عون ناخب أول وجعجع معرقل أول
دخل الاستحقاق الرئاسي في الربع ساعة الاخير ولم يعد هناك مجالاً للمناورات الطويلة إلا اذا كان هناك من يريد ايصال البلاد الى فراغ دستوري تتحول معه مسألة ملئه من قبل حكومة السنيورة الى عنصر تفجير اساسي لن تحمد عقباه.والظاهر حتى الآن توفر ارادة للتسوية، على الاقل في الموضوع الرئاسي، بالدرجة الاولى من قبل طرفين اساسين: فرنسا وايران. فالاولى تتمتع بمكانة دولية رفيعة وعلاقات ممتازة مع الولايات المتحدة الاميركية، اضافة الى مصالحها الاستراتيجية في الشرق الاوسط خاصة بعد خسارتها لكل مواقع نفوذها في القارة الافريقية، وهو ما شكل حافزاً قوياً للرئيس ساركوزي لحمل المسألة اللبنانية معه الى العاصمة الاميركية واشنطن، حيث طغت المسألة اللبنانية على جزء كبير من لقاء الرجلين. وتمت عملية «خصخصة» الملف الرئاسي وتلزيمه مؤقتاً للجانب الفرنسي مع محاذير، ركزت واشنطن على عدم مقاربتها او محاولة فرضها مادة للتفاوض والمقايضة مع الجانب السوري، وهي المحكمة الدولية وكل ما يتعلق بالترتيبات الامنية في المنطقة المتصلة بالصراع مع اسرائيل. بمعنى آخر إعطاء تفويض اميركي مبدئي وجزئي لفرنسا بتمرير الاستحقاق الرئاسي بدون احداث صدمات لحلفائها في «14 آذار» مع الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الاميركية في لبنان. اي عدم تقديم تنازلات كبيرة في مسألة سلاح المقاومة من اجل ابقائه مادة مطروحة على جدول اعمال الرئيس المقبل في حال انتخابه،وعدم اراحة سوريا من كابوس المحكمة الدولية كي تتولى واشنطن لاحقاً عملية المقايضة عليها من ضمن حوار سوري-اميركي سوف يفتحه الحياد السوري في الانتخابات الرئاسية اللبنانية مع مراعاة مخاوفها.والثانية ايران، صاحبة المشروع المناوئ للمشروع الاميركي في المنطقة، والقوة النووية الصاعدة على بقعة من اهم بقاع العالم الاستراتيجية من ناحية الموقع والثروات البشرية والطبيعية، لها مصلحة استراتيجية عليا بعدم انفجار الوضع اللبناني، خوفاً من فتنة شيعية-سنية تأكل الاخضر واليابس وتصب في مصلحة اميركا واسرائيل، وحفاظاً على نفوذها ليس فقط من خلال حضور حزب الله الشعبي بل من خلال دولة يكون لها القدرة على التأثير في قراراتها عبر حلفائها بما يحمي مصالحها، وذلك لا يكون الا من خلال انخراط حزب الله في معادلتي الرئاسة والحكومة مع الابقاء على سلاحه في وجه اسرائيل كعامل قوة استراتيجي على المدى البعيد، حيث اظهرت الوقائع ان حزب الله هو المستفيد الاول من القرار 1701 وهذا ما اثبتته المناورة الاخيرة التي اجرتها المقاومة.كذلك الامر من الناحبة السورية، فإن النظرة الايرانية لا تختلف، فسوريا حليفة استراتيجية لايران وتشكل درعاً آخراً في وجه اسرائيل، ولا يمكن لايران إلا ان تؤمن مصلحة حليفتها، وتغطي الصيغة التي توافق سوريا عليها في الموضوع الرئاسي.من خلال هاتين الارادتين كان التحرك الفرنسي باتجاه سوريا بموافقة اميركية ومباركة ايرانية، وهو تحرك يعترف بالدور السوري في لبنان ويعيده على صهوة الرئاسة بعد ان خرج مضرجاً على حمالة الـ1559.اما في الآلية العملية، فقد تم حتى الآن طرح عدة افكار بانتظار بلورتها ووضعها موضع التنفيذ. ومن هذه الافكار ان يختار بالتوافق كل من الجنرال عون والنائب الحريري اسماً من ثلاثة اسماء يقترحها البطريرك صفير ليكون الاسم المتفق عليه رئيساً للجمهورية بعد انتخابه في مجلس النواب، على ان لا يكون معادياً لسوريا ويضمن بياناً وزارياً معقولاً للمقاومة، ومن ثم يتم الحصول على موافقة اميركية عليه بالواسطة الفرنسية، وهذه الموافقة تكون مدخلاً لحوار سوري اميركي في المستقبل. الرئيس السوري بشار الاسد لم يعارض هذه الصيغة حسبما اوردت بعض الجهات المطلعة والمقربة من قريطم واضافت هذه الجهات بان الرئيس الفرنسي ساركوزي مرر هذا الاقتراح للرئيس بوش في قمة واشنطن.
تبقى عقدة البطريرك الماروني نصرالله صفير من الدخول في لعبة الاسماء، خوفاً من زيادة الانقسام المسيحي، ولعدم الرغبة في الدخول كطرف في المعركة الرئاسية يتبنى او يرشح اسماً معنياً. لذلك يجري العمل الآن في اروقة بكركي على اجراء اجتماع اقطاب موسع يضم مسيحي «41 آذار» والمعارضة من اجل غربلة الاسماء، بحيث يسمى المجتمعون الاسماء المرشحة والتي قد تصل الى خمسة اسماء وينقلها البطريرك الى الموفد الفرنسي ليتولى الموفد عملية المفاوضات على ان لا يكون عون في متن اللائحة مقابل سحب مرشحي «14 آذار» المعلنين بطرس حرب ونسيب لحود. هذا ما يشكل نصف الحل اذا رضي الطرفان به. والنصف الآخر يبقى اسم الرئيس المقبل وهو يتأرجح بين مرشح ضمني لتيار المستقبل وهو النائب البقاعي روبير غانم وبين مرشح المعارضة جان عبيد. اشارت بعض الجهات الى ان الاختيار الدولي قد وقع على النائب روبير غانم وما يجري الآن هو عملية روتينية ضرورية لايصاله الى قصر بعبدا.السيناريو المتقدم على فرضية ان عون قبل بالتراجع عن ترشيح نفسه للرئاسة، وعلى فرضية منحه حق الناخب الاول وعلى فرضية الاتفاق معه على نسبة تمثيله في الحكومة المقبلة. وعلى فرضية ان مسيحي «14 اذار» قبلوا بهذا الدور الكبير لغريمهم وتنازلوا عن مواقعهم المسيحية لصالح الجنرال البرتقالي.فمن يقدر على اسكات نايلة معوض، او ترويض سمير جعجع، او إقناع بطرس حرب ونسيب لحود بالقضاء والقدر؟!مشهد معقد جداً لمن يريد التمعن به والتدقيق في تفاصيله، فالامر اعقد واصعب مما يتصور المرء وليس بسهولة ما تم سرده في هذه العجالة، سوى انه جزء من المداولات السياسية الضمنية للاعبين على الارض اللبنانية، حتى تصل الامور الى حد السكين ويصبح اللعب فوق رمال متحركة.
Leave a Reply