غزة، وكالات – محتمين من الانظار وراء كوخ من الصفيح المتهالك الذي اصفر لونه من حرارة الشمس يعمل خمسة مهربون بلا كلل في النفق الضيق ويقول احدهم «الاسلحة؟ لم تعد تستحق عناء جلبها. الطلب الان اكثر على السجائر وحبوب الفياغرا».وفي الخارج يدوي صوت انفجارين وتسقط القذائف الاسرائيلية على مسافة اقل من مائة متر من الجدار الاسمنتي الرمادي الطويل الممتد حتى البحر. انها الحدود بين قطاع غزة ومصر. الا ان هذه المسافة لا تكفي لاخافة المهربين الفلسطينيين وجعلهم يتوقفون عن العمل.وفي النفق الذي يصل طوله الى 700 متر بارتفاع وعرض متر تقريبا يتعين في هذا الجو الخانق السير على الركبتين او الزحف مع الاسترشاد بضوء لمبات صفراء صغيرة تفصل بين كل منها عشرة امتار.وتوضع البضائع المهربة في غالونات بلاستيكية ترسل من خلال كابل يعمل بمولد كهربائي. ويقوم بملء هذه الغالونات في الجانب المصري «معارف» يتولون تلبية طلبات المهربين الذين يبلغونهم بها هاتفيا.واذا كان هذا النشاط يدر ربحا مجزيا الا انه ينطوي ايضا على خطورة شديدة. ويقول احد هؤلاء المهربين ويدعى رامي «قتل شخصان في هذا النفق بعد ان القى فيه المصريون غازا معدوم الرائحة. وهو غاز قاتل».كما يمكن ايضا ان ينهار النفق. ويضيف هذا الرجل بلهجة مجردة وهو يسحب انفاسا عميقة من سيجارته «بقي بعضهم متحتجزا لثلاثة ايام وكنا نمرر لهم الهواء والماء من خلال الانابيب».لكن هذه الايام تشهد هذه التجارة تباطوءا. فمع توقف معارك حزيران (يونيو) العنيفة بين مسلحي حركتي حماس وفتح ومنع حمل السلاح بامر من اسياد غزة الجدد انهارت سوق تهريب الاسلحة التي كانت مربحة جدا.ويقول رامي «لم يعد احد يشتري الاسلحة التي انخفضت اسعارها بشدة. فبعد ان كان الرشاش الكلاشنيكوف الروسي يباع قبل انقلاب حماس بنحو الفي دولار هبط سعره الان الى 800 دولار فقط».ويضيف «الوضع اسوأ بالنسبة للذخيرة. فسعر القطعة لا يزيد الان عن ثلاثة شيكل (0,75 دولار) مقابل 25 شيكل (ستة دولارات) منذ بضعة اشهر».وهكذا سرعان ما فرضت منتجات جديدة نفسها على المهربين مثل الفياغرا، التي تجد اقبالا شديدا في غزة، وقطع غيار السيارات والمنتجات الغذائية التي تعاني الاراضي الفلسطينية من نقص شديد فيها بسبب خفض الواردات والحصار الاسرائيلي ولا سيما الحليب.ويقول احد هؤلاء الرجال «بالنسبة للسجائر الامر شديد الصعوبة وحماس تعلم كل شيء وتحظر تهريبها الذي يتم عبر انفاق سرية جدا وليس هنا» دون المزيد من الاضافات.وبعد ان اصبح الدخان نوعا من الترف يتهم البعض في رفح حماس باحتكار هذه السلعة المربحة من خلال تهريبها عبر انفاقها الخاصة.ويؤكد مهرب اخر في المدينة تم الالتقاء به سرا في مرآب منزله الذي يقع على بعد خطوتين من الحدود ذلك قائلا «لا شيء يحقق ربحا الان اكثر من الدخان. فالاسلحة انتهى امرها».ومنذ بضعة اسابيع يقوم هذا الرجل بارسال السجائر الى غزة في كرتونات كاملة مع تفضيل السجائر الاميركية وهي الاغلى سعرا حيث يشتري الخمسمائة علبة بالفي دولار لكنه يحقق منها مكسبا كبيرا. وهو يفضل بيعها لتجار جملة وليس للمحلات الصغيرة حتى لا ينكشف امره.والرجل الذي يعمل في هذه المهنة منذ وقت طويل يعرف كل دخائلها. ويوضح «التهريب ليس عملية سهلة. الحدود، المعابر والحواجز كلها تفتح بالنقود».ومع الحصار الاسرائيلي لقطاع غزة الذي يزداد احكاما يوما بعد يوم تعتبر انفاق رفح نقاط اتصال ثمينة بالعالم الخارجي. ويقول رامي «حماس في حاجة الى هذه الانفاق. فهي بالنسبة لهم وسيلة لكسر الحصار الذي تفرضه اسرائيل على القطاع».
Leave a Reply