الادارة الاميركية شجعت على تأخير الانتخابات ليستأثر السنيورة اكثر بالسلطةالمعادلة السلبية بين الموالاة والمعارضة منعت وصول رئيس جمهورية منهما
وقع لبنان في محظور الفراغ الرئاسي، وانتهت المهلة الدستورية لولاية رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، ولم يتمكن مجلس النواب من الالتئام لانتخاب خلف له، بسبب استمرار الخلاف على مرشح توافقي، لم تساعد لائحة المرشحين التي قدمها البطريرك الماروني نصرلله صفير، في التفاهم على اسم من سبعة مرشحين، ووضع كل من الموالاة والمعارضة «فيتوات» متبادلة، فتم رفض النائب روبير غانم من قبل الرئيس نبيه بري الذي سماه النائب سعد الحريري وكان يمثل المعارضة في المفاوضات، كما لم يوافق الحريري باسم الموالاة على اسم الوزير السابق ميشال اده، وقد طرح كل طرف تبريراته للرفض، فاعلنت المعارضة ان غانم ليس مرشحاً توافقياً، بل هو المرشح غير المعلن لقوى 14 شباط، التي سمت النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود، وان ميشال الخوري تنطبق عليه مواصفات غانم، وبالتالي هما مرشحي السلطة، في حين ان ميشال اده ليس محسوباً على اي طرف، بل هو الاقرب الى بكركي، التي سماه سيدها في الفاتيكان وابلغ جهات دولية به وتحديداً فرنسا واميركا، الا ان قوى السلطة اعتبرت انه ليس قريباً منها ورفضه رئيس «تيار المستقبل» لانه لم تكن علاقاته مع والده الرئيس رفيق الحريري ودية كثيراً، وكان يعارضه في كثير من مواقفه وسياساته، ويناقشه فيها، واعترض على خصخصة الهاتف الخلوي وطلب باسترداده الى الدولة، وهذا التوصيف الذي اعطاه سعد الحريري في رفضه لانتخاب اده، لم يوافقه عليه النائب وليد جنبلاط الذي لم يمانع في وصوله، اذا كان لسد فراغ في رئاسة الجمهورية وادارة ازمة، فلم ينجح في تليين موقف حليفه الحريري، الذي يريد رئيساً للجمهورية لا يزعجه في رئاسته للحكومة، بل يكون منسجماً معه، ولا يناقشه، وهذه المواصفات يراها في روبير غانم الذي كان والده يطرحه كمرشح رئاسي من ضمن اسماء في العام 2004 للانتخابات الرئاسية.سقط التوافق على المرشحين غانم واده، وفشل العماد ميشال عون في احداث اختراق في جدار الازمة عندما طرح مبادرة انقاذية في الربع الساعة الاخير وقبل 24 ساعة من انتهاء المهلة الدستورية، فاقترح ان يخرج هو من لائحة المرشحين، ويقوم بدور «الناخب الملك» ويسمي مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وفي المقابل يتقدم سعد الحريري بمرشح لرئاسة حكومة التي عليها ان تضمن بيانها الوزاري ورقة التفاهم بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، واصدار قانون للانتخابات، واقفال ملف المهجرين، والبحث بصلاحيات المجلس الدستوري.هذه المبادرة رفضت فوراً من قبل قوى 41 شباط، واعتبرتها انها انقلاب على الدستور والطائف ووصفتها بالتعجيزية، ولم تلتقط الايجابي منها سوى عزوف عون عن ترشيح نفسه، دون ان ينتبه الحريري ان رئيس كتلة الاصلاح والتغيير مرر له رسالة بان الحل هو في ان يكون عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة، ويبرما اتفاقاً على غرار ما حصل بين بشارة الخوري ورياض الصلح في العام 1943 ما سمي بـ«الصيغة» او «الميثاق»، حيث حكم الرجلان مرحلة الاستقلال عن الانتداب الفرنسي.وبالرغم من ان عون اخذ ضمانات لاطلاق مبادرته وتحديداً من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تمنى عليه، تسهيل الانتخابات الرئاسية، بعد ان تلقى ساركوزي موافقة من الرئيس السوري بشار الاسد ان سوريا لا تتدخل فيها، وكل ما تطلبه هو ان لا يأتي رئيساً للجمهورية معادياً لها، فتجاوب رئيس «التيار الوطني الحر» مع الرغبة الرئاسية الفرنسية، وتقدم باقتراحاته لحل، لكن الحريري لم يوافق عليها، مما عطل ايضاً، حصول الانتخابات، واصيبت الدبلوماسية الفرنسية بنكسة، ومساعي وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير بصدمة كبرى، حيث تبين ان الادارة الاميركية التي اعطت تفويضاً لفرنسا لايجاد حل للازمة اللبنانية ومن ضمنها الانتخابات الرئاسية، لم تمنحها التفويض الكامل، بل فترة سماح لتمرير الوقت، ريثما ينعقد مؤتمر انابوليس للبحث في الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، ومعرفة الدور الذي ستؤديه الدول وتحديداً سوريا في مساعدة الولايات المتحدة في تمرير حل سلمي يستفيد منها الرئيس جورج بوش داخلياً في السنة الاخيرة من ولايته، وليظهر امام شعبه انه حقق انجازات سياسية في المنطقة، واحدث اختراقاً في المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية.اوقفت الادارة الاميركية التقدم على صعيد حل الازمة الرئاسية، ففي الوقت الذي منعت وصول مرشح توافقي قريب من المعارضة وليس من «ثورة الارز»، فانها ايضاً لم تعط ضوءاً اخضر لحلفائها لانتخاب رئيس من فريقها بالنصف زائداً واحداً، حيث عاد النائب جنبلاط من زيارته الاخيرة لواشنطن دون ان يحصل على ضمانات بذلك، لان المسوؤلين الاميركيين كانوا يعيشون في تناقض لجهة تفسير الدستور، كما اقلقهم حصول انتخابات تؤدي الى انقسام
سياسي ودستوري وانهيار في المؤسسات والدولة، مما قد يحرج حلفائهم ويفسح المجال للعودة السورية.وهكذا انجر لبنان الى شغور رئاسة الجمهورية للمرة الثالثة منذ الاستقلال في العام 3491، وانتقلت السلطة الاجرائية الى مجلس الوزراء وفق نص الدستور، وكان تفاهماً قد حصل على تنظيم الفراغ، وعدم حصول اي تفجير امني، ولعبت الاطراف اللبنانية دوراً اساسياً في ان تبقي الاستحقاق الرئاسي تحت السقف الدستوري، ورفض الانزلاق نحو الصراع العسكري، والحفاظ على سلمية هذا الاستحقاق، وافساح المجال امام الاتصالات والمفاوضات سواء اللبنانية الداخلية او الخارجية، والتي انكفأت الى حد ما، لكنها لم تتوقف، حيث توصل الاطراف اللبنانيون مع المساعي العربية والدولية، على ان تتولى حكومة فؤاد السنيورة السلطة دون ان تستخدم صلاحيات رئيس الجمهورية، وان تقوم بتصريف الاعمال فقط، وتسيير شوؤن الدولة الادارية والانمائية والمالية، دون اتخاذ قرارات كبيرة واساسية لها علاقة لها بصلب تركيبة الدولة ومؤسساتها كالتعيينات او ابرام اتفاقات وغير ذلك من المسائل التي تعتبر استفزازاً للمعارضة التي تخلت عن تشكيل حكومة ثانية، للحفاظ على الدولة ومؤسساتها ومنع انهيارها ، ولا يمكن ان تسكت امام اي محاولة ترمي الى استمرار ادارة الظهر لاكثر من نصف الشعب اللبناني وتحدي مشاعره، والقفز فوق ميثاق العيش المشترك.كانت الرسالة واضحة من قبل المعارضة، ان فترة الفراغ يجب ان لا تطول، بعد تعطيلها محاولات قام بها اطراف في السلطة لانتخاب رئيس الاكثرية المطلقة، حيث تعادل الطرفان، فلا قوى 14 شباط ذهبت الى انتخابات منفردة، ولا المعارضة اخذت البلد الى حكومتين، حيث نجح الطرفان في تأمين فوز بالمعادلة السلبية، وخرجا بقرار عدم الذهاب الى الحرب، وعدم اعتبار موعد 24 تشرين الثاني موعداً نهائياً لانتخاب الرئيس، حيث ساعد مغادرة الرئيس لحود القصر الجمهوري في منتصف ليل 23-24 تشرين الثاني، على عدم حصول تشنج سياسي، اذ اكتفى باصدار مرسوم كلف بموجبه الجيش حفظ الامن ومواجهة اية اخطار محتملة قد تهدد السلم الاهلي ووحدة لبنان، مما يستدعي اعلان حالة الطوارىء التي لم يشر اليها رئيس الجمهورية في بيانه بل حذر من الوصول اليها.
وانهى لحود عهده بالحفاظ على وحدة المؤسسات، ورفض الانجرار وراء تشكيل حكومة ثانية، وهو كان يطرح قيام حكومة اقطاب او انقاذ للخروج من الازمة الحكومية بعد ان سقطت شرعية حكومة السنيورة باستقالة وزراء الشيعة منها، ففقدت دستوريتها وميثاقيتها وخالفت الفقرة (ي) من الدستور والمادة 95 منه.ومع انتهاء ولاية الرئيس لحود، وعدم الاتفاق على رئيس للجمهورية، شعر المسيحيون عموماً والموارنة خصوصاً، كما اللبنانيين، بان الفراغ قد يطول اذا لم يحصل توافق على مرشح رئاسي، وان الحكومة الحالية التي تمارس منذ سنة متخطية الدستور وصلاحيات رئيس الجمهورية، قد عوّدت اللبنانيين على ذلك، ويتم التعاطي معها كامر واقع، وتلقى تأييداً خارجياً، مما يكرس هذا العرف، وتصبح رئاسة الجمهورية مع مرور الزمن في فراغ دائم، وهذا ما دفع بالبطريرك صفير الى التحذير من استمرار هذا الواقع، واستعجل انتخاب رئيس جديد من خارج لائحته التي لم يتمسك بها، بل ابلغ من اتصل به انه لا يمانع في اي اسم يستحوذ على توافق اللبنانيين، حتى ولو كان الامر يحتاج الى تعديل للدستور، واحس ايضاً بان الرئاسة الاولى قد تخرج من الموارنة، كما ان التطورات السياسية، قد تعيد ايضاً البحث في اتفاق الطائف وفي الصلاحيات وموضوع المشاركة، لجهة ما يطرح في موضوع المثالثة ضمن المناصفة.هذه الهواجس لدى البطريرك الماروني، بدأت تشكل قلقاً لديه كما لدى الفعاليات المسيحية، من ان يكون لحود اخر رئيس ماروني، وبدأ البحث لملىء الفراغ، حيث بدأت الشكوك تراود المسيحيين المعارضين، من ان تكون الولايات المتحدة وراء الفراغ لتمكين رئيس الحكومة السني من الامساك بالقرار مع وجود اغلبية نيابية متحالفة معها، وتنفذ مشروعها في لبنان.وقد كشف العماد عون جانباً من ذلك، عندما اشار الى ان الدعم الذي كانت تعلنه الادارة الاميركية يومياً لفؤاد السنيورة وحكومته لم تكن من دون حسابات سياسية لبنانية واقليمية، بعد ان اكد الرئيس بوش ان حكومة السنيورة تشكل خط الدفاع عن المشروع الاميركي.فالفراغ الذي شجعت عليه واشنطن في رئاسة الجمهورية، تملأه في رئاسة الحكومة، التي اصبحت اداة بيدها، كما تقول المعارضة، وتخشى من ان يطول الفراغ، ليبقى السنيورة ممسكاً بالسلطة، بعد تهميش دور رئيس الجمهورية اثناء وجود الرئيس لحود، ومقاطعة السفراء له، وعدم التواصل الدولي معه، وفرض حظر ديبلوماسي وسياسي عليه، وتغليب رئاسة الحكومة على رئاسة الجمهورية في تخطي الدستور وصلاحيات رئيس الجمهورية وبغطاء من مسيحيي 41 شباط وسكوت البطريركية المارونية، التي بدأت تستشعر الخطر الحقيقي على الوجود السياسي المسيحي في السلطة.وفي مقابل الفراغ الذي ارادته ادارة بوش في رئاسة الجمهورية اذا لم يأت رئيس من 14 شباط، فان المعارضة تتعامل ايضاً، وكأن الحكومة غير موجودة، وهي في فراغ لانها غير شرعية، وهذا ما عبّر عنه «حزب الله» الذي اكد عبر مسوؤليه ان الصبر قد نفذ، وان التنازلات قد استهلكت، وان الحفاظ على السلم الاهلي لا يعني التفريط بالحقوق، وارسلت قيادة الحزب تحذيراً قوياً من ان لجوء السنيورة الى استعمال صلاحيات رئيس الجمهورية لن تمر وستتم مواجهة ذلك وتحديداً اذا ما حاول تعيين وزراء شيعة مكان الوزراء المستقلين، وكانت الفكرة قد راودته وجرى تشجيعه عليها، لكنه تراجع عنها لمعرفة التطورات.ومع دخول لبنان الفراغ الرئاسي، والشلل الحكومي، فان البحث لم يتوقف عن مرشح يحظى بتوافق من خارج لائحة صفير، حيث عاد الحديث عن ارتفاع حظوظ قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي تراجع «الفيتو» عليه من الموالاة وتبنت فجأة ترشيحه، وتعديل الدستور له، الذي لم يكن يلقى تأييداً من قبل اطراف في 14 شباط، في وقت لم يعارض البطريرك صفير ذلك اذا كان لانقاذ لبنان والخروج من المأزق.ويبدو ان الاتصالات قد قطعت شوطاً في هذا الاتجاه، كما تشير المعلومات، والتي تجري لتذليل العقبات التي تعترض وصول قائد الجيش الذي خفت نبرة الموالاة ضده، وبدأ الحديث عن ان لا مانعاً من تعديل الدستور، بعد ان خسرت ورقة وصول مرشح منها او الانتخاب بالنصف زائدا واحداً بعد اعتراض
صفير وتأييد الادارة الاميركية له مع دول اوروبية، ايدت وصول رئيس توافقي، وهو ما دفع بجنبلاط الى التراجع وتبديل مواقفه.فاحتمال انتخاب العماد سليمان بات قوياً، وفق بورصة المرشحين، وان التوافق عليه، قد لا يكون صعباً او مستحيلاً، لان عدم انتخاب رئيس خلال الايام المقبلة، قد يذهب بالفراغ الى ما بعد الاعياد وامتداده الى الربيع المقبل، والبعض يتحدث عن انه قد يصل الى الانتخابات النيابية في العام 2009.وكشفت المعلومات ان قبول قوى 14 شباط بالعماد سليمان، قد يسرّع في الوصول الى اتفاق لان المعارضة لا ترفضه، وتحديداً «حزب الله» و«امل»، ويبقى موقف العماد عون الذي يصر على ترشيح نفسه، لكنه لا يقفل الابواب امام الحلول والاحتمالات، فهو يقبل بمرشح غير تصادمي، وهذا ما يمثله قائد الجيش الذي اكد خلال ممارسته انه رفض نزع سلاح المقاومة والصدام معها، كما لم يمنع حصول تظاهرات لقوى 8 و14 اذار خلال عام 2005، وان معارك مخيم نهر البارد، وحدت اللبنانيين اكثر حول الجيش، الذي ارتفعت اسهم قائده كحل لازمة الرئاسة.
Leave a Reply