إنتابني إحساسُ بالقلق، واُصبت بالانقباض وراودني شعورُ مفاجىُء بالخوف، وركضت مسرعاً الى جهاز الكمبيوتر في محاولة للحصول على ايةِ معلومات او ايضاحات عبر الانترنت حول ما سمَعته للتو وأنا اتـابعُ البرنامج الصباحي اليومي «صباح الخير اميركا» عن مرض «هز وتدويخ الاطفال». او ما يطلق عليه باسم shaken Baby syndrome.أرعبتني واخافتني الارقام والاحصائيات التي تشير الى عدد الاطفال الذين يتعرضون الى «الهز والتدويخ»… يصل الى عشرات الالاف ممن يموتون كل عام فيما يصاب مئاتُ الالاف بنوبات عصبية، فقدان الوعي (كوما)، فقدان البصر، عدم القدرة على التركيز وتدنى مستوى الاستيعاب والفهم، اضافة الى امكانية الاصابة بالشلل التام. واكثر من ذلك، فأن المعلومات الطبية الموثقة تؤكد ان عدداً كبيراً من الأصابات قد لا تؤثر مباشرة بعد إجراءات الهز والتدويخ، وانما تظهر بعد سنوات طويلة خاصة قبل الوصول الى سن المراهقة. وتتمثل هذة الامراض، بنزيف في شبكية العين، تشقق في جمجمة الرأس، تورم الدماغ وغيره.تلاشى عندي التوتر الذي أصابني، وأنا اقرأ ان أغلبية حوادث «الهز والتدويخ» هذه يتأثر من جرائها الأطفال الذين تقل اعمارهم عن ست سنوات. زال القلق وتبددت المخاوف… بعد ان ايقنت اننا في مرحلة دراستنا الابتدائية والاعدادية كنا في العاشرة… الحادية عشرة وربما في الخامسة عشرة من العمر حين كانت لعبة «الهز والتدويخ» هوايتنا المفضلة… اذكر ان شقيقي الاكبر وللتخلص من «غلبتي» كان يمسك بيديّ الاثنتين ويبدأ بالدوران السريع حول نفسه لدقائق، وفجأة يرميني في زاوية من زوايا الغرفة فيما يجلس هو بتراخي في زاوية اخرى، وفي لحظات الدوخان التي اعيشها «تزوغل» عيناي وأنا أمعن النظر في الصور العائلية وابحلق في اتجاه الرسومات المثبتة على جدران الغرفة تبدو وكأنها رسم تجريدي واحد.إستهوينا لعبة «الهز والتدويخ» ونقلناها من غرف البيت الى «ساحة الحارة» في مدينتنا الصغيرة مأدبا… اصبحنا نصطف مجموعات وبشكل دائري فيما توكل مهمة «الهز والتدويخ» لأحد الشباب الذي يبدأ بالدوران بالصغار واحداً تلو الآخر حتى يتعب هو، ويرتمي الصغار متمرغين بتراب الحارة كل منهم في اتجاه. لم يكن الـذ وأمتعُ من تلك اللحظات حين نرى بيوت الحارة وأعمدة الكهرباء فيها تدور فينا بسرعة مذهلة. صارت لعبة وراثية، حملناها معنا الى هنا الى اميركا… أحبها الصغار من أبناء الاصدقاء والاقارب، صاروا يطالبون بـ«تدويخهم» كلما حانت فرصة للتجمع والتسلية… اعتبرها الأصدقاء حتى الأميركين منهم وسيلة سريعة لتخليصهم من سلوك «الشيطنة» المصاحب للصغار، فهي اي لعبة الهز والتدويخ تريحهم ولو لساعات من غلبة وطلبات الاولاد الذين سرعان ما يشعرون بالتعب والنعاس وينامون.لا اذكر ان احداً من الصغار الذين خضعوا «للهز والدوران» في مدينتنا في سبعينات القرن الماضي… وصغار ميشيغن الذين تمتعوا بهذة «اللعبة» قد مات… او اصيب بعاهة او خلل في الدماغ او عجز جسدي او عقلي… او حتى جنسي…. لابل بالعكس أبدع معظم من مارسوا هذه اللعبة ممن داخو… هم أنفسهم جراء الهز والتدويخ ومن دوخوا الصبية في بيوت وحارات المدينة. لكن… من يدري.. اذا اجريت دراسات وابحاث عن مصير البعض الاخر منهم فربما فاجئتنا النتائج؟ لم نمارس لعبة «الهز والتدويخ» منذ زمن طويل، ولا اعتقد ان احداً منا يجرؤ على ممارستها في هذه الظروف الاستثنائية التي فرضتها علينا وعلى العالم تداعياتُ كارثة الحادي عشر من ايلول عام 2001 والتي تمنعنُا من مجرد الحديث عنها او حتى التفكير فيها.
Leave a Reply