاعة الزائر لأي من هذه المتاحف الكندية الجميلة معاينة بدايات وتطور الحضارة الانسانية.يستمتع الزائر لمدينة وندسور بالاجواء الثقافية والتراثية الاوروبية، بحيث ان اول ما يلفت الانتباه في هذه المدينة هو انتشار المقاهي والمطاعم التي تنتشر على جوانب الشوارع العامة ووسط المدينة المكتظ بروادها، حيث يجد الزائر في فصلي الربيع والصيف صعوبة في حجز اماكن داخل هذه المطاعم او في خارجها على ارصفة الشوارع. كما يستمتع زوار المدينة في قضاء اوقات طويلة في التنزه على ضفة النهر حيث الشوارع الجانبية المخصصة لذلك على إمتداد نهر ديترويت حيث تلتئم العائلات ويلتقي العشاق للاستمتاع بقضاء امتع اوقات الغروب او ساعات الصباح الباكر.تقام في مدينة وندسور مجموعةُ من المهرجانات الموسمية التي تستقطب عشرات الآلاف من الزوار من جنسيات مختلفة، ومن أهم هذه المهرجانات «مهرجان الحرية» الذي يقام على ضفة وندسور من نهر ديترويت. وهناك آلاف الزوار الذين يؤمون المدينة إما بسبب نواديها الليلية التي تتمتع بسمعة أمنية جيدة او لزيارة كازينوهاتها التي تستقطب اعدادا كبيرة من سكان ديترويت ومدن ميشيغن الاخرى.يتربع الآن الشاب الكندي من اصل لبناني ايدي فرانسيس على رئاسة بلدية وندسور، ويعمل على تحديث قوانينها ورفعها الى مصاف المدن الكندية الرئيسية الكبرى كتورنتو ومونتريال. ويعمل فرانسيس على تشجيع السياحة بين وندسور وديترويت الكبرى بعد ان شاركت مدينته في فعاليات «العاب السوبر بول» عام 2005، كما يعمل على ازالة الانطباع السيء العالق في اذهان اهالي مدن ولاية ميشيغن والذي يصور وندسور كمدينة للمومسات وتجارة الجنس. .اما في ديترويت فهنالك العديد من المعاهد التعليمية المرموقة والتي تستقطب طلبة وطالبات من جميع انحاء العالم «كجامعة وين ستيت» وجامعة «ديترويت ميرسي» وغيرهما. اضافة الى المؤسسات الصحية والمستشفيات المعروفة عالميا كمجمع «مركز ديترويت الطبي» الذي يتدرب في مستشفياته المتنوعة والمتعددة طلبة كلية الطب في «جامعة وين ستيت». وتنتشر في ديترويت المتاحف والمسارح وقاعات الاحتفالات الكبرى ومنها «الكوبو هول» التي تعتبر من اكبر صالات الإحتفالات والمهرجانات والمعارض في العالم. كما ان هناك عددا من الفرق الرياضية المشهورة عالمياً كفريق «البستنز» لكرة السلة والـ«ليونز» للفوتبول، و«ريد وينغز» للهوكي، ويقام سنويا في المدينة احد اشهر سباقات السيارات في العالم «ديترويت غراند بري» ومن بين المسارح العديدة في ديترويت مسرح «فوكس» الذي بني بطريقة فنية خلاقة ساهم في اضافة بعد فني عالمي رائع لهذه المدينة الصناعية. وبالاضافة الى معهد ديترويت للفنون والذي يحوي على متحف عالمي كبير، يعتبر المتحف الافريقي الاميركي احد المتاحف الاميركية الذي يزخر بالتراث والحضارة الافريقيين والذي يؤرخ لعهد العبودية المقيت وحتى وقتنا الحاضر وهو محج لزوار ديترويت من مختلف انحاء العالم. اما مبنى «ديترويت اوركسترا هول» المرتبط بأسم الثري الاميركي ماكس فيشر الذي يحمل اسمه ايضاً احدى ناطحات سحاب ديترويت العريقة «مبنى فيشر». ويعتبر «ديترويت اوركسترا» من اهم الفرق الموسيقية الاميركية. ومدينة ديترويت هي مسقط رأس لمئات الشخصيات الهامة والتي لمعت اسماؤها في المجالات الاقتصادية والسياسية والاعلامية والفنية ومنهم الفنان والإذاعي الاميركي من اصل لبناني كيســي قاسم وعميدة الصحفيين في البيت الابيض الاميركية اللبنانية الاصل هيلين طوماس والمغنية الاميركية المشهورة أنيتـــا بيكر والمغني «أم اند أم» ومئات آخرون.
نهر ديترويت الذي يفصل المدينتين |
وسط مدينة ديترويت |
Leave a Reply