خبراء فـي مكاتب عقارية يعرضون أسبابها وسبل الخروج منها
ديربورن – خاص «صدى الوطن»
أزمة الرهن العقاري التي تضرب الولايات المتحدة من أقصاها لأقصاها، والتي بدأت قبل بضع سنوات وتأثرت بها ملايين العائلات الأميركية، يرجع المحللون الإقتصاديون أسبابها إلى جملة عوامل اختلطت لتشكل إنهيارا في سوق العقارات لم تشهد أميركا له مثيلا منذ عقود، البعض يعتبر هذا الإنهيار شبيها في مظاهره وقوة تأثيره بالركود الإقتصادي الذي مرت به البلاد في ثلاثينات القرن الماضي، فيما آخرون يشبهونه بركود عام 1991.لكن أياً كان الوصف للأزمة العقارية الراهنة مختلفا، تظل أسبابها يجمع عليها كثيرون، لعل أبرزها التراجع الإقتصادي الذي تشهده أميركا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والذي تجلّت مظاهره في فقدان ملايين العمال لوظائفهم، وتباطوء النمو، وارتفاع معدلات الفائدة، وانخفاض القيمة الشرائية للدولار الأميركي في مقابل العملات الرئيسية العالمية، إضافة إلى الحرب في العراق وأفغانستان، ناهيك عن سياسات ضريبية فرضتها الإدارة الجمهورية في عهد جورج بوش ألحقت ضررا بطبقة العمال وأصحاب الدخول المتوسطة. لصالح الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال.هذه الآفات الإقتصادية وإن شكلّت الخلفية لصورة الأزمة العقارية القائمة، إلا أن حسان بيضون بخبرته الواسعة كوسيط عقاري رقم واحد لسنتين متتاليتين في ميشيغن بشهادة أكبر شركات الوساطة العقارية «سنشري 21» التي يعمل فيها، وبلغ حجم مبيعاته 200 مليون دولار، منها 15 مليونا في السنة الماضية وحدها، يعتبر أن السبب المباشر في الأزمة مرده إلى تساهل البنوك المفرط على مدى الأعوام الماضية في منح القروض العقارية لعملاء غير مؤهلين بالدرجة الكافية، حتى أن بعض منها كان يمنح قرضين للزبون عند الشراء واحد ثمنا للمنزل والآخر لإجراء التحديث عليه، بمعدل فائدة يتغيّر عقب سنة أو سنتين أو ثلاثة.للحديث مفصلاً عن كيفية تأثر المدينين بتغيّر سعر الفوائد على القروض، توجهت «صدى الوطن» بالسؤال إلى مدير فرع مؤسسة «فاميلي فيرست العقارية» ومقرها 13349 ميشيغن أفنيو بمدينة ديربورن وهو علي خنافر، حيث قال «البعض ممن حصلوا على قروض لشراء منازل، تعاقدوا مع البنوك مباشرة دون إستشارة الوسطاء الماليين، وبذلك فرضت البنوك عليهم شروطا بتغيير سعر الفائدة عقب فترة معينة من حصولهم على القرض، وكان الأجدى لمصلحة الناس تثبيت هذا السعر على نسبة معينة لا تتغير، على سبيل المثال شخص حصل على قرض بقيمة مئة ألف دولار بسعر فائدة ثابت، عليه أن يسدّد الأقساط الشهرية بقيمة متساوية طيلة مدة السداد كأن يكون المبلغ الف دولار شهريا، بذلك يستطيع الزبون حساب موارده والتزاماته والتوفيق بينهما، وبالتالي السيطرة نوعا ما على المديونية، أما في حال تغيّر نسبة الفائدة، فإنه سيجد نفسه مضطرا بعد عدة سنوات لدفع أقساط شهرية أعلى كأن تكون 1500 دولار، ما اضطر الكثيرين إلى عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتهم والتخلي عن العقار للمصارف الراهنة».لكن تغيّر معدلات الفائدة هذه ما كان لها كل ذلك التأثير لولا أن صاحبتها مجموعة عوامل إقتصادية سلبية أهمها في ولاية مثل ميشيغن، يعتمد إقتصادها بالدرجة الأولى على الصناعات، خاصة صناعة السيارات، وما لحق بهذا القطاع من أضرار في السنوات الأخيرة، تمثلت بحسب بيضون في إقفال شركات السيارات الكبرى الثلاث – «فورد» و«كرايزلر» و«جنرال موتورز» – لأقسام من خطوط إنتاجها في ديترويت وديربورن والمناطق المجاورة، ما أسفر عن الإستغناء عن عشرات الآلاف من العمال والموظفين.يشار إلى أن ميشيغن تعتبر واحدة من الولايات الخمس الأكثر تأثرا بالأزمة العقارية، ويعتبرها بيضون الثانية من بين الولايات جميعا. وبحسب التقارير فإن أسعار العقارات على المستوى الوطني هبطت أسعارها 20 بالمئة، في حين أن نسبة الحصول على تراخيص للبناء تراجعت العام الماضي 64 بالمئة، نتيجة زيادة المعروض من العقارات السكنية عن ما هو مطلوب، وهذا بدوره حسب رأي مسؤول القروض العقارية بمؤسسة «فاميلي فيرست» وائل حسين، أدى إلى إحجام المصارف وشركات الرهون العقارية الكبرى، من أمثال «كانتري وايد»، عن ضخ مزيد من الأموال في سوق أضحى مترعا بعقارات مهجورة تخلى عنها أصحابها لعدم قدرتهم على دفع أقساطها الشهرية.كانت «كانتري وايد» تعرضت في المدة الأخيرة إلى خسائر فادحة كادت تودي إلى إفلاسها لولا أن تدخّل المصرف المركزي الفدرالي وقام بضخ مليارات الدولارات الى خزينة الشركة جعلتها تظل صامدة حتى اللحظة. كما أن وزارة المالية الأميركية رعت خلال الأسابيع الماضية إتفاقا بين أضخم ثلاثة بنوك أميركية، تعهدت بتخصيص مئة مليار دولار لشراء عقارات مستردة للبنوك، بهدف تخفيف حدة الأزمة التي يعاني منها سوق العقارات والتي انعكست سلبا على المؤسسات الإقتصادية والمواطنين، إضافة وبحسب بيضون فإن بنك الإحتياطات الفدرالي أمر البنوك في آخر إجتماع له بتخفيض سعر الفائدة بمقدار نصف بالمئة ما سوف يؤثر إيجابا على الأزمة ولو بحدود قليلة، والرجل بحسب خبرته العملية يرى أن إسترداد البنوك للمنازل المرهونة أو ما اصطلح على تسميته «فور كلوجر» إنما يتم بإحدى طريقتين، الأولى عدم قدرة اصحاب هذه المنازل على دفع الأقساط الشهرية، والثانية حصولهم وفق برنامج إعادة التمويل «ريفاينانس» على أموال تفوق القيمة الحقيقية لمنازلهم، وبالتالي الإستغناء عنها بعد تحقيقهم لأرباح مالية، لكن هذا في نظر وائل حسين من مؤسسة «فاميلي فيرست» أسلوب غير مجد لمن انتهجه، كونه يؤدي إلى تخريب سجلاتهم الإئتمانية، ويصبح من الصعب عليهم حاضرا ومستقبلا الحصول على تسهيلات مالية لشراء بيوت وسيارات وتمويل مشاريع تجارية.أياً كانت أسباب الأزمة الراهنة وأيا كانت تداعياتها، فالجميع ساهم في خلقها والجميع يتحمل نتائجها، فالمحللون الإقتصاديون يخشون أن استمرت المشكلة وتفاقمت فلربما تؤدي إلى شلل في الإقتصاد الأميركي، بعد أن كان سوق العقار رافعة لهذا الإقتصاد في تسعينات القرن الماضي.«صدى الوطن» طرحت على الضيوف المتحاورة معهم سؤالاً: كيف لأبناء الجالية التخفيف من حدة الأزمة عليهم، وتسوية أوضاعهم بطريقة تمكنّهم من الإحتفاظ بمنازلهم، وكيف لهم التقاط الفرصة، إذا كان في عتمة هذه الأزمة من فرص، في ظل تراجع أسعار المنازل وهبوطها؟ وجاءت الإجابة من الضيوف الثلاثة متقاربة، حيث أنها فرصة ولا شك لمن لم يسبق له شراء منزل من قبل، أن يشتري واحدا في هذا الوقت، فالمشكلة لن تستمر إلى الأبد، وهبوط الأسعار سيتوقف يوما، لتعود وترتفع مرة أخرى، أما بيضون يتوقع أن تستمر الأزمة حتى العام 2009. أما بخصوص من هم غير قادرين على دفع الأقساط الشهرية فهؤلاء عليهم التفاوض مع البنوك الدائنة، فمن مصلحة البنك التسهيل على الناس للإحتفاظ ببيوتهم وتخفيض الدفعات وتعديل الشروط الواردة في عقد القرض العقاري وذلك خيرا من إسترداد المنزل ووضعه على لائحة البيع. كذلك باستطاعة أبناء الجالية من المعسرين اللجوء إلى خطة لبيع منازلهم عبر ما يسمى «شورت سيل» وذلك بإيجادهم المشترين لبيوتهم شريطة الإتفاق مع البنك على تخفيض الأسعار لتتلائم مع الأسعار الحالية، فمثلا لو رغبت ببيع منزلك المرهون للبنك بـ150 ألف دولار، ووجدت مشتر له بـ 120 ألفا، يمكن للبنك إبرام الصفقة ويبقى الفارق بمثابة قرض يتم دفعه عبر أقساط شهرية، كما يظهر على سجلك الإئتماني ويؤثر عليه لسنتين ولكن في هذه الحال تتفادى إسترداد المنزل من البنك الأمر الذي يحتاج الى سبع سنوات لإزالته عن السجل الإئتماني كما تتفادى الإفلاس.وفي كل الأحوال على أصحاب المنازل الإستعانة بالمحامين أو محاسبي الضرائب أو المكاتب العقارية لمساعدتهم في إيجاد الحلول المناسبة، فالمشكلة لا تحل بالهروب منها.
Leave a Reply